منافس الأهلي.. بورتو يسابق الزمن لضم فيجا قبل انطلاق مونديال الأندية    7 لاعبين مهددون بالرحيل عن ريال مدريد    أحمد الفيشاوي يثير الجدل مجددًا بظهوره ب«حلق» في أحدث إطلالة على إنستجرام    من مدريد إلى نيويورك..فى انتظار ولادة صعبة لحل الدولتين    باريس سان جيرمان ينهي عقدة تاريخية لأندية فرنسا أوروبيًا    بعد رحيله عن الأهلي.. هل طلب سامي قمصان ضم ميشيل يانكون لجهاز نادي زد؟    لاعبان سابقان.. الزمالك يفاضل بين ثلاثي الدوري لضم أحدهم (تفاصيل)    معاكسة فتاة ببنها تنتهى بجثة ومصاب والأمن يسيطر ويضبط المتهمين    متحدث الصحة: نضع خطة طوارئ متكاملة خلال إجازة العيد.. جاهزية كل المستشفيات    ديستربتيك: استثمرنا 65% من محفظتنا فى شركات ناشئة.. ونستعد لإطلاق صندوق جديد خلال عامين    مطالب برلمانية للحكومة بسرعة تقديم تعديل تشريعى على قانون مخالفات البناء    البلشي يرفض حبس الصحفيين في قضايا النشر: حماية التعبير لا تعني الإفلات من المحاسبة    القومي لحقوق الإنسان يكرم مسلسل ظلم المصطبة    الحبس والغرامة للمتهمين باقتطاع فيديوهات للإعلامية ريهام سعيد وإعادة نشرها    «سيبتك» أولى مفاجآت ألبوم حسام حبيب لصيف 2025    مدير فرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية يستقبل وفدا من الصحة العالمية    رئيس النحالين العرب: 3 جهات رقابية تشرف على إنتاج عسل النحل المصري    وزير الصحة: تجاوزنا أزمة نقص الدواء باحتياطي 3 أشهر.. وحجم التوسع بالمستشفيات مش موجود في العالم    بحثًا عن الزمن المفقود فى غزة    مصطفى كامل وأنوشكا ونادية مصطفى وتامر عبد المنعم فى عزاء والد رئيس الأوبرا    20 صورة.. مستشار الرئيس السيسي يتفقد دير مارمينا في الإسكندرية    موعد أذان مغرب السبت 4 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب عشر ذي الحجة    بعد نجاح مسابقته السنويَّة للقرآن الكريم| الأزهر يطلق «مسابقة السنَّة النبويَّة»    ماذا على الحاج إذا فعل محظورًا من محظورات الإحرام؟.. الدكتور يسري جبر يجيب    الهمص يتهم الجيش الإسرائيلي باستهداف المستشفيات بشكل ممنهج في قطاع غزة    الإخوان في فرنسا.. كيف تُؤسِّس الجماعة حياةً يوميةً إسلاميةً؟.. خطة لصبغ حياة المسلم فى مجالات بعيدة عن الشق الدينى    المجلس القومي لحقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل ظلم المصطبة    وزارة الزراعة تنفي ما تردد عن بيع المبنى القديم لمستثمر خليجي    برونو يحير جماهير مانشستر يونايتد برسالة غامضة    القاهرة الإخبارية: القوات الروسية تمكنت من تحقيق اختراقات في المواقع الدفاعية الأوكرانية    "أوبك+": 8 أعضاء سيرفعون إنتاج النفط في يوليو ب411 ألف برميل يوميا    قواعد تنسيق العام الجديد.. اعرف تفاصيل اختبارات القدرات    ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    محافظ القليوبية يوجه بسرعة الانتهاء من رصف وتطوير محور مصرف الحصة    ب حملة توقيعات.. «الصحفيين»: 5 توصيات ل تعديل المادة 12 من «تنظيم الصحافة والإعلام» (تفاصيل)    استعدادًا لعيد الأضحى| تفتيش نقاط الذبيح ومحال الجزارة بالإسماعيلية    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية    تكشف خطورتها.. «الصحة العالمية» تدعو الحكومات إلى حظر جميع نكهات منتجات التبغ    وزير الخارجية يبحث مع عضو لجنة الخدمات العسكرية ب"الشيوخ الأمريكي" سبل دعم الشراكة الاستراتيجية    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    لماذا سيرتدي إنتر القميص الثالث في نهائي دوري أبطال أوروبا؟    تفاصيل ما حدث في أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنوفية    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    رئيس الإنجيلية يستهل جولته الرعوية بالمنيا بتنصيب القس ريموند سمعان    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    "نفرح بأولادك"..إلهام شاهين توجه رسالة ل أمينة خليل بعد حفل زفافها (صور)    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    عمرو الدجوى يقدم بلاغا للنائب العام يتهم بنات عمته بالاستيلاء على أموال الأسرة    عيد الأضحى 2025.. محافظ الغربية يؤكد توافر السلع واستعداد المستشفيات لاستقبال العيد    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد محيى الدين
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 06 - 2014

تجتمع فى شخص خالد محيى الدين ثلاثة رموز تعبّر باتحادها عن الملامح الأساسية لشخصية هذا القائد الكبير،
القادم إلى العالم العربى من تاريخ مصر الحديث الحافل بالأحداث الكبيرة فى اتجاهاتها المختلفة. يتمثل الرمز الأول فى أن خالد محيى الدين هو البقية النقية الباقية من ثورة تموز/يوليو التى كان مع صديقه ورفيق عمره جمال عبدالناصر من أوائل الذين أعدّوا لها وساهموا بدور أساسى فى تفجيرها. ويتمثل الرمز الثانى فى أن خالد كان منذ بدايات عمره، واستمر كذلك حتى هذه اللحظة من حياته، ديمقراطياً بكل المعاني، ديمقراطياً أصيلاً غير مهادن فى التمسك بقيم الديمقراطية، مختلفاً فى ذلك حتى مع أقرب الناس إليه، وأعزهم وأكثرهم صداقة ورفقة عمر، أعنى الرئيس جمال عبدالناصر، الذى سمى ابنه البكر على اسم صديقه خالد محيى الدين. أما الرمز الثالث فيتمثل فى أن خالد كان فى آن معاً، ومن دون ارتباك أو تردد أو خلل، اشتراكياً بمرجعية ماركسية، ومسلماً مؤمناً متمسكاً بقيم دينه، متمايزاً عن كل ما أدخل إلى الدين من بدع تتعارض مع قيمه. واجتماع هذه الرموز الثلاثة فى شخص خالد محيى الدين هو الذى حوله إلى ما يشبه الأسطورة، رغم ما ارتكب باسمه من بعض سياسات لم يعترض هو عليها، قادته وهو فى الثالثة والثمانين من عمره إلى خسارة مركزه الانتخابى فى الدائرة التى وثقت به على امتداد حياته النيابية، ومنحته أصواتها، وتمسكت به قائداً لها تعتز بانتسابه لها، وتفخربارتباطها به. وكانت تلك الخسارة فى الانتخابات التى جرت فى أواخر عام 2005، وفازت فيها حركة الأخوان المسلمين بنسبة عالية من الأصوات ومن المقاعد فى مجلس الشعب، على حساب المقاعد التى كان يفترض أن تكون من نصيب المعارضة ومن بينها حزب التجمع، وعلى حساب قسم من المقاعد التى كانت تعود فى الأعوام السابقة إلى الحزب الوطني، حزب السلطة.
لكن أهمية خالد محيى الدين، ابن هذا التاريخ الطويل، وصاحب العمر المديد والتجربة النضالية الغنية،أنه يظل، برغم المعاناة والخيبات، متفائلاً بالمستقبل. وحين التقيت به فى الفترة التى أعقبت خسارته مقعده النيابى فى الانتخابات الأخيرة وجدته كعادته يناقش فى شئون تتصل باللحظة التى هو فيها، متجاوزاً إياها إلى المستقبل فى وطنه مصر أولاً، وفى الوطن العربى وفى العالم. ومن يعرف خالد محيى الدين يستطيع أن ينقل إلى الذين لا يعرفونه سمات هذا الرجل البسيطة والجميلة. فهو يستقبلك بوجه طافح بالحياة، فيه براءة الأطفال، وابتسامة لا يخفيها حتى الإحساس بالوجع الروحى والجسدي. فيجعلك تحبه وتحترمه، حتى وأنت تختلف معه فى البعض من الأفكار والمواقف والآراء والرؤي. وقد تعمقت لديَّ مشاعر الحب له، بحكم صداقة عمرها يقترب من ستين عاماً. فقد كان أول لقاء لى به فى عام 1956 عندما كان يرأس تحرير جريدة المساء، يساعده فيها صديقه وصديقى سعد التائه، وكان يكتب فيها كبار المثقفين من أهل اليسار، إذ كانت وظيفتها لدى إنشائها أن تكون منبراً لليسار، تعويضاً لخالد بالذات ولزملائه وأصدقائه من أهل اليسار كذلك، بعد عودته من المنفى إثر إقصائه من مجلس قيادة الثورة فى عام 1954. وقد رافقته على امتداد تلك الأعوام من علاقة الصداقة فى مراحل حياته المختلفة، فى كل المواقع التى احتلها، أو التى أوكلت إليه، فى رئاسة مجلس إدارة «أخبار اليوم» فى الستينيات، ثم فى الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي، ثم فى رئاسة حركة السلم المصرية وفى القيادة العليا لمجلس السلم العالمي، ثم فى حزب التجمع الوحدوى التقدمى الذى أسسه وانتخب رئيساً له لأعوام عديدة، ثم انتخب رئيس شرف له مدى الحياة، بعد أن قارب الثمانين من عمره.
ولد خالد محيى الدين فى عام 1923. كان والده يمارس الزراعة فى منطقة كفر شكر ثلاثة أيام فى الأسبوع، وكان يتمتع بقدر من الثراء، وكان خالد يذهب إلى المنطقة بين الحين والآخر مع والديه، ولذلك اختارها فيما بعد لكى تكون المنطقة الانتخابية التى اختاره سكانها ليكون ممثلهم على امتداد عقود فى مجلس الأمة ثم فى مجلس الشعب فيما بعد. وكان جده لوالدته أحد مشايخ الطريقة «النقشبندية». وكان خالد يحضر اللقاءات الدينية والسياسية والاجتماعية التى كانت تجرى فى تكية جده النقشبندية فى كفر شكر. وساعده حضوره مجالس هذه التكية وزياراته إلى المنطقة فى التعرف على الفلاحين فى المنطقة وعلى أحوالهم، ويقول خالد فى كتابه «الاشتراكية والدين» عن هذه المرحلة من حياته فى التكية التى تعرف فيها لأول مرة إلى السياسة: «.. ولما كان الحكم فى أغلب فترات التاريخ الإسلامى يمثل حكم الفئات الأكثر قوة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فقد استطاعت هذه الفئات وهى فى مراكز السلطة أن تزعم أنها تحكم باسم الدين والقرآن. لكنها فى الحقيقة كانت تحكم وفقاً لتفسيرها لتعاليم الدين والقرآن، ذلك التفسير الذى تستخدمه لتكيف به أية تفسيرات وأفكار أخرى كانت تحاول أن تجد سبيلها إلى الظهور».
تنقل خالد بعد إنهاء دراسته الإبتدائية بين مدرستين ثانويتين هما المدرسة الإبراهيمية أولاً، ثم مدرسة فؤاد الأول التى كانت من أكثر المدارس إسهاما فى التحركات الطلابية وفى تنظيم المظاهرات. فقاده ذلك إلى الإندماج، رغم أنفه كما يقول، فى المناخ السياسى المتفجر إبتداء من عام 1935. وشارك فى مظاهرات عام 1936 ضد معاهدة صدقي، وعلم فيما بعد أن أنور السادات وزكريا محيى الدين كانا معه فى المدرسة ذاتها، ولكن فى صفين مختلفين. ومن مدرسة فؤاد الأول انتقل إلى مدرسة فاروق الأول، وفى هذه المرحلة من دراسته تعرّف إلى أحمد حسين مؤسس حركة «مصر الفتاة» المعروف بميوله النازية، وأعجب به. وفى عام 1938 انتقل إلى الكلية الحربية بعد أن كان قد نال شهادة الثقافة، التى اعتبرت بقرار استثنائى من قبل الملك معادلاً للشهادة الثانوية، إكراماً لأحد أبناء صهره الذى كانت قد تعثرت دراسته. الأمر الذى سمح لخالد بالانتقال من دون شهادة ثانوية رسمية إلى الكلية، وتخرج فى الكلية فى عام 1940 برتبة ملازم ثان فى سلاح الفرسان، وكانت قد ترسخت فى عقله ووجدانه كراهيته للإنجليز ولسياساتهم، عززتها عنده طريقتهم المهينة فى التعامل مع سلطات بلده. وكان النموذج الأول لذلك التعامل فرضهم بقوة الدبابات حكومة حزب الوفد برئاسة مصطفى النحاس على الملك فى عام 1940، فيما يعرف بحادثة الرابع من فبراير الشهيرة. ففى أعقاب ذلك الحادث عقد اجتماع للضباط، كبارهم وصغارهم، تجاوز الثلاثمائة ضابط لمناقشة الحدث. وكان اجتماعاً عاصفاً وغاضباً. ولعله، كما يقول خالد فى كتابه الآنف الذكر، كان البداية فى تأسيس حركة الضباط الأحرار، التى استندت إلى تلك المشاعر الوطنية لدى الكثرة من الضباط، ليس حباً بالملك، بل احتجاج على إهانة الإنجليز للكرامة الوطنية المصرية. وقادته مشاعره الوطنية إلى اتخاذ قرار حازم فى الانخراط فى الحركة السياسية منذ ذلك التاريخ. وكان قد بلغ السابعة عشرة من عمره. وتشاء المصادفات أن يلتقى فى الكلية الحربية مع عدد من الطلاب الذين أصبحوا فيما بعد أعضاء فى حركة الضباط الأحرار، وصار بعضهم أعضاء فى مجلس قيادة الثورة. وهؤلاء هم: مجدى حسنين ولطفى واكد وصلاح هدايت وثروت عكاشة وحسن ابراهيم وصلاح سالم وعبد اللطيف بغدادى وزكريا محيى الدين ويوسف صديق وأحمد عبد العزيز. كان كل واحد من هؤلاء فى فرع يختلف فيه عن الآخر. وكان الهم الوطنى عند خالد وعند هؤلاء يتطور. وكانت تجرى نقاشات خافتة تتناول مواضيع مما كانت تولده وتثيره الحرب العالمية وأخبارها، وعلاقة أحداثها بمصر. وكان خالد يشارك فى النقاش، ويقرأ فى الكتب حول المشكلات الاستراتيجية وحول قضايا المنطقة وانعكاساتها العسكرية. واستهوته المعارك العسكرية.
ويتحدث خالد عن عدد من الضباط الذين ساعدوه فى تكوين شخصيته عبر اللقاءات والنقاشات وفى تشجيعهم إياه على القراءة المتعددة المتنوعة. ويذكر فى هذا الإطار كيف تعرف من خلال أحد هؤلاء الضباط فى عام 1944 إلى جمال عبد الناصر.
فى تلك الفترة تعرّف خالد مع جمال عبد الناصر، من خلال بعض الضباط، إلى الإخوان المسلمين، وصولاً إلى المرشد العام حسن البنا. ويذكر من بين الذين كان يجتمع بهم ومعهم أحمد مظهر الضابط الذى تحول فيما بعد إلى ممثل سينمائى شهير، ومجدى حسنين الذى صار فى وقت لاحق زميلاً له فى حركة السلم المصرية..
ثم انتصرت الثورة. وبدأ مع انتصارها الصراع حول مستقبلها وحول مستقبل مصر بقيادة زعماء الثورة. وتفاقم الصراع بين الأخوة داخل مجلس قيادة الثورة. وكان موقف خالد محيى الدين منذ البداية يميل بحزم نحو إقامة نظام ديمقراطى يهيئ له الضباط الأحرار ثم يعودون إلى ثكناتهم. واستمر الخلاف واشتد إلى أن جاءت أحداث عام 1954 حول محمد نجيب، الذى استقال بهدف العودة أقوى إلى موقع القرار، فأحدث تصدعاً فى قيادة مجلس الثورة، انتهى بإقصائه، وبإقصاء خالد محيى الدين معه من القيادة، بعد أن كان قد رشح لمنصب رئيس الوزراء فى ظل رئاسة محمد نجيب لمجلس قيادة الثورة ورئاسة الدولة فى آن. وذهب خالد إلى جنيف منفياً. لكن جمال عبد الناصر حرص كل الحرص على أن يكون صديقه خالد فى منفاه معززاً مكرماً. ولم يمض على إقصائه عام ونيف حتى استدعاه صديقه عبد الناصر بعد أن كان قد أصبح رئيس البلاد بالوكالة أولاً، ثم بالانتخاب فيما بعد. استدعاه لكى يظل إلى جانبه، خارج مواقع القرار، فى مجال الإعلام والثقافة، مختلفاً معه فى السياسة الداخلية حول الديمقراطية، محتفظاً بصداقته. فترأس خالد مجلس إدارة جريدة «المساء» كمنبر لليسار فى عام 1956، ثم أصبح رئيساً لحركة السلم المصرية، ثم عضواً فى قيادة «الاتحاد الاشتراكي» ممثلاً للجناح اليسارى فيه. ورغم أن عبد الناصر اختلف مع الشيوعيين، ووضع العديد منهم فى السجون، ونفى آخرين خارج البلاد، فإنه ظل محتفظاً بعلاقة ودية مع خالد محيى الدين متجاوزاً الخلافات معه فى عدد من القضايا السياسية، لاسيما فى موضوع الديمقراطية. وحين قرر الرئيس عبد الناصر فى أواسط الستينيات الاستعانة بكل الطاقات من أجل بناء مصر الحديثة، أفرج عن الشيوعيين، وطلب منهم حلّ تنظيماتهم والدخول أفراداً و مجموعات إلى الاتحاد الاشتراكي. فلبوا طلبه ودخلوا بقوة فى هذا التنظيم السياسى الوحيد. وصار عدد منهم أعضاء أساسيين فى قيادته. بل أن الرئيس عبد الناصر دعا عدداً منهم ليكونوا مؤسسين للتنظيم الطليعى داخل الاتحاد الاشتراكي. وشجع بعض المثقفين الكبار منهم وفى مقدمتهم لطفى الخولى على إصدار مجلة «الطليعة» التى كانت منبراً مميزاً لليسار، بل منبراً أساسياً للعقلانية. وكان من كتابها الكبار خالد محيى الدين.
وتمر الأيام سريعاً وتتعاقب الأحداث فى اتجاهاتها المختلفة، بدءاً بحرب حزيران وبالهزيمة التى أعلن الرئيس عبد الناصر بشجاعة مسئوليته الأساسية فيها، طالباً من الشعب مساعدته فى قراره التنحى عن المسئولية. وهو كان الحدث الذى ألهب الشارع المصرى وفرض على الرئيس عبد الناصر العودة عن قراره. ثم تبدأ مرحلة جديدة فى حياة مصر وفى اتجاهات الأحداث السياسية فيها. وتحدث تحولات فى مواقف عبد الناصر الفكرية والسياسية. ويستعيد خالد محيى الدين فى تلك الفترة دوراً كبيراً من موقعه داخل الاتحاد الاشتراكى وعلى رأس حركة السلم المصرية، إلى أن يفاجأ وتفاجأ مصر والعالم بوفاة الزعيم العربى الكبير. وتبدأ مرحلة جديدة أخري، لكن فى اتجاه معاكس لما كان قد بدأ عقب هزيمة يونيو حزيران وبيان 30 آذار/مارس الذى جددت فيه الثورة منهجها وبرنامجها فى سياسة السلم المعلنة من جهة، والإعداد للحرب من أجل استعادة الأرض من جهة ثانية، فيما صار معروفاً بحرب الاستنزاف. وكان العنوان الأساسى للمرحلة الجديدة، فى عهد الرئيس السادات، التصفية التدريجية لتراث عبد الناصر فى المجالات كلها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكان من أوائل التعبيرات عن هذا التوجه إلغاء المعاهدة مع السوفيت وإنهاء دور الخبراء السوفيت. وهى القرارات التى بدأ فيها خالد محيى الدين صراعه مع السادات. واستمر هذا الصراع على امتداد عهد السادات كله.
فى أواسط السبعينيات قرر السادات إنشاء منابر داخل الاتحاد الاشتراكي، من بينها منبر لليسار. وهذا المنبر هو الذى تحول إلى حزب التجمع الوحدوى التقدمى الذى تزعمه منذ البداية، وكان رمزه الدائم خالد محيى الدين. واستمر خالد على رأس هذا التجمع حتى المؤتمر االذى تحول فيه عن رئاسة الحزب ليصبح رئيس شرف، وليحل محله فى رئاسة الحزب رفعت السعيد صديقه منذ البدايات. لكن حزب التجمع الذى نشأ من توحد الماركسيين مع مجموعات من الناصريين وعدد من الإسلاميين المستنيرين، سرعان ما تحول إلى ظاهرة جديدة من نوعها فى تاريخ العمل السياسي، فى مصر وفى العالم العربي. واستمر يثبت مواقعه لفترة زمنية لم تطل كثيراً. إذ لم يلبث أن وقع فى الأزمة ذاتها التى أوقع الحكم الفردى فى عهد السادات كل البلاد وأحزابها وقواها الاجتماعية فيها. وبدأ الحزب يتراجع بسبب اضطراب مواقفه السياسية، فى ظل تعقد الأوضاع داخل مصروفى المنطقة العربية برمتها. وضعف سياسيا وجماهيريا، ليس فى البرلمان وحسب وإنما فى الحياة السياسية المصرية بعامة. لكن خالد محيى الدين، الذى فقد مقعده فى مجلس الشعب فى الانتخابات الأخيرة، بسبب سياسة حزبه هذا، لم يفقد موقعه كزعيم وطنى ديمقراطى يسارى وكرمز من رموز الشعب المصرى فى تاريخه الحديث، وكرمز من رموز الحركة الوطنية لهذا الشعب.
إلا أن الحديث عن خالد محيى الدين يبقى منقوصا إذا هو لم يشمل الجانب الفكرى فى نشاطه. فهو لم يكن زعيما سياسيا وحسب. بل كان مفكرا. وكانت له آراءه فى الاشتراكية وفى الدين وفى أمور أخرى عديدة. وقد برزت آراؤه وأفكاره هذه فى كتابات وأحاديث عديدة. لكن كتابه «الدين والإشتراكية» هو من أجمل ما كتب، رغم أن نصوصه تعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. إن أهمية العودة إلى كتاب خالد محيى الدين هذا ، وهو كتاب قديم، إنما تكمن فى التأكيد الذى حرص عليه خالد من أن الدعوة إلى الاشتراكية من بعد انهيار تجربتها، تظل راهنة، لا سيما إذا أخذنا فى الاعتبار أن الأفكار التى تعبرعنها تختلف من عصر إلى عصر، ومن مكان إلى مكان، ومن مرحلة تاريخية ومن شروط متصلة بها، إلى مرحلة تاريخية أخرى وإلى شروطها.
لكن سيرة هذا القائد التاريخى فى الحركة الوطنية المصرية لا تعبر عنها هذه الكلمات، وأى من الصفحات الأخري. فهى سيرة غنية. ورغم أنه توقف عند بدايات سيرته فى كتابه الشهير «الآن أتكلم»، فإن الكتاب ذاته على أهميته لا يفى صاحب السيرة حقه. وأجدنى فى هذه الصفحات مدفوعا إلى تقديم بعض الاشارات التى تعبر عن اعتزازى بالصداقة التى ربطت بيننا على امتداد تلك الأعوام الطويلة.
لقد ثابرت على زياراتى المتكررة لمصر منذ عام 1954 حتى هذه اللحظة من حياتي. وهى زيارات كنت أقوم بها فى مهمات سياسية وثقافية، وفى مناسبات متعددة كنت أدعى للمشاركة بها، وتلبية لدعوات شخصية، فضلاً عن زيارات ذات طابع سياحي. ذلك أن لمصر فى حياتى منذ شبابى الباكر موقعاً عميق الجذور فى عقلى وفى وجداني. وكنت فى كل تلك الزيارات ابتداء من عام 1956، العام الذى تعرفت فيه إلى خالد، شديد الحرص على لقاء خالد فى مكتبه فى جميع المواقع التى كان فيها، أو فى منزله فى الزمالك. ثم تعرفت بواسطته إلى شقيقه عمرو الذى انتقل للتدريس فى الجامعة العربية فى بيروت لفترة من الزمن قبل أن يغادر الحياة.
ولن أنسى فى حياتى الدعوة التى وجهها إليَّ خالد فى عام 1974 لزيارة مصر، باسم حركة «السلم المصرية» التى كان يرأسها، للاحتفاء بى عريساً بصحبة زوجتي. وكان احتفاؤه بى وبزوجتى على امتداد أسبوعين مفعماً بالحب وبالصداقة. كما لا أنسى رسالته التى بعث بها إليَّ خلال الاحتفال الكبير الذى أقيم فى قصر الأونيسكو تكريماً لى بمناسبة حصولى من رئاسة الجمهورية اللبنانية على وسام الأرز برتبة فارس. وهى الرسالة التى قدم فيها لى ما أعتز به من تقدير لما كان يجمعنا فى الفكر ومرجعيتنا التاريخية فيه.
كبر خالد فى الموقع وفى الدور وفى العمر الذى نريده له مديداً. وإذ بات متعذراً عليَّ اللقاء به فإننى أوجه إليه على منبر »جريدة الأهرام« تحية وتقدير وحب واعتزاز. أمد الله بعمرك أيها القائد الكبير والصديق الرائع.
مصر التى نحن فى انتظارها

يغمرنى اليوم فرح عظيم بعد الذى شاهدناه فى مصر. وأعترف على الفور بأن عظمة هذا الفرح، على أهمية مصدرها، إنما هى فى الواقع أمل مرتجى أكثر مما هى حقيقة مطلقة. فإن ما قدمته لنا الانتخابات الرئاسية فى مصر لايزال فى بداياته. إنه وعد بالغد الذى ننتظره لمصر. وأملنا كبير فى أن يأتى هذا الغد ساطعاً ويلبّى طموحات الشعب المصرى وحقوقه فى الحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية. وهذا الوعد هو الذى يعيش وينمو فى وجدان أمثالى ممن يحبون مصر ويحنون إلى دورها القديم المستعاد بالديمقراطية بكل معانيها، المعانى التى هى النقيض القاطع لكل أشكال الاستبداد السابقة، المدنية منها والعسكرية وتلك التى تتغطى بالدين وتستخدمه لمصلحتها ضد قيمه. وهى أنظمة مارست استبدادها بأبشع أشكاله وأغرقت مصر وأغرقتنا معها فى المعاناة على امتداد عقود تجاوزت نصف قرن.
للفرح الذى يغمرنى فى مصر اليوم عنوانان. العنوان الأول يتمثل فى أن الانتخابات الرئاسية التى انتظرنا مثيلها فى مصر طويلاً قد مرّت بسلام وفق المعايير الديمقراطية المعاصرة. أما العنوان الثانى فهو الوعد بعودة مصر للعب دورها المطلوب المنتظر فى عالمنا العربى المتهاوى تحت ظلم الاستبداد الآثم وظلامية القوى الماضوية الآثمة. لكن للفرح ذاته جانباً يدعو إلى بعض الحزن الذى لولا الوعد الذى ننتظره لكان عكر علينا فرحنا العظيم. مصدر هذا الحزن أمران قدمهما لنا المشهد الانتخابي. الأمر الأول هو استنكاف أكثر من نصف الناخبين عن القيام بواجبهم فى قول كلمتهم فى مستقبل مصر من خلال الصوت الذى يعطونه لأحد المرشحين. الأمر الثانى هو قلة الأصوات التى نالها المرشح الديمقراطى حمدين صباحي. ولهذين الأمرين فى قراءتى لهما من بعيد سب رئيس يتمثل فى الخلل القائم فى دور الأحزاب بأسمائها وتواريخها وأهدافها وبرامجها ومرجعياتها، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. فهذه الأحزاب، التى أحترم قدرتها على الاستمرار حيّة برغم العواصف العاتية التى واجهتها مصر فى العقود السابقة، لم تلعب الدور الذى يعود لها فى تعميق الوعى لدى المصريين، سواء فى مرحلة الثورة وفى تجربتها الغنية والصعبة أم فى مجرى الانتخابات ذاتها. وهذا الوعى الضرورى المطلوب العمل من أجل نشره وترسيخه فى صفوف الشعب المصرى هو الذى يعطى للمصريين دورهم الطبيعى فى اختيار من يعبّر عن مستقبلهم فى العملية الانتخابية الرئاسية منها والنيابية. وهو اختيار، فى ظل الديمقراطية المصرية المستحدثة باسم الثورة، يحمل معه شرطاً مسبقاً على المرشح الذى فاز بمنصب رئاسة مصر هو أن يكون، أى هذا الرئيس، أميناً على أهداف الثورة وعلى أمانى الشعب فى الحرية والكرامة والعيش الكريم التى قامت الثورة من أجلها ووعدت بتحقيقها. ولهذا الشرط تبعاته. فإذا تخلى الرئيس عن المهمة التى أعطى الثقة من قبل المصريين للقيام بها، فإنهم سيكونون على استعداد باسم الثورة وأهدافها وباسم شهدائها أن يحاسبوه بالطرق الديمقراطية التى حاسبوا بها من كانوا بحاجة ضرورية للحساب.
فرحى بالانجاز التاريخى الذى حققته مصر، رغم ما أشرت إليه من جانب محزن فيه، يعظم حبى لمصر الذى تكوّن وترسّخ فى وجدانى منذ مطالع شبابي. وهو، فى الآن ذاته، يعوض عندى الحزن الذى يغمرنى من جراء ما يصاب به وطنى اللبنانى من معاناة، وما تصاب به بلدان عربية شقيقة من عذابات لا حدود لها أكثرها إيلاماً وقسوة على الروح ما تشهده سوريا الشعب والتاريخ والدور على أيدى المستبدين والظلاميين.
وأشهد أننى تابعت باهتمام يوميّ وبشغف كبير وبأمل لا حدود له الانتخابات وآراء الساسة وآراء المثقفين وآراء المرشحين وآراء الشباب وأراء الناس العاديين فيها. وقرأت بعمق ما يجول فى أذهان المصريين من طموح ورجاء فى أن يتحقق لهم ما كانوا محرومين منه خلال ما يقرب من نصف قرن. وقادتنى قراءتى إلى ما يشبه القطع بأن مصر اليوم باتت تختلف عن مصر التى جرى تشويه تاريخها ودورها بكل وسائل التشويه المادية والمعنوية. وقادتنى قراءتى إلى الجزم بأن شعب مصر الذى انتفض ضد الطغيان والفساد، وطلق عقوداً طويلة من الاستسلام لمصيره البائس، هو اليوم محصن ضد أى صيغة من صيغ التعطيل لتقدم مصر الذى ساد عقوداً طويلة. من هنا مصدر الأمل عندى بمستقبل مصر الذى أعطانى هذه الجرعة الكبيرة من فرح كدت وكاد الكثيرون مثلى أن ينسوا شكله وطعمه ورائحته والغنى الذى يدخله فى الروح. واستناداً إلى هذه القراءة لما جرى، ولما ننتظر أن نراه فى الفترة المقبلة بعد الانتخابات الرئاسية التى ستليها الانتخابات النيابية، أسمح لنفسي، أنا المواطن اللبنانى باسم حبى لمصر، أن أقول بعض الكلمات التى تخرج من أعماق وجدانى مفعمة بالحب وبالفرح وبالأمل وبالرجاء.
أحب أن أتوجه إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأنا أهنئه بانتخابه رئيساً لمصر باسم الديمقراطية، لأقول له بأننى تابعت باهتمام أقواله خلال عام بكامله. وقرأت فى كلماته البسيطة الخالية من الادعاء صراحته وتواضعه وتفاؤله وديمقراطيته وتأكيده الحريات وحرصه على الدور الأساسى للأحزاب فى توعية الشعب وتعميق إحساسه بالمسئولية، وواقعيته التى يعد المصريين باعتمادها فى معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية ودعوته جميع المصريين للتكاتف والعمل معاً من أجل تحقيقها. وهى جميعها مواقف أعلنها فى أحاديثه فى مناسبات عديدة وأكدها فى خطابه إلى الأمة بعد فوزه فى الانتخابات.
وأحب أن أقول لصديقى حمدين صباحى إننى تابعت باهتمام حملته الانتخابية والبرنامج الذى قدمه للشعب فيها، وتوقفت باهتمام عند المنطق الذى ساد فى أحاديثه، المنطق الذى يشير إلى الدروس التى استخلصها من التاريخ الذى نشأ فيه وانتمى إليه منذ شبابه الباكر. وأحب أن أتمنى عليه ألا تحدث الانتكاسة التى مُنِى بها أى أثر سلبى على نشاطه السياسى الذى مارسه خلال السنوات الثلاث الماضية، وأن يظل على تفاؤله بالمستقبل، وأن يتابع من موقعه وسط الجماهير الشعبية، واستناداً إلى تجربته الأخيرة فى الانتخابات، نشاطه ذاته وبقوة أكبر إلى جانب سائر القوى الديمقراطية المصرية من أجل النهوض بمصر وبناء غدها الأجمل والأرقى والأكثر حرية وتقدماً وعدالة اجتماعية.
وأحب أن أتوجه إلى قادة الأحزاب المصرية، القديم منها والجديد، اليسارى منها خصوصاً ومن كل الاتجاهات، أتوجه إليهم بكلام يصدر من أعماق العقل والوجدان أن يتحملوا مسئولياتهم التى هى اليوم أكبر من أى مسئولية واجهوها فى المراحل السابقة من تاريخ مصر الحديث. وانطلاقاً من تأكيدى هذه المسئولية التاريخية أتمنى عليهم أن يقوموا بمراجعة نقدية لتاريخهم ولبرامجهم ولوسائط وأدوات عملهم، ويجددوا أحزابهم، ويدخلوا بكل طاقاتهم فى عملية واسعة وعميقة فى المجتمع المصري، إسهاماً فى التوعية وفى النشاط بكل أشكاله لإعادة بناء مصر وغدها على أسس جديدة. والجديد فى دور الأحزاب المصرية فى هذه المرحلة الجديدة من تاريخ مصر هو أن الديمقراطية التى هيأت شروطها الثورة المصرية هى القاعدة التى سترتكز عليها وتستند إليها العملية الصعبة لإعادة بناء مصر والنهوض بها مما كانت عليه والسير بها إلى الغد الأعظم المنتظر.
وأحب أن أقول للعقلاء من «جماعة الإخوان المسلمين» فى أعلى الهرم وفى شتى المواقع، وبعضهم معروف بالاسم وبالصفة، أن يعملوا بجهد لإخراج حركتهم من تاريخها القديم ومن تاريخها الحديث، وأن يسهموا بجدية، استناداً إلى تجاربهم المريرة القديمة والحديثة، فى مراجعة نقدية لمجمل سياساتهم، وأن يدخلوا بقوة مع سائر المصريين فى ورشة بناء مصر الجديدة. ذلك أن كل مكابرة من قِبل «الجماعة» فى الاتجاه الذى ما زال قادتها يتمسكون به ستعود بالويل عليهم وعلى مصر. أحب أن أقول لهم إن الوقت قد حان لكى ينطلقوا بعقل جديد فى اتجاه المستقبل الذى بدأ يحلّ محل الماضي. ومكانهم فى اعتقادى محفوظ لهم إذا هم أرادوا أن يكونوا شركاء فى هذه العملية التاريخية التى تجتازها مصر نحو غدها الآتي.
وأحب أن أتوجه فى شكل خاص إلى شباب مصر الأبطال، الذين حملوا عبء الثورة على أكتافهم وعلى صدورهم وعلى جثث الشهداء الأبطال منهم، وعذابات من دخلوا المعتقلات بحق فى بعض الأحيان أو بغير حق فى معظم الأحيان، أحب أن أتوجه إليهم لأقول لهم بثقة من أعماق قلبى إنهم هم بالتحديد مستقبل مصر، وهم بالتحديد أبطال نهضتها، وهم بالتحديد أملها وأملنا نحن الذين نحب مصر من أشقائها. وأحب أن أقول لهم بأن يدخلوا فى ظروف ما بعد الانتخابات الرئاسية والنيابية بنفس الشجاعة التى قادتهم إلى ثورتهم، وأن يكونوا، ومعهم رومانسيتهم التى أحترمها، أكثر ارتباطاً بالواقع الذى تعيش فيه مصر. فبمقدار ما يكونون أكثر واقعية يكونون أكثر قدرة على الإسهام فى إحداث تغير جذرى فى هذا الواقع المصريّ الصعب نحو الغد الأفضل لهم ولوطنهم مصر أم الدنيا.
فيا مصر التى نحن فى انتظارها أنت وشعبك وشبابك أملنا الآتى لأمتنا العربية من الخليج إلى المحيط، أملنا بالغد الجميل المفعم بالحرية والتقدم الحضارى الذى يحفظ لإنسان مصر وللإنسان العربى بعامة حقه فى أن يعيش بكرامة تليق به.
لمزيد من مقالات كريم مروَّة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.