التحدي الأخطر الذي يواجه الرئيس الجديد هو بناء تكتل سياسي قوي قادر علي دعمه والوقوف خلفه لعبوره هذه المرحلة الدقيقة ولعل أكثر ما يواجه ساكن قصر الرئاسة من مشكلات هو إدارة البلاد في ظل بنيان سياسي غير مكتمل الأركان ومناخ حزبي ملامح مشوهة، ومن ثم يأتي الاستحقاق الثالث والأخير في خريطة المستقبل وهو الانتخابات البرلمانية في ظروف يصعب علي أكثر المحلليين خبرة في الشأن السياسي توقع ما سيكون عليه البرلمان المقبل.. ففي ظل مخاوف بعض القوي من عودة الإخوان إلي المشهد السياسي عبر نظام القوائم المطلقة الذي يشكل 20% من مجلس النواب القادم تبرز في هذا السياق عدة نقاط مهمة وعدد من الاعتبارات يجب وضعها في الحسبان.. الأول: مازال المشهد الحزبي مرتبكا للغاية بين كثرة عددية تعدت 90 حزبا قابلة للزيادة خلال الفترة القادمة دون بروز مؤشرات أو دلائل علي أرض الواقع تثبت أو حتي تنبئ بقدرة أي من الأحزاب القائمة علي قيادة أو امتلاك الأغلبية في البرلمان الجديد.. فحزب الوفد أقدم الأحزاب علي الساحة أبعد ما يكون عن تبوؤ هذه المكانة وليس في استطاعته بحكم الخبرة به تشكيل تكتل أو ائتلاف واسع يجمع به تيارات يمين الوسط الأوفر حظا علي الساحة.. ولعل ما حدث عقب فترة سقوط تيارات الإخوان والإسلام السياسي بثورة 30 يونيو. ما يؤكد هذه الحقيقة.. فحزب المصريين الأحرار أكبر الأحزاب التي تأسست بعد ثورة 25 يناير أطلق عددا من الاشارات مفادها أنه لن يندمج في حزب الوفد وقد دارت في هذا الصدد مباحثات بين بعض الأجنحة في الحزبين سرعان ما خرجت علي أثرها تصريحات من قياداتها تنفي الدخول في أية اندماجات ليقتصر الأمر فقط علي التنسيق في المواقف الانتخابية والسياسية دون تجاوز إلي ما هو أبعد. .. وإذا كان الوفد قد فشل طوال سنوات طويلة منذ عودته للحياة السياسية قبل نحو 30 عاما في أن يكون البديل الجاهز والقوي لحزب الأغلبية.. فالوفد الآن ليس في أفضل حالاته، بينما يطرح المصريين الأحرار نفسه، علي أنه قائد الأغلبية الجديد ورغم اندماجه مع حزب الجبهة الديمقراطية إلا أن مستقبل هذ التحالف قد يشهد اندماجات جديدة ليحصل علي مساحة أوسع ولكن الصراع السياسي علي كتلة يمين الوسط سيشتعل بينه وبين الوفد وهو ما لن يكون في صالح الحزبين، وعلي صعيد اليسار الذي تتسيد رموزه الساحة الآن فظروفه أصعب كثيرا من تيار اليمين.. فحزب التجمع ومعه الحزب الناصري يعانيان ضعف القواعد وتشتت الرؤي والأهداف. فضلا عن الانقسامات التي تضرب الحزبين وخصوصا الحزب الناصري الذي تلاشي تقريبا من شدة الصراعات واعادة بعث الحركة الناصرية من جديد.. ولا ينفصل عن هذا التيار حزب التحالف الشعبي الاشتراكي الذي يعاني هو الآخر من قلة الامكانيات وضعف الانتشار وانحسار العضوية فهو في الحقيقة أحد فروع حزب التجمع. الاعتبار الثاني: أن تيارات الإسلام السياسي بعد خروج الإخوان من المشهد بعنادهم أحيانا وإرادتهم أحيانا أخري، مازالت مترددة تظهر علي الساحة وتختفي ولم تحدد موقفها علي الخريطة السياسية بشكل واضح في الانتخابات المقبلة.. فالتيار السلفي بفروعه المتعددة يعاني انقسامات حادة كشفتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة.. ومازالت كثير من قواعده تربط نفسها برباط الإخوان وتراهن علي خياراتهم باستثناء حزب النور الذي حدد أهدافه وقرر استكمال حلقات خريطة المستقبل مع بقية القوي التي توحدت في 30 يونيو. الاعتبار الثالث: رغم العدد «الخادع» للأحزاب السياسية في مصر إلا أن موجة جديدة ستدخل علي الخط فحركة تمرد ستؤسس حزبا وجبهة مصر بلدي هي الأخري بدأت في اتخاذ إجراءات التأسيس وعدد من الحركات الشعبية التي دعمت المشير السيسي في انتخابات الرئاسة دخلت في الطور الحزبي بعد أن انتهي المسوغ الشكلي لنشأة هذه الحركات.. وبالتالي سيضاف إلي الساحة الحزبية مزيد من المواليد الجديدة التي ستزيد المشهد تشتتا وارتباكا وربما صراعات سياسية جديدة علي الساحة لن يكون الإخوان وحدهم هم الطرف الأصيل فيها.. خاصة في ظل الصراع المشتعل علي اقتسام كعكة 30 يونيو حزبيا. هذا المناخ الملبد بسحب «الصيف» الثقيلة يضيف عنصر ضغط آخر علي الرئيس الجديد.. فأدواته الرئيسية في التعامل مع الملفات الحساسة لن تكون بعيدة عن معاونة ومشاورة القوي السياسية والحزبية.. ومن هنا كان لقاء المشير عبدالفتاح السيسي مع ممثل الأحزاب في مستهل حملته الانتخابية بالغ الدلالة.. فقد طالبهم صراحة بالدخول في اندماجات كبيرة ليتركز البناء السياسي الحزبي في ثلاثة كيانات حزبية قادرة علي التأثير في الشارع وتبادل السلطة واعادة صياغة المشهد السياسي وترتيب أولوياته إذن كلام المشير واضح في هذا الصدد فان تأكيداته بأنه لن ينضم لحزب سياسي ولن يؤسس حزبا جديدا أمر بالغ الدلالة والوضوح.. فقرارات الرئيس الجديد للمشهد الحزبي لا تنبئ بالاعتماد عليها كأدوات فاعلة في النظام السياسي الجديد ودليل ذلك هو إقرار الانتخابات البرلمانية القادمة بالنظام الفردي.. وهو ما سيحمل إلي البرلمان الجديد ألوانا وأطيافا سياسية جديدة ربما لم تدخل بيت الأمة من قبل.. لكن الاختصاصات الواسعة للبرلمان الجديد تضع الرئيس في اختبار صعب.. فتشكيل الحكومة الجديدة سيكون من حزب الأغلبية وباب نظام الحكم في الدستور الجديد يزيد المشهد تعقيدا فهل سترتفع الأحزاب القائمة إلي حجم المسئولية والرهانات المعقودة عليها.. أم أنها أخطأت رسالة المشير؟!!