خلال الثلاث سنوات الأخيرة والتى تزامنت مع فترة قيام ثورتين زاد عدد المواليد بمعدل سبعة ونصف مليون طفل.. هؤلاء الأطفال الصغار قدرهم أن يعيشوا طفولتهم المبكرة، هم وأقرانهم من أطفال آخرين يكبرونهم بسنوات قليلة، فى مناخ مفعم بالأحداث والمتغيرات. حيث تحيطهم بيئة أسرية غالبا ما تكون دائمة الشجار بسبب اختلاف وجهات النظر بين أفرادها، وضيف ثقيل متمثل فى التليفزيون بقنواته الأرضية والفضائية وبرامجه الحوارية والتى- فى معظم الأحيان- تنتهى بمشاجرة الضيوف وانسحاب البعض قبل نهاية البرنامج، فضلا عن مشاهد العنف فى المظاهرات والمشاهد الدموية الناتجة عن إرهاب هنا وتفجير هناك تبثها نشرات الأخبار على مدار الساعة!. فكيف نحمى هؤلاء الأطفال من هذا المناخ الذى يحيطهم من جميع النواحى ونشعرهم بالأمان حتى لا يتعرضوا لأى مخاطر نفسية تعوق مشوار حياتهم كمواطنين أسوياء سيقودون قاطرة المستقبل؟ بداية يوضح د.جمال شفيق أحمد أستاذ العلاج النفسى ورئيس قسم الدراسات النفسية للأطفال بمعهد الدراسات العليا للطفولة جامعة عين شمس أن هذه المرحلة العمرية التى تقع مابين سنتين إلى ست سنوات تعتبر الفترة التكوينية فى حياة الإنسان وتمثل الأسرة المحيط الأول والأساسى والجوهرى الذى يبدأ فيه الطفل التعلم، وهى أول من يقدم له الرعاية والعناية والتوجيه، كما أنها تعد فى الوقت ذاته المصدر الأول للعلاقات الاجتماعية والتعلم والإحساس بالأمان والانتماء، وبطبيعة الحال فإنه تقع المسئولية فى تربية الطفل وتنشئته على الوالدين اللذين يجب أن يتنبها إلى أن الطفل فى هذه المرحلة فى حاجة ماسة لشعوره بالأمن والراحة النفسية وعدم الشعور بالإهانة وكذلك حاجته للحب المتبادل مع والديه وإخوته وأقرانه للصداقة والقبول حتى لا يعانى من الجوع العاطفى وهو فى مثل هذه السن الصغيرة. ويؤكد د.عماد مخيمر أستاذ ورئيس قسم علم النفس بكلية الآداب جامعة الزقازيق أن تربية الأطفال والتعامل معهم فى ظل هذه الأحداث أصبحت مهمة شاقة جدا للأسرة حيث أصبح القائمون على تربية الطفل حاليا أما وأبا وقنوات فضائية و”نت”.. ونظرا لما يعايشه الطفل مع أسرته من أحداث فلذا يجب على الأسرة أن تشعره بالأمان من خلال حجبه عن رؤيته لمشاهد العنف والإرهاب الدائمة الظهور على شاشة التليفزيون لأن الإرهاب يصيب الطفل بشعور عدم الأمن على ذاته وأسرته ومستقبله، وحتى برامج “التوك شو” إذا كانت تناقش أو تعلق على حادثة إرهابية المفروض ألا يشاهدها الطفل، ولكن إذا كان البرنامج يتناول موضوعا اجتماعيا على مستوى الطفل فمن الممكن أن يسمح له بمشاهدته والحوار معه حول ما تناوله البرنامج، وكذلك على الأسرة أن تعمل جاهدة على تثبيت البيئة لدى طفلها، بمعنى أن يكون هناك انتظام فى مواعيد نومه واستيقاظه وتناوله للطعام ومشاهدة التليفزيون أو الجلوس على “النت”، وكذلك مواعيد للعب وللمذاكرة لأن تنظيم البيئة للطفل يجعله يتنبأ برد فعل الأب والأم ناحيته فى أى وقت ويزيد شعوره بالأمن ويصبح نظام حياته مستقرا فى ظل كل هذه الأحداث المتلاحقة التى يعيشها مع أسرته، مع ملاحظته ومتابعته بشكل غير مباشر خاصة عند جلوسه أمام التليفزيون أو الكمبيوتر بمفرده حتى لا يشاهد قنوات أفلام الرعب أو يدخل على مواقع غير محمودة، كما يجب أن تمنح له فرصة التعارف لمن فى مثل سنه وتكوين صداقة معهم حتى ولو صديق واحد فذلك مفيد لصحته الجسمية والعقلية والانفعالية ويعطى له خصوصية، ولا نغفل دور أشقائه الأكبر سنا والذين يستكملون دور الأب والأم فى منحه الحنان واللعب معه ومساعدته فى المذاكرة.. ويختتم د.مخيمر كلامه بضرورة تجنب الأبوين أى نقاش بينهما يمكن أن يحتدم أمام الطفل حتى لا يفقد شعوره بالأمان وينفر من أحدهما أو كلاهما.