البلطجة والمرور والنظافة.. ثلاثة أضلاع لمثلث الفوضى فى مصر، مثلث بغيض يصنع المعاناة اليومية لحياة المواطنين فى الشارع، فعلى مدار السنوات الثلاث الماضية فرض عتاة الإجرام والبلطجية سطوتهم فى الشارع، وتحولت القيادة إلى مغامرة غير مأمونة العواقب وسط زحام خانق وممارسات بهلوانية من قائدى الميكروباصات، تلال القمامة تؤذى العين قبل أن تزكم رائحتها الأنوف.. الآن أصبح الوقت أكثر من مثالى لمواجهة أركان هذا المثلث وهدم أضلاعه، بعد أن اكتملت ملامح الدولة المصرية وأصبح لها قيادة قوية وحازمة.. لم يعد هناك أعذار وعلى الأجهزة التنفيذية أن تبدأ فوراً فى التصدى بكل قوة وحزم لهذه الظواهر، وأن تكون على مستوى تطلعات وآمال المواطن المصرى الذى يتطلع لبدء مرحلة جديدة يشعر فيها بآدميته وأنه يعيش حقاً فى بلد حضارى اسمها مصر. الضلع الأول والثانى فى مثلث الفوضى يرتبطان ببعض ارتباطا وثيقا فأزمة المرور الخانقة تعود فى الجزء الغالب منها إلى بلطجة سائقى الميكروباصات و«التكاتك» التى أصبحت تغزو معظم الشوارع حتى فى الأحياء الراقية. اللواء مجدى البسيونى الخبير الأمنى يقسم البلطجة إلى نوعين الأول باستخدام العنف كما يحدث فى السرقات بالإكراه والاغتصاب وغيرها مما يرتبط بالإيذاء البدنى وهذه تصنف كجريمة يعاقب عليها القانون بنصوص صريحة تبعا لفداحة الجرم. أخلاق متدنية أما النوع الثانى من البلطجة وهو الأكثر انتشارا فيعود إلى تدنى الأخلاق الذى يمكن توصيفه بأنه بلطجة واضحة حتى ولو لم يسمو الفعل إلى مستوى الجريمة، كما يحدث عندما ينحرف سائق سيارة ما أمامك دون سابق إنذار وهو يطلق الشتائم البذيئة ويصرخ بحدة «اتعلموا السواقة بقى» رغم أن ما يفعله يفتقر لمعرفة بأبسط قواعد القيادة ويدل على عدم وجود أدنى درجة من الذوق واللياقة. أصحاب الصافرة ومن وجهة نظر اللواء البسيونى تبدأ البلطجة فى الشارع من «أصحاب الصافرة» الذين يفرضون الإتاوات على ركن السيارات فى الشوارع العامة، رغم أنها ليست مواقف خاصة، والويل كل الويل لمن يرفض الدفع، فإذا ما دفعته عزة النفس لعدم الخضوع للابتزاز فإنه لن يأمن على سيارته أو محتوياتها وسيظل فى داخله متوترا وهو يعلم أنه الخاسر إذا ما أصاب سيارته مكروه، حتى لو كان من أصحاب النفوذ وتمكن من معاقبة البلطجى فبماذا سيفيده العقاب، وهنا يظهر دور الدولة التى يجب أن تتدخل للقضاء على الظاهرة وعدم السماح لأى شخص بممارسة مهنة «السايس» إلا بعد الحصول على ترخيص والتأكد من حالته الجنائية، حتى لا نسلم «القط مفتاح الكرار». بعيدا عن الإهانة ويضيف اللواء مجدى: افتراش الباعة الجائلين للأرصفة هو نوع من البلطجة، وإن كانت الحملات الأمنية وشرطة المرافق قد غيرت أسلوبها فى التعامل معهم، كما يظهر جليا على مدار الأسبوع الماضى، فلم تعد تعمد إلى الإهانة كما كانت تفعل فى الماضى بل أمرت الباعة الجائلين أن يخلوا الشارع بأنفسهم وطالبتهم بعدم إعاقة المرور، والمدهش هى استجابة غالبية الباعة الجائلين، كما حدث فى ميادين الإسعاف ورمسيس ومنطقة وسط البلد على مدار الأسبوع الماضى. أكياس القمامة الدكتور على عبد الرحمن محافظ الجيزة، التى تعد من أكثر المحافظات معاناة من مشكلة القمامة يقدم روشتة لمعالجة المشكلة فى الجمهورية تتضمن رفع كفاءة المعدات فى هيئات النظافة، وزيادة عدد العاملين بها، كما يلفت إلى ضرورة إتاحة أكياس القمامة مجانا للسكان فى المناطق ذات الدخل المتوسط لأن إلقاء القمامة فى الشوارع دون أكياس يفاقم من حجم المشكلة ويزيد من تكلفة معالجتها. بطالة مقنعة ويرى المحافظ أنه ينبغى عدم الاتجاه لتعيين إداريين ومشرفين جدد بهيئات النظافة والاستفادة من العدد الزائد منهم بالعمل سائقين أو عاملين بالجراجات مما يرفع كفاءة الهيئة ويزيد من فعالية أدائها بدلا من البطالة المقنعة فى هذه الهيئات، ويضيف أن شراء معدات كنس آلى لاستخدامها فى الشوارع التى تسمح بتشغيل هذا النوع من المعدات يساعد على سرعة حل المشكلة بجانب توفير العمالة لاستخدامها فى الشوارع الأكثر ضيقا. أيضا يرى أن وضع صناديق قمامة فى الأماكن التى يعتاد السكان إلقاء القمامة بها من الممكن أن يساعد كمرحلة انتقالية فى الحد من تأثير المشكلة حتى يتم الوصول للهدف المنشود وهو جمع القمامة من الوحدات السكنية لحل المشكلة من جذورها. ثروة مهدرة ويوضح محافظ الجيزة أن القمامة عبارة عن ثروة إذا ما تم إعادة تدويرها، داعيا إلى ضرورة فتح مجال الاستثمار للشركات المتخصصة فى تدوير القمامة، كخطوة مهمة تساعد فى الحد من المشكلة، كما يمكن أن تساعد الجمعيات الأهلية فى جمع القمامة ونقلها لنقط مناولة وسيطة. وعن محافظة الجيزة يقول إنه يتمنى أن تكون بأكملها مثل الدقى والعجوزة التى يتم فيها جمع القمامة من الوحدات السكنية. ويكشف الدكتور عبد الرحمن أن حجم القمامة التى يتم إلقاؤها فى شوارع محافظة الجيزة يتجاوز 4500 طن يومياً، وأن المحافظة ليس لديها أسطول كاف للتعامل مع هذا الكم الهائل من القمامة. ويقول ان جزءا من الحلول المقترحة لحل المشكلة هى رفع رسوم النظافة إلى 10 أو 12 جنيها شهرياً بدلاً من 9 لجمعها من الوحدات السكنية، ولكنه يرى أن المواطن غير مستعد حالياً لأى زيادات فى ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. العاصمة تتألم ورغم أن الحال فى العاصمة أفضل كثيرا من الجيزة إلا أنها تعانى السلوكيات الخاطئة لقطاع عريض من المواطنين، حيث يقول المهندس حافظ السعيد رئيس هيئة نظافة وتجميل القاهرة إننا نقوم بالفعل برفع القمامة من الشوارع ولكن المشكلة الكبرى التى تواجهنا وقبل مرور ساعتين نجد أن الوضع قد عاد إلى ما هو عليه، وهو ما يدفعنا إلى السعى لتعميم تجربة جمع القمامة من الوحدات السكنية. مخلفات المبانى ويطالب بسرعة تفعيل قانون النظافة لمواجهة ظاهرة إلقاء مخلفات المبانى والرتش فى الشوارع، قائلاً إن التخلص من هذه المخلفات يستغرق وقتا ومجهودا كبيرين يمكن توجيهها لمواجهة المخلفات السكنية. ويؤكد رئيس الهيئة أن قانون النظافة يجرم إلقاء المخلفات فى الشارع، وينص على تحرير محضر بيئة للمخالف تكون عقوبته الغرامة المالية التى تتراوح بين 200 أو 500 أو 1000 جنيه، ويتم بالفعل تفعيل هذا القانون ولكن على المتعهدين الذين يقومون بإلقاء القمامة فى الشوارع بدلا من نقلها للمدافن الصحية والمقالب العامة، كما يتم تفعيله على مستوى الوحدات التجارية وليس السكنية التى يكون من الصعب إثبات التهمة عليها. متعهدو القمامة ويرى المهندس حافظ أن متعهدى جمع القمامة عليهم دور كبير فى حل المشكلة التى تتفاقم فى المنطقة الجنوبية من العاصمة التى تضم أحياء السيدة زينب ومصر القديمة والبساتين والخليفة، لافتا إلى أنه تم مضاعفة أجور المتعهدين نحو 3 مرات فى مارس الماضى لتصبح 4 جنيهات بدلاً من جنيه ونصف الجنيه وفى المقابل تم إلغاء 6 تراخيص لمتعهدى جمع القمامة خلال الأربعة أشهر الماضية لعدم التزامهم أو لتحصيلهم مبالغ مالية من السكان.