أعترف بأنى بعيد بشكل كبير عن كل ما يختص بالسياسة، وأنى فوجئت عندما نقل لى أحد الأصدقاء ما تفعله تلك الجماعة النيجيرية التى تسمى "بوكو حرام" من جرائم باسم الدين الإسلامى، زاعمة أن هذه الجرائم تمثل طريقا لتحكيم "الشريعة الإسلامية" التى يبدو أن أعضاء هذه الجماعة -الإرهابية- لا يعرفون منها إلا اسمها. عدت إلى شبكة الإنترنت لتزداد دهشتى من المعلومات التى قرأتها، فالجماعة اسمها باللغة العربية "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد" -ويبدو اسمها باللغة الهوسية "بوكو حرام" أكثر واقعية نظرا لتعبيره عن طبيعة أفعالهم- وهى تتبنى –كذبا وزورا- تطبيق الشريعة الإسلامية، وباسم الدين الإسلامى "البرئ من هذه الأفعال" ارتكب "هؤلاء" كل الجرائم التى يمكن أن يتخيلها بشر من قتل وتفجير وترويع للآمنين وخطف للنساء، وهى كلها أفعال نابعة من تكفير هذه الجماعة للمجتمع النيجيرى بأكمله –رغم أن المسلمين يشكلون حوالى 70% من عدد السكان- فباستعراض تاريخهم الإجرامى نجدهم لا يفرقون –فى ضحاياهم- بين مسلم وغير مسلم، فالمسلم الذى لا يوافقهم فى أفكارهم هو –فى نظرهم- كافر يستحق القتل، لهذا فإن جرائمهم تحصد الأرواح دون تمييز. والسؤال هو: هل يشك أحد فى أن هذه الأفعال بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام السمحة؟.. والجواب يضعنا أمام مشكلة معقدة، فبينما لن يتردد أحد ممن يعيشون بيننا –مسلمين وغير مسلمين- فى التأكيد على أن الدين الإسلامى برئ مما يفعله هؤلاء، وأن الدين ينهى عن العنف ويأمر بحقن الدماء المعصومة، فإننا لا نغفل أن هناك من ينتظر مثل هذه الأفعال ليلقى –عمدا- بكل الاتهام على الإسلام والمسلمين –لاحظ أن الدولة الصهيونية أرسلت خبراء فى الإرهاب لمساعدة الحكومة النيجيرية فى التصدي لل"حرام"- وهكذا فإن هذه الأفعال تنسحب عالميا على كل المسلمين، وليس من الصواب أن نتصور عدم وجود أيدٍ خفية تقف وراء "الحرام"، وهذه الأيدى لن تخرج عن دول معروفة بعداوتها للمجتمعات المسلمة. لقد تحول مصطلح "الشريعة الإسلامية" إلى غطاء يتستر "هؤلاء" وراءه لكى يحظوا بدعم البسطاء لأفعالهم الإجرامية، فى حين أن البسطاء لو انشغلوا قليلا بمعرفة الشريعة الإسلامية الحقة لسقط "هؤلاء" سقوطا تاريخيا، واستراحت المجتمعات من أفكارهم.. ويكفي أن نتأمل هذين الحديثين الشريفين لنعلم أن كل "بوكو" حرام.. فقد روى أبو داوود عن أنس أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلاَ تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلاَ طِفْلاً وَلاَ صَغِيرًا وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ تَغُلُّوا وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)". وروى أحمد وأبو داوود عن رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى غَزْوَةٍ فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَىْءٍ فَبَعَثَ رَجُلاً فَقَالَ: "انْظُرْ عَلاَمَ اجْتَمَعَ هَؤُلاَء" فَجَاءَ فَقَالَ عَلَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ. فَقَالَ: "مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ". قَالَ وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَبَعَثَ رَجُلاً فَقَالَ: "قُلْ لِخَالِدٍ لاَ يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلاَ عَسِيفًا" (أى أجيراً). فعلا.. إن كل "بوكو" حرام. لمزيد من مقالات عماد عبد الراضى