يثير مبنى مسرح الريحانى حالة من البهجة والاحتواء للجمهور الداخل اليه . قاعة المسرح أنيقة وصغيرة والخشبة شديدة القرب من مقاعد المتفرجين وكأنها صممت بقصد أن يقترب صناع الكوميديا من قلوب الناس ويعبروا عن مشاكلهم وأحلامهم ورغباتهم فى تجاوز الهم بالسخرية والضحك .. فى منتصف المقدمة صورة لعملاق المسرح الكوميدى نجيب الريحانى وعلى يمينه زميل مشواره الفنى الشاعر بديع خيرى وعلى يساره الفنان عادل خيرىالذى أخذ دور عمه وأستاذه الريحانى فى إكمال رسالة المسرح لفترة لم تطل بسبب موته شابا فى قمة التألق الفني.. وفى كواليس نفس هذا المسرح وقف الأستاذ فؤاد المهندس وهو طالب بالثانوى ليشاهد مبهورا أداء أستاذه الى أن لفت انتباهه فى يوم فسأله الريحانى بتعمل إيه عندك ياولد؟ وأجاب المهندس: باتفرج عليك وأتعلم منك ياأستاذ.. وكانت المفاجأة بالنسبة لهذا الصبى أن وافق الريحانى على وقوفه فى الكواليس بهدف التعلم وعندما أصبح فؤاد المهندس طالبا فى الجامعة وافق الريحانى أن يخرج له مسرحية ضمن نشاط المسرح الجامعي!! وبنفس الإخلاص لفن المسرح الكوميدى يقوم المخرج الفنان عصام السيد الآن بتقديم تجارب شبابية على مسرح الريحانى ضمن مشروع قنوات ال «أم بى سي» وهى تجارب مهما حوت من أخطاء أو عناصر قصور إلا أنها بكل تأكيد تحمل العديد من الإيجابيات وتقدم دماء جديدة شابة مبدعة للحركة المصرية. كان العرض الأول الذى شاهدته يحمل عنوان (شغل عفاريت) من تأليف الشاعر الموهوب عمر طاهر يقدم فيها من خلال لوحات سريعة متلاحقة حالة البؤس والفوضى وإنحطاط الذوق الذى أصاب قطاعا كبيرا من الناس الى درجة أن العفاريت أصبحت تنزعج من سلوكيات هؤلاء الآدميين والعرض يحمل مساحة كبيرة من خفة ظل المؤلف والمخرج معا وقدرتهما على تطويع إمكانات نجوم الشباب أحمد عبد الهادى الذى أجاد تجسيد شخصية الارهابى الغاضب دائما والمبتهج بفكرة الاستشهاد ويردد فى فرحة : «حانموت كلنا» وأمجد الحجار الذى قدم شخصية الاب الرجعى مقلدا طريقة أداء العملاق زكى رستم وكيشو الذى جسد شخصية رجل الشارع المغيب من المخدرات وشخصية الصبى الفقير مقلدا أسلوب تمثيل العندليب عبد الحليم حافظ ودعاء طعيمة التى تحولت بين أكثر من شخصية بحضور وخفة ظل واضحة وايمان غنيم وآيات مجدى اللتين قدمتا شخصيات العفاريت المؤنثة بمشاركة النجمين محمد على ومحمد ثروت وغيرهما من أسماء ستصبح فى القريب العاجل من كبار نجوم الكوميديا. أما العرض الثانى فيحمل عنوان «الحد الأدنى» وكتبه الفنان اسلام إمام أحد أبرع شباب المخرجين على الساحة الفنية وفيه يبدو الترابط الدرامى أكثر وضوحا وتأثيرا كما يمتاز الإيقاع بسرعة أكبر خاصة وقد استخدم عصام السيد أسلوب التنقل بين خشبة المسرح وشاشة العرض لتقديم تقارير مصورة مع جمهور حقيقى من الشارع المصرى وعناوين منتقاة بعناية من الصحف المصرية حول قضية تطبيق الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور بإختصار تميز العرض الثانى بتحديد قضية واحدة وبحثها من عدة زوايا أيضا من خلال لوحات كوميدية قصيرة مكثفة انضم لها فى هذا العرض النجم مدحت تيخة الذى لاقى تحية كبيرة من الجماهير وتجاوبا رائعا معه وهو يؤدى شخصية ضابط الشرطة المهموم والمثقل بمشاكل كثيرة وعنف وارهاب الى درجة أنه يذهب لموقع الجريمة بالمواصلات العامة بعد أن فجروا له سيارة البوكس مرتين. كما أجاد النجم حسام داغر فى تقديم رسم كاريكاتورى للصيدلى الفاسد الذى يتاجر بآلام البسطاء ويثرى على حسابهم ونجح أسامة فوزى فى الإيحاء بشخصية المسئول الكبير الحائر دائما أمام المشاكل ولايعيب هذا العرض إلا وجود مشهد مقحم على الأحداث هو خطاب الموظف مدير المصلحة أمام جمهور الصالة والذى يتبعه الحائط أينما سار وفيه تطويل لامبرر له اللهم إلا ترك مساحة من الوقت ليرتدى باقى الممثلين «الكروش» الصناعية للمشهد التالي، وربما كان الأوفق تقديم استعراض مكان هذا المشهد يستغرق الوقت الذى يحتاجه المخرج لتجهيز أدواته.. وعموما «الحد الأدنى» تحمل درجة عالية من النضج الفنى وسرعة الايقاع تؤكد أن المخرج القد ير عصام السيد حريص على معالجة التجربة مع كل عرض جديد ليصل بها قريبا الى مايليق بإسمه واسم مسرح الريحانى وأيضا مايليق بحجم موهبة كوكبة الشباب المبدع