يتردد فى وسائل الإعلام من آن لآخر تعبير " استدعاء السفير " للدلالة على عدد من الحالات المتباينة التى تشهدها العلاقات الدبلوماسية بين الدول، فمثلما يعد التمثيل الدبلوماسى المتبادل دليلاً على استقرار العلاقات بين الدول .. فإن هذا التمثيل نفسه يستخدم كأداة للتعبير عن عدم استقرار هذه العلاقات ومرورها بأزمات ومشكلات..ويتم ذلك من خلال إجراءت عديدة متدرجة .. بدءاً من طلب إيضاحات معينة ...وصولاً إلى القطع الكامل للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ومن بين هذه الإجراءات، مايسمى باستدعاء السفير .. وهو تعبير له أكثر من مدلول دبلوماسى وقانونى. فهو يستخدم أحيانا للتعبير عن قيام دولة ما بسحب سفيرها من دولة أخرى.. وفى هذه الحالة تستمر البعثة الدبلوماسية فى أداء عملها برئاسة القائم بالأعمال بالإنابة ..وهو إجراء يعنى عملياً تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسى - ولو مؤقتاً - كتعبير عن امتعاض الدولة من سياسات ومواقف دولة أخرى. ويتخذ هذا الإجراء أشكالاً عديدة أشهرها أن تقوم دولة باستدعاء سفيرها لدى دولة أنشئت إلى بلاده للتشاور ( طبعا بشأن القضايا موضع الخلاف أو الاحتجاج ).. وقد يتم ذلك من خلال تباطؤ الدولة فى إرسال سفير جديد لها محل سلفه الذى انتهت مدته بشكل طبيعى... وقد يتم ذلك أيضاً من خلال قيام السفير بإجازة فى بلده تستمر طويلاً بشكل متعمد ومفهوم سببه. وقد يتم الاستدعاء من خلال إعلان رسمى من دولة السفير بسحبه من الدولة المعتمد لديها اعتراضاً على سياسات غير مقبولة، مثلما فعلت كل من السعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من قطر فى شهر مارس الماضى وقد يستمر سحب السفير طويلاً .. فقد سحبت مصر السفير سعد مرتضى من تل أبيب اعتراضاً على العدوان الإسرائيلى على لبنان عام 1982، واستمرت البعثة دون سفير 4 سنوات حتى تمت ترقية أحد أعضاء البعثة إلى درجة سفير ( السفير محمد بسيونى ) وقد تم ذلك بعد أن تحقق شرط مصرى آخر وهو توقيع إسرائيل على مشارطة التحكيم بشأن طابا ..التى كانت الخطوة الأولى فى معركة دبلوماسية – قانونية انتهت بتحرير طابا وعودتها لأرض الوطن وعادة ماترد الدولة الأخرى بإجراء مماثل لحفظ ماء الوجه، وفى بعض الأحيان لايحدث ذلك ..فقد سحبت مصر سفيرها عبد الفتاح عمرو من لندن عام 1951 ولم ترد بريطانيا بالمثل. تعبير" استدعاء السفير " يستخدم أيضا للدلالة على إجراء مغاير تماماً لكل ما سبق.. ويقصد بذلك قيام وزارة الخارجية باستدعاء سفير دولة ما إلى مقر الوزارة (أى الطلب إليه الحضور إلى مقر الوزارة) لمقابلة أحد مسئوليها لإبلاغه عدم رضا الدولة عن سياسات دولة السفير أو سلوكيات السفير نفسه. وأهداف هذا الاستدعاء متعددة ومتدرجة .. تبدأ من مجرد طلب إيضاحات بشأن موضوع ما ( مثل استدعاء بعض الدول الأوروبية سفراء مصر لديها لطلب إيضاحات عن بعض الأحداث التى شهدتها مصر فى الشهور الأخيرة )..وقد يكون الاستدعاء لإبلاغ السفير احتجاجاً واضحاً ( مثل استدعاء وزارة الخارجية المصرية مؤخراً لرئيس البعثة الإيرانية فى القاهرة " لإبلاغه ببعض الملاحظات والتعليقات حول ضرورة اتفاق عمل البعثة الايرانية فى القاهرة مع قواعد العمل الدبلوماسى المعمول بها"). بل قد يصل هدف الاستدعاء إلى الحد الأقصى وهو إبلاغ السفير بالعبارة التى عاش عمره لا يتمنى سماعها وهى " اعتباره شخصاً غير مرغوب فيه "..وهو تعبير يعنى انتهاء صفته فى الدولة وضرورة مغادرة أراضيها خلال 48 ساعة.. وهذا من أقسى إجراءات التصعيد الدبلوماسى .. ولايحدث إلا فى حالات نادرة مثل ارتكاب السفير أعمالاً خطيرة ( كالتجسس) أو فى حالة التدهور الحاد فى العلاقات بين البلدين . وأشهر مثال على ذلك هو استدعاء وزارة الخارجية المصرية للسفير التركى فى شهر نوفمبر الماضى، حيث أبلغه مدير المراسم بالوزارة بقرار مصر باعتباره" شخصاً غير مرغوب فيه" تعبيراً عن استياء مصر العارم من تكرار تصريحات اردوغان التى تجاوزت الحدود فى الإساءة لمصر والتدخل فى شئونها الداخلية بالإضافة إلى كل ذلك، فإن تعبير" استدعاء السفير" يستخدم بشكل دائم بمعنى آخر ليس له أى مدلول سلبى..ويقصد بذلك عودة السفير إلى بلاده بشكل طبيعى، إما لانتهاء مدة عمله فى تلك الدولة..أو لترقيته لمنصب آخر فى بلده، أو نقله لرئاسة بعثة فى دولة أخرى، أو إلى الديوان العام لوزارة الخارجية، أو وصوله إلى سن التقاعد . وفى كل هذه الحالات تتم للسفير إجراءات تشبه إجراءات اعتماده عند بدء مهمته، مثل تقديم خطاب استدعاء إلى وزارة الخارجية فى الدولة المعتمد لديها، ومقابلة كبار المسئولين فيها لوداعهم، (والحصول احيانا على نياشين وأوسمة) ووداع نظرائه من سفراء الدول الأخرى وتلبية العديد من دعوات تكريمه .. كل ذلك فى جو احتفالى..رغم أن الإجراء نفسه يحمل اسم" استدعاء السفير"!!