أحيانا، تبدو السياسة الهندية اختيارا ما بين أسرة حاكمة والفوضى, ولكن انتخابات هذه المرة كانت مختلفة, فجأة وبدون سابق إنذار قرر الشعب الهندى أن يخرج من سطوة سلطة غاندى الحاكمة التى استأثرت بالحكم لمدة 10 أعوام, ويتمرد على فسادها ليرتمى فى «أحضان التغيير». ففى سابقة هى الأولى منذ 30 عاما, فاز حزب «بهاراتيا جاناتا» أو «حزب الشعب الهندى» القومى الهندوسى برئاسة زعيمه المثير للجدل نارندرا مودى بالأغلبية المطلقة فى أطول وأغرب انتخابات برلمانية فى العالم شارك فيها نحو 810 ملايين مواطن وأجريت على 9 مراحل, حيث حصل الحزب على 279 مقعدا من أصل 543 فى البرلمان، ليخط «مودى» إبن بائع الشاى أولى خطواته إلى قصر "حيدر أباد" بنيودلهى كرئيس لوزراء أكبر ديمقراطية فى العالم! «أوعدكم أن يكون القرن الحادى والعشرين هو قرن الهند».. بهذه الكلمات وقف مودى أمام مؤيديه تملؤه مشاعر الفرح ونشوة الانتصار معلنا فوز حزبه فى الانتخابات, وما بين إشادات بنجاحه الاقتصادى فى أثناء رئاسته حكومة ولاية جوجارات منذ عام 2001، وانتقادات وتخوفات من قبل أقليات هندية أبرزها المسلمون، يظل مودى فى عيون الكثيرين رجل المرحلة والزعيم الذى تحتاجه الهند الآن للنهوض من كبوتها الاقتصادية, وأولى الدلائل على ذلك ارتفاع مؤشر الأسواق المالية بعد إعلان فوز مودى, هذا بجانب الدعم الكبير الذى يحظى به الزعيم الهندوسى من كبار أصحاب الشركات فى البلاد، كما استطاع الحزب كسب تأييد السكان الأكثر فقرا الذين يصوتون عادة لصالح حزب المؤتمر حزب آل غاندى ونهرو وبرامجه الاجتماعية. ولا يبدو أن الهجمات التى شنها عليه معارضوه وتحذيرات الأقليات الدينية من الانقسامات التى يمكن أن يثيرها داخل السكان، كان لها أى تأثير سلبى عليه على الإطلاق, فهذا الرجل خطيب لامع يعرف كيف يجذب إليه الأنظار, ولكنه فى نفس الوقت يتصف بالحزم والصرامة، يتكلم باللغة الهندية ويتجنب الإنجليزية التى يعتبرها لغة نخب نيودلهي, يهوى رياضة اليوجا ويعتمد على نظام غذائى نباتى, ويبقى الغموض يحيط بحياته الخاصة، فهو أعزب ويقيم وحيدا فى منزله فى جوجارات ويعتز بمجموعته من العصافير. ورغم أن مودى (65 عاما) يمثل الجناح المتشدد فى حزبه ولا يحظى بكثير من الثقة حتى لدى البعض من أعضاء الحزب, فإن البعض يعول عليه كثيرا فى قدرته على النجاح فى هذا المنصب, فتجربته الاقتصادية الناجحة لدى توليه رئاسة الوزراء فى ولاية جوجارات أكبر دليل على ذلك, حيث سجل نموا سنويا بنسبة 10.13% كثانى أعلى معدل لولاية هندية, ذلك النجاح كما يرى بعض المحللين كان السبب الرئيسى فى حصول حزبه على الأغلبية فى البرلمان. ولكن الطريق ليس دائما مفروشا بالورود, ذلك أن الزعيم الهندوسى الذى خاض حملته الانتخابية على أساس قدرته على حكم الهند وإنعاش الاقتصاد، يواجه أيضا انتقادات بسبب موقفه خلال الاضطرابات الطائفية التى وقعت فى 2002 فى ولايته جوجارات, والذى اتهم وقتها بعدم تحرك إدارته خلال الاضطرابات التى قتل فيها نحو ألف شخص غالبيتهم من المسلمين ورفض تقديم اعتذارات، وقراره ضم امرأة إلى حكومة الولاية أدينت لاحقا فى قضية الاضطرابات الدينية هذه, ومع أنه لم يلاحق قضائيا فإن اسمه مرتبط منذ ذلك الحين بتلك المرحلة المؤلمة التى تركت آثارها فى أوساط المسلمين أكبر أقلية دينية فى الهند والمدافعين عن العلمانية, ثم عاد مودى ليثير غضبا وضجة كبيرة فى يوليو 2013 عبر تصريحات قارن فيها بين المسلمين الذين سقطوا ضحايا أعمال عنف قام بها هندوس والجراء التى تدهسها سيارة, ونتيجة لذلك قطعت عدة حكومات غربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية اتصالاتها بحكومة مودى بعد أعمال العنف, كما رفضت أمريكا منح تأشيرة دخول لمودى منذ 2005, وبما أن الساسة لا هم أعداء ولا أصدقاء دائمون, ففور إعلان نتيجة الانتخابات تغيرت نبرة الولاياتالمتحدة تجاه مودى تماما, وبعد قطيعة استمرت حوالى 9 سنوات أجرى الرئيس الأمريكى باراك أوباما اتصالا هاتفيا برئيس وزراء الهند المنتخب ناريندرا مودي، هنأه خلاله بفوز حزبه فى الانتخابات العامة, ولم تكتف الولاياتالمتحدة بذلك بل أعلن البيت الأبيض أن الرئيس أوباما أبلغ مودى أنه يتطلع إلى التعاون مع الهند وتوسيع نطاق التعاون بين واشنطن ونيودلهي، وأن مودى مرحب به فى الولاياتالمتحدة (!) فهل ينجح رجل الهند القوى فيما فشل فيه حزب المؤتمر من انتشال البلاد من براثن الركود الاقتصادى, أم تصدق مقولة رئيسة الحزب سونيا غاندى حينما قالت أن مودى وعد الشعب بالقمر والنجوم والناس للأسف صدقوا هذا الحلم؟