الوحدة هي أعظم مقاصد الأديان عبر التاريخ؛ لأنها أهم عوامل قيام المجتمعات، والحضارات، كما أن الفرقة هي أهم عوامل سقوطها، وانهيارها. وطبقا للقرآن فإن إقامة الوحدة بين أفراد الأمة من إقامة الدين، بينما الفرقة والتجزئة هي شِرعة الشيطان، والطغاة المستكبرين. أما السنة النبوية فدعت إلى تجنب التباغض، والتهاجر، والتشاحن، وغيرها من ألوان فساد العلاقات الاجتماعية. قال تعالى: "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ".(الشورى: 13). تقول الآية إن إقامة الوحدة، والنهي عن الفرقة، عبر التشريع الإلهي، أصل ومقصد من أصول التشريع الذي نزلت به الأديان كافة، عبر التاريخ، ابتداء من نوح، وانتهاء بمحمد، ومروراً بإبراهيم وموسى وعيسى. قوله تعالى: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّين) تأكيد أن إقامة الوحدة هي إقامة الدين. (وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ).. نهي عن الفرقة دل على أن المقصود بإقامة الدين هو إقامة الوحدة، كما قال علماء التفسير. ولتأكيد أهمية الوحدة بين لنا سبحانه عقوبة الخارج عنها إلى الفرقة بأنه كالخارج على التوحيد، فقال تعالى: (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ).واختتم الآية بقوله: (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيب). كما بين القرآن أيضا أن الفرقة والتجزئة هي شِرعة الشيطان، والطغاة المستكبرين. قال تعالى: "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً". (القصص:4). تعاظم فرعون وتكبر وطغى في أرض مصر، وجعل أهلها طوائف وفرقاً في خدمته، يستضعف طائفة منهم، وهم بنو إسرائيل، يُذبِّح أبناءهم (المولودين)، ويستحيي نساءَهم (يبقيهن أحياء).."إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ".. ممن يفسد في الأرض بالقتل، وغيره.. قتل من لا يستحق منه القتل، واستعباد من ليس له استعباده، وتكبره في الأرض على أهلها، وعبادة ربه. أما السنة النبوية فقررت وأكدت وفصلت ما جاء به القرآن الكريم من الدعوة إلى الاتحاد والائتلاف، والتحذير من التفرق، والاختلاف. جاء في الحديث النبوي: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا.. وشبك -صلى الله عليه وسلم- بين أصابعه". وقالت الأحاديث النبوية: "عليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار".. "إن الشيطان ذئب الإنسان، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية".. "عليكم بالجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد".. "يد الله مع الجماعة".. "المسلم أخو المسلم، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته".."لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". ومن الأحاديث الصحيحة أيضا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده.. لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا.. ألا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم"..وقوله: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم". كما حذرت السنة النبوية من التباغض والتهاجر، والتشاحن، وفساد ذات البين..فمن حديث أنس بن مالك عنه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام". ومن حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم". ومن كراهية الإسلام للفرقة والاختلاف، أمر الرسول الكريم بالانصراف عن قراءة القرآن إذا خشي من ورائها أن تؤدي إلى الاختلاف.. برغم ما هو معلوم لكل مسلم من فضل قراءة القرآن، وأن لقارئه بكل حرف عشر حسنات. فقد روى الشيخان عن جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه"، أي: اقرؤوه، والزموا الائتلاف على ما دل عليه، فإذا وقع الاختلاف في القراءة، أو عرضت شبهة تقتضي المنازعة الداعية إلى الافتراق، فاتركوا تلك القراءة الجماعية، وليستمر كل منكم على قراءته بعد ذلك. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد