للأسف يبدو أنه لم يعد أمامنا سوي أن نصدق ما كنا نحاول علي مدي العام الماضي أن نصدقه..وهو أن الدول العربية الشقيقة لم يعد يعنيها أمر مصر ولا استقرارها أو تجاوزها لأزمة عابرة بل يبدو للأسف أن هذه الدول الشقيقة تريد أن تبقي مصر علي ما هي عليه بل ربما بعضها يشعر بالشماتة في الشقيقة الكبري لأسباب كثيرة.. ربما يكون في مقدمتها أن سياسات بعض هذه الدول الشقيقة تري في ضعف الدور المصري تناميا وقوة لدورها ووجودها, بل هي ربما تري أن هذا الدور يرتبط ارتباطا عكسيا بالدور المصري وأنه كلما تراجع دور مصر ونفوذها اكتسبت هذه الدول الشقيقة مساحة جديدة من النفوذ علي الساحة الإقليمية والدولية.. وقد يكون وراء الموقف المتخاذل للدول الشقيقة تجاه مصر ما يفسره البعض بالخوف من عدوي الثورة التي انتقلت في سرعة من تونس إلي مصر ومنها إلي ليبيا ثم سوريا, وليست هناك دولة في المنطقة قادرة علي أن تقف ضد رياح الثورة إذا توافرت عوامل وأسباب هذه الثورة, وربما يكون وراء موقف الدول العربية الشقيقة المتخاذل نحو مصر تلك المصالح التي مازالت جذورها خافية بين النظام السابق ورئيسه المخلوع وبين حكام هذه الدول الشقيقة!! وبعد أن تأكد بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الدول لن تقدم لمصر ما يساعدها علي تجاوز أزمتها الاقتصادية فإننا يجب أن نواجه الواقع الحالي, فالدول الشقيقة جزاها الله خيرا لن تمد لمصر يد المساعدة والأسباب كثيرة ولكن النتيجة واحدة..ومصر تدفع اليوم نتيجة سياسات السنوات السابقة خلال حكم المخلوع حين تراجع دورها التاريخي وتحولت من الدولة المفتاح في المنطقة إلي وسيط لا يملك من مفاتيح القوة الدولية ما يجعله قادرا علي التأثير, أو أن يكون موضع الاعتبار..مصر التي استطاعت في أسوأ ما مرت به من ظروف عام1967 من هزيمة عسكرية انتهت باحتلال ثلث أرضها كانت تملك من المكانة والكبرياء والقدرة علي التأثير أكثر مما كان لديها خلال سنوات الانهيار في عهد المخلوع!! ففي1967 سارعت الدول العربية- رغم كل الخلافات وقتها- إلي تقديم إمكانياتها لمصر حتي تتجاوز الهزيمة العسكرية لأنها كانت تدرك أهمية الدور المصري وقدراته, ذلك لأن مصر رغم الهزيمة العسكرية كانت قوية ولم تنكسر.. ولكن علي مدي سنوات حكم المخلوع بل وقبله لسنوات منذ وقعت مصر معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بدأ دور مصر ومكانتها في التراجع بعد أن انفرط عقد الأمة العربية, وتوالي سقوط الدول العربية تباعا في بئر المصالحة مع إسرائيل حيث وقعت كل دولة بمفردها كما أرادت إسرائيل..وتدريجيا تحول دور مصر المؤثر بحكم اعتبارات كثيرة من القوة المؤثرة إلي المتفرج والمراقب والمنفذ للسياسات الأمريكية بل والإسرائيلية أيضا, وكانت البداية حين وقفت مصر تشاهد لبنان وهو يحترق واكتفت بشعار أو نداء تقول فيه ارفعوا أيديكم عن لبنان دون أن تكلف السياسة المصرية نفسها مسئولية تحديد من تخاطبه بهذا النداء!! وتزايد تراجع الدور المصري في ظل خنوع الرئيس المخلوع للولايات المتحدةالأمريكية التي أدركت ضعفه تجاه ملف التوريث الذي يحتاج بالضرورة للدعم الأمريكي حتي تحول الدور المصري إلي غطاء للغزو الأمريكي للعراق, وبعدها لم يخجل رئيس مصر المخلوع وهو يؤكد أن مصر تقف في القضية الفلسطينية علي مسافة متساوية من كل الأطراف, رغم أنها كانت في حقيقة الأمر أقرب إلي الموقف الإسرائيلي حين يكون الطرف الآخر هو حماس!! وفي سنوات حكم المخلوع سقط العراق وتعرض السودان لمخاطر الحرب الأهلية التي انتهت بتقسيم السودان إلي شمال وجنوب ومصر تتفرج أو تشارك واستدرج النظام شعب مصر إلي معركة وهمية مع شعب الجزائر بسبب مباراة في كرة القدم وإلي صدام مع قطر بسبب قناة تليفزيونية فضائية وغيرة نسوان بين السيدة الأولي هنا وهناك!! وتعرض العديد من المصريين للإهانة في بعض الدول الخليجية, ولم يهتز النظام الساقط, فقد كانت كرامة المواطن المصري لا تعني له شيئامادامت منافعه مع تلك الأنظمة العربية بخير وتغافل عما كانت إسرائيل تفعله بالمنطقة دون أن يجرؤ علي توجيه ولو كلمة عتاب للصديق الإسرائيلي وهو التعبير المفضل للرئيس المخلوع فقامت إسرائيل بتدمير غزة وساعدها النظام المخلوع بمنع المعونات الغذائية والدوائية عنها..ولم يتحرك النظام المخلوع اللهم إلا ببيانات إنشائية متفق عليها مع العدو الإسرائيلي من أجل إلهاء الناس في مصر.. وقد أدي ذلك كله إلي تراجع الدور المصري وانعزال كل دولة من الدول العربية داخل حدودها ومصالحها الضيقة, ولكن الأمر الذي لا تدركه هذه الدول الشقيقة هو أن لمصر من الرصيد عند هذه الدول ما يجعل هذه المساندة والدعم واجبا, ولا أعتقد أن من المصلحة القومية أن ينطلق الحوار حول هذه القضية علي أرضية المن وماذا قدم كل للآخر, ولكن علي أرضية أن مستقبل الأمة العربية- إذا كان لها مستقبل- مرهون بمدي تماسكها في ظل حالة التفتت والتشرذم التي تمر بها, وأن مصر أو كرامتها أكبر من ذلك, ولم يكن لائقا أبدا أن يسافر رئيس الوزراء المصري السابق إلي بعض الدول الشقيقة يشرح ظروف مصر فإذا به لا يجد استقبالا ملائما لمكانة مصر ولا تحقق زيارته نتائج ملموسة, وانتهت زيارته لهذه الدول بحصيلة من الوعود التي لم يتحقق منها شئ في الوقت الذي تفتح فيه هذه الدول العربية زس عن عمد وقصد بما تمر به مصر من ظروف اقتصادية ربما تكون الأسوأ في تاريخها.. ولأننا علي ما يبدو عجزنا عن تصور أن يكون ذلك موقفا ذاتيا من هذه الدول لشقيقة فبحثنا عن دافع آخر تصورناه ضغطا أمريكيا, وهو أمر لم تتأكد صحته حتي الآن, وإن لم يكن مستبعدا إلا أنه لو كان صحيحا فإنه لا ينفي أن حكام هذه الدول الشقيقة يشعرون بدرجة من الارتياح وربما الشماتة من تراجع أوضاع مصر الاقتصادية بوهم ساذج أن في ذلك رسالة غير مباشرة لشعوبها عن مصير الشعوب التي تثور علي حكامها حتي لو كان هؤلاء الحكام من الفاسدين!! ولن يدرك هؤلاء الحكام العرب مدي الخطر الذي يتهددهم جميعا إذا تراجعت قوة مصر فقد كانت تلك القوة دوما ركيزة قوة العرب كلهم..وسوف تظل مصر- برغم كل الظروف- واقفة وصامدة وسوف تجتاز هذه المرحلة مهما تكن صعوبتها وسوف تعبر إلي آفاق مستقبل أفضل بكثير.. وساعتها سوف تدرك هذه الدول الشقيقة التي تخلت عن ز س أن مصر تملك رصيدا لا ينفد من الحضارة والتاريخ والقوة الناعمة, وأنها بهذا الرصيد قادرة علي أن تعود بإذن الله إلي مكانتها, وأنه مهما تكن قسوة الظروف فإن مصر لن تفرط في أهم ما تملكه وهو الكبرياء! المزيد من مقالات لبيب السباعى