لن تكن مبالغة القول إن الثامن من يونيو 2014 يمثل يوما تاريخيا فى حياة الدولة والشعب المصرى، دون أى ابتذال لكلمة تاريخية، فلأول مرة فى تاريخ الدولة المصرية يتم تسليم رسمى للسلطة من خلال توقيع الرئيس المنتخب والرئيس المنتهية ولايته وثيقة تسليم السلطة على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وهو ما يحمل معه دلالات عرجت عليها خطابات الرئيس عبد الفتاح السيسى سواء فى خطابه الأول عقب تسلمه المنصب رسميا أمام المحكمة الدستورية العليا او فى خطابه الثانى فى حفل تنصيبه بقصر القبة، حيث جاء الخطابان مكملين لبعضهما البعض، ففى الوقت الذى وضع فيه الخطاب الأول رؤى كلية وخطوطا عامة لما ينوى القيام به، نجد أن الخطاب الثانى جاء شارحا لبعض التفاصيل والقضايا بما يمكن معه القول إنه تضمن استعراضا سريعا لبرنامجه الرئاسى خلال الفترة المقبلة. وفى إطار قراءة الخطابين معا، يمكن تسجيل عدة ملاحظات مهمة، أبرزها ما يلى: أولا- أعادت لغة الخطابين ومفرداتهما شكل الدولة المصرية بتراثها العريق وقيمتها التاريخية ومكانتها الدولية والاقليمية، فبمجرد المقارنة السريعة بين لغة الخطابين واللغة التى استخدمها الرئيس السابق محمد مرسى يكتشف الفرد أن الأخير كانت لغته تصلح للخطابة على المنابر أو فى المنتديات والمؤتمرات، فى حين عكست لغة الخطابين أننا بصدد رجل دولة، وهذا ليس مصادفة فالرئيس السيسى جاء من مؤسسات الدولة بل من أكثر مؤسسات الدولة ضبطا وتنظيما. ثانيا- عكست مضامين الخطابين عن اتساقا فى الرؤية ووضوحا فى الهدف، وتلاقى فى الأفكار، وانسجام فى السياسات، وهو ما يستدعى المقارنة السريعة أيضا بين خطابات الرئيس السابق التى كان كل منها يتناقض ويتعارض مع الذى يليه، بل ربما يتضمن الخطاب الواحد أفكارا متعارضة. فى حين ان مضمون الخطابين يكمل كل منهما الآخر كما سبقت الاشارة، بما يجعل المتابعين سواء فى الداخل أو الخارج قادرين على تحديد رؤية الرئيس الجديد ونهجه فى بناء الدولة، وهذا أمر ضرورى حتى يتمكن الخارج من تحديد آليات التعامل مع الدولة المصرية. ثالثًا- مثلت فكرة العقد الاجتماعى الواردة فى الخطاب الثانى للرئيس تصحيحًا لبعض الأفكار المغلوطة التى برزت على الساحة المصرية عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير وموجتها التصحيحية فى الثلاثين من يونيو، فقد تركز حديث غالبية المواطنين على كيفية حصولهم على حقوقهم من الدولة، وهذا امر لا مفر منه، إلا انه فى مقابل البحث عن حقوقهم يستوجب الأمر أداء واجباتهم، وهو ما يكشف الفارق الكبير بين خطاب الرئيس السابق الذى تضمن الحديث عن تمنيات وأمنيات ووعود وتعهدات سرعان ما كشف الواقع زيفها، وبين خطاب الرئيس السيسى الذى اتسم بالمصارحة والوضوح. رابعا- حمل الخطاب الثانى كثيرا من القضايا المهمة التى قد لا يتسع المقام لذكرها وإن مثلت قضية المصالحة الوطنية محورا مهما فى بناء المستقبل شريطة أن يكون التصالح كما ذُكر- مع من اختلف من أجل الوطن وليس عليه، وتمثل هذه الرؤية دعوة لأبناء الوطن كافة للالتفاف حول الرئيس المنتخب لمعاونته فى مهامه الصعبة ومسئولياته الجسام، كما تمثل قضية ترسيخ الاخلاق والقيم النبيلة والمثل العليا، محورا مهما فى برنامجه، واعتقد أنها المرة الأولى الذى يُولى فيها رئيس مصر اهتماما كبيرا لهذه القضية، بما يمثل ردا عمليا على الجماعات التى حاولت تشويه ثورة الثلاثين من يونيو وكأنها كانت ضد الدين، فكشفت مفردات الخطاب ومضامينه عن مكانة الدين والاخلاق ودور المؤسسات الدينية فى المرحلة المقبلة. لمزيد من مقالات عماد المهدى