وجدت نفسى مدفوعا لتسطير مقال اليوم، والذى سبق نشره بالبريد يوم الأحد 18 مايو عام 2008، وذلك حيث إنه يشكل فى ظروف مصر الحالية درسا بليغا يصلح لكل العصور على حد التعبير الذى قاله لى أحد قادتى العظام. لقد عاصر جيلنا تفجر الثورة الخومينية فى إيران، والتى أطاحت بحكم الشاة، الذى طلبت منه مغادرة البلاد، ورفضت كل دول العالم بما فيها الولاياتالمتحدة استضافته خوفا من الوقوع فى مشكلات سياسية مع النظام الإيرانى الجديد، بيد أن الرئيس الراحل أنور السادات انطلاقا من ثوابت السياسة المصرية، وردا للجميل عندما أصر الشاه على تحويل مسار ناقلات النفط الإيرانية نحو مصر إبان حرب أكتوبر عام 1973 قبل استضافته بمصر وعلاجه بها، مرددا نبوءته وطائرة الشاه تهبط فى مطار أسوان أن الشرق الأوسط بعد الخومينى لن يعود أبدا كما كان قبله. ولعله من المفيد سرد المقدمات التى سبقت الإطاحة بنظام الشاة، فاعتبارا من مطلع عام 1978 لم يكن يأوى إلى فراشه قبل سؤال رئيس السافاك (المخابرات) عن أحوال الدولة، وقد تبنى الرجل منهجا للإجابة بأن يبدأ بذكر الإيجابيات أولا التى يطرب لها الشاة، وما أن يبدأ فى ذكر السلبيات خاصة ذات العلاقة بأمن الدولة حتى يتبدل وجهه مظهرا ضيقه وتبرمه، وخوفا على منصبه قرر حجب كل المعلومات السلبية عنه، وظل على هذا المنوال حتى وقعت الثورة الخومينية يوم 16 يناير عام 1979، وفى أثناء اصطفاف رموز حكم الشاه ومساعديه لمصافحتهم قبيل الرحيل، توقف أمام رئيس السافاك وبادره قائلا: «لقد خدعتني»، بيد أن الرجل وقد شعر بالمهانة رد عليه بصوت عال قائلا: «أنا لم أخدعك يا سيدى الإمبراطور، فقد لاحظت ضيقك الشديد بكل ما هو سلبي، وكأننا نعيش فى عالم تسوده الفضيلة، وخوفا على مستقبل أسرتى حجبت عنك كل ما هو سيئ، ولاحظت أنك تقبلت ذلك بكل التقدير والامتنان»، وأملى كبير فى أن تستفيد كل القيادات العليا بكل مؤسسات الدولة من هذا الدرس التاريخى الفائق الأهمية فى مرحلة الجهاد الأكبر لإعادة بناء مصر فى مختلف النواحى فيما هو قادم من سنوات جنبا إلى جنب مع الرئيس المنتخب، وهذا يقودنا بالضرورة إلى حتمية النزول بكثافة للإدلاء بأصواتنا فى الانتخابات الرئاسية القادمة، ومعلوم أن الانتخابات هى فى التحليل النهائى عملية تربيطات بيد أطراف عديدة تربطها مصالح مشتركة وفواتير واجبة السداد، ومن ثم فالمعركة القادمة لا تحتمل الاسترخاء باعتبارها محسومة مقدما، وكلنا يعلم منذ الصغر قصة السلحفاة والأرنب، اللذين تراهنا على السباق، ولماذا نذهب بعيدا، إن جيلنا دخل حرب يونيو عام 1967وهو على يقين بأن النصر فى حكم المؤكد، فإذا بنا نصاب بهزيمة مروعة، ومن ثم أناشد ال33 مليون مصرى الذين خلعوا رداء السلبية وخرجوا يوم 30 يونيو عام 2013 فى ثورة أبهرت العالم ليقولوا كلمتهم بخروج مماثل يومى 26 و27 مايو الحالى لأكثر من سبب، فهذه المرة تتم الانتخابات تحت سمع وبصر لجان مراقبة من كل أنحاء الدنيا، وهو أمر يعكس لأول مرة ثقة مطلقة من جانب سلطة الدول فى شفافيتها، كما أن الأقمار الصناعية سوف تصورها على مدى الساعة وتبعث بها لكل فضائيات العالم.. فاخرجوا للتصويت ولسان حالكم يردد بصوت عال: «إن من يكافح ليجعل وطنه أفضل يحب وطنه أكثر من سواه». اللواء د. إبراهيم شكيب