أول ما يتبادر الى الأذهان عندما نسمع عبارة التسرب من التعليم أن الأطفال هم الذين لا يرغبون فى التعلم.. ولكن الحقيقة أن هؤلاء المتسربين من التعليم إذا سألتهم عن أغلى أمانيهم يجيبون على الفور: "نكمل دراستنا".. وقالت إحداهن وهى لم تتعد سنواتها العشر: "نفسى أكمل تعليمى وأعمل طبيبة أعالج أهل سوهاج كلهم".. قد لا ندرك قدر تعلقهم بالتعليم وطموحهم الذى لا يقف عند أى حدود وخاصة أنهم ينتمون إلى مجتمعات فقيرة جدا، ولكنهم بالفعل مصرون على استكمال دراستهم والذهاب إلى المدرسة والتنافس والضحك واللعب مع زملائهم.. إنهم فقط ينتظرون من يمد لهم يد المساعدة.. وربما يكون هذا ما دعا إليه برنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة فى مصر للتعاون مع شركات مساهمة لرسم الابتسامة على أوجه هؤلاء الأطفال منذ أكثر من سبع سنوات فى إطار مشروع “طموح” تحت شعار (الغذاء مقابل التعليم).. ومنذ عدة أيام احتفل برنامج الأغذية العالمى بالتعاون مع الشركة الداعمة للمشروع بمرور سبع سنوات على انطلاق حملة “طموح” فى محافظة سوهاج وقام اللواء محمود عتيق محافظ سوهاج بتكريم 15 طفلا فازوا فىمسابقة الرسم والتعبير من بين 820 طفلا مشاركا. وفى إحدى المدارس”المجتمعية” فى مركز جهينة بمحافطة سوهاج كان اللقاء بأطفال أعينهم لا تعرف الخبث ولا الكذب يمدون أيديهم للتحية قبل أن تلقى أنت عليهم السلام وبسؤال أحدهم “عندك موبايل” أجاب بابتسامة ربما هى ابتسامة سخرية أو خجل وقال بلهجة صعيدية: “هاحوش وأديبه”.. تقول أمانى جمال الدين مدير برنامج الغذاء من أجل التعليم : إن المشروع بدأ منذ سبع سنوات بإنشاء مدارس “مجتمعية” مدارس الفصل الواحد فى محافظة سوهاج بتغطية 82 مدرسة ثم أضفنا 40 مدرسة أخرى عام 2011 بالتعاون مع الشركة المانحة ومؤسسة مصر الخير بقرى مراكز ساقتلة وجهينة ودار السلام بمحافظة سوهاج وتعتمد الفكرة أساسا على محاربة التسرب من التعليم عن طريق مد أسر الأطفال بحصة شهرية من التموين (10 كيلو من الأرز أو القمح) مقابل حضور الطالب بنسبة 80% على الأقل، ويقدم للطفل يوميا بسكويت بالتمر معزز بالفيتامينات والحديد، ومصنع بمواصفات برنامج الأغذية العالمى كى يمد هؤلاء الأطفال بالفيتامينات اللازمة لهم، وتمثل تلك الوجبة 25% من احتياجات الطفل اليومية من الطاقة لتحسين قدرته على التركيز والأداء المدرسى.. فقد وجد أن التغذية المدرسية تمثل حافزا قويا جدا للأسر الفقيرة، وخاصة مع الزيادة فى أسعار الأغذية.. وتم ترميم المدارس بعد السيول التى اجتاحتها فى شهر فبراير الماضى كى تكون فى أحسن صورة لجذب الأطفال لهذه المدارس فى بيئة صحية وسليمة ولتشجيعهم على الانتظام فى الدراسة وعدم التسرب.. وأضافت مدير برنامج الغذاء من أجل التعليم، أنه بعد نجاح التجربة والتى تخدم الآن أكثر من 400 ألف شخص هناك خطط للتوسع فى محافظات أخرى ومع شركات وجهات مانحة أخرى أيضا. وأكد اللواء محمود عتيق محافظ سوهاج فى احتفالية تكريم أطفال المدارس «المجتمعية» والتى نظمتها الشركة المانحة للحملة أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و 14 سنة فى تلك المدارس أثبتوا نجاحا فاق التوقع، والدليل هو تكريم المتفوقين منهم اليوم.. وأضاف أن هذا البرنامج أدى إلى الحد من تسرب الأطفال من التعليم بالفعل لأنهم كانوا يتغيبون فى مواسم الحصاد، وبنظام الحصص المنزلية الموزعة (المشروطة بحضور الطفل الى المدرسة بنسبة 80%) أصبحت هذه الحصص تمثل حافزا للأسر الفقيرة لإرسال أطفالها الى المدارس بانتظام لأن قيمتها تعادل الدخل الذى قد يجنيه الطفل إذا أرسل إلى العمل بدلا من الدراسة. ولكن لماذا سميت المدارس التى تخدم هؤلاء الأطفال مدارس “مجتمعية”؟ أجابت عن هذا السؤال أسماء محمد عزوز مدير مشروع سوهاج بمؤسسة مصر الخير بأن الأطفال يجلسون فى فصل واحد حتى الانتهاء من المرحلة الابتدائية وفى الشهادة الابتدائية يؤدون الامتحان فى المدارس الحكومية التابعة لهم، وتكون الأولوية للقبول فى «المدارس المجتمعية» للأكبر سنا من 7 الى 14 سنة حتى لا تضيع على الأكبر فرصة التعليم، والأولوية أيضا تكون للإناث لأن الأهالى فى تلك المناطق يرفضون خروج البنت للتعليم إذا كانت المدرسة الحكومية بعيدة، ومن هنا جاءت فكرة المدارس “المجتمعية” التى تٌنشأ فى قطعة أرض متبرع بها أحد الأهالى وتقوم الشركة المانحة للمشروع بالتعاون مع مؤسسة مصر الخير بتقديم الأثاث الخشبى الكامل والأدوات المكتبية لتوفير ما يسمى “بالتعليم النشط” فى صورة “فقرات” وليس حصصا تقدمها “الميسرات” أى المعلمات اللاتى ييسرن العملية التعليمية للأطفال.. ونقوم باختيار”الميسرة” من نفس العزبة أو النجع حتى لا تكون غريبة عن الأهالى لأن هناك من يرفضون أن تتعلم ابنتهم بواسطة مدرس ذكر. وعبر أحمد الشيخ مدير شركة الأغذية والمشروبات الممولة للمشروع عن سعادته بنجاح الحملة عاما بعد عام وأكد أن عدد المستفيدين منها منذ عام 2007 وحتى الآن وصل إلى 34و250 طالب، وأغلبهم مقبل على العملية التعليمية ومستوى الأطفال رائع وذكاؤهم فائق بالرغم من الإمكانيات المحدودة جدا، وقال: أتمنى أن تتعاون شركات ورجال أعمال للقضاء على الأمية والتسرب من التعليم لأنه بالقضاء على الأمية ينتهى المثلث الخطر “الجهل والفقر والمرض” لأنه إذا كان هناك تعليم قلت خطورة الفقر والمرض.