عاد الجدل مجددا فى مصر حول استخدام الفحم ضمن منظومة الطاقة لمواجهة مشكلة نقص الوقود، وارتفاع تكلفته، بعدما أصدر مجلس الوزراء قراره الشهير فى هذا الصدد. ويأتى الجدل هذه المرة من زاوية تأثير استخدام الفحم فى المصانع على تغير المناخ سلبا فى مصر.. حتى أصبح السؤال: ما أثر إقرار استخدام الفحم على هذه الظاهرة من عدمها؟ وكيف تتعامل مصر مع المنظمات الدولية فى ضوء الاتفاقيات التى وقعتها لمواجهة تغير المناخ؟ واذا كانت صفحة «البيئة» أفسحت المجال لخبراء يرون فى التوسع باستخدام الفحم خطرا على مستقبل البيئة فى مصر.. فإنها تفسح المجال هنا للتعبير عن وجهة نظر مغايرة، تأكيدا لحيادها، وحرصها على الصالح العام، مذكرة بأن مؤيدى القرار المذكور يرون أنه جاء فى وقته لمواجهة الأزمة الحادة فى موارد الطاقة، وأثرها على التنمية بمصر، فيما رأى رافضوه أنه يمثل عائقا أمام التنمية النظيفة، وخطرا على المقاصد البيئية، والسياحية، والصحة العامة كافة. فى البداية، يوضح الدكتور مجدى توفيق- أستاذ البيئة بعلوم عين شمس - أن الصراع بين البيئة والتنمية ظهر فى مطلع ستينيات القرن الماضى عندما تقدم العالم صناعيا، واُتهمت البيئة وقتها، وحتى يومنا هذا بأنها تقف موقفاً معارضا ًمن التقدم العلمى والتكنولوجي. وعندما دخلت «اتفاقية كيوتو» حيّز التنفيذ فى فبراير 2005، انسحبت الولاياتالمتحدةالأمريكية، لأنها أيقنت أن تطبيق الاتفاقية بحذافيرها يعنى تقليل الانبعاثات، وبالتالى تخفيض الإنتاج، وغلق آلاف المصانع لديها، لذلك أدارت الولاياتالمتحدة ظهرها للبيئة، وفضلت توفير فرص عمل للشباب، ورفع معدلات التنمية من خلال اقتصاد قوى. ويضيف أن بعض دول العالم مازال يعتمد على الفحم، مدفوعًا بتوافر إمدادات أرخص مقارنة بأنواع الوقود الأخرى، إذ ارتفعت حصة الطاقة المستمدة من الفحم فى السنوات العشر الماضية فى البلدان النامية والمتقدمة. وكان هناك تحوُّل نحو الفحم فى بعض أجزاء أوروبا، على الرغم من كون نظام الحد الأقصى والتجارة إلزاميًّا للحد من الانبعاثات. ونتيجة لذلك.. أصبح الإنتاج العالمى من الطاقة أكثر كثافة بالكربون خلال العقد الماضى. المبدأ الذهبى الدكتور مهندس ماهر عزيز - وكيل أول وزارة أسبق لشئون الطاقة والبيئة، وعضو وفد مصر للأمم المتحدة فى مفاوضات التغيرات المناخية - يؤكد أن هذا قرار بالتوسع باستخدام الفحم صناعيا يتفق مع «المبدأ الذهبى لمجلس الطاقة العالمى» الذى ينصح الدول وصانعى السياسات بالاحتفاظ بجميع خيارات الطاقة مفتوحة. فلا مخرج لمصر من أزمة الطاقة الحالية إلا باستخدام كل خيارات الطاقة بحسب المتاح مع التطبيق الصارم للمعايير البيئية العالمية، لأن تزايد الطلب على الطاقة الكهربية فى ظل التناقص المطرد لمخزونات النفط والغاز الطبيعي.. سيجعل من الضرورى تنويع مزيج الوقود لتوليد الطاقة الكهربية بمصر. والأمر هكذا، يرى الدكتور عزيز أنه يتحتم أن يشتمل هذا المزيج على كل من الفحم والطاقة النووية إلى جانب النفط والغاز والطاقة المتجددة، مشيرا إلى أن مخزون الفحم فى العالم باق لنحو مائتى سنة قادمة، بينما النفط والغاز يقدر لهما النضوب والانتهاء عالمياً خلال فترة تتراوح بين أربعين وستين سنة. ويوضح أن الدول صاحبة أكبر مخزون من الفحم، تشمل الولاياتالمتحدة وروسيا والصين والهند وإندونيسيا واستراليا وألمانيا وكندا وكولومبيا وأوكرانيا وبولندا وكازاخستان وجنوب إفريقيا، ومنها دول علاقتها وثيقة بمصر، ومرشحة بقوة لإمداد مصر بالفحم الذى تحتاجه، بأسعار تنافسية للغاية. ويستطرد: لقد استخدم الفحم لإمداد العالم بالطاقة على نحو كثيف ومنتظم منذ عام 1850 حتى بلغ الإنتاج العالمى منه عام 2012 ثمانية بلايين طن، بعد أن كان 4.5 بليون طن عام 1990، أى أنه ينمو بمعدل (3% سنوياً)، ويتوقع أن يستمر فى التصاعد لزيادة اعتماد العالم عليه فى إنتاج الطاقة. وقود للكهرباء ويتابع الدكتور عزيز أن الفحم يشكل الوقود الرئيس لتوليد الكهرباء فى دول عدة صدرت للعالم مفاهيم وتكنولوجيات حماية البيئة، وتستخدم الفحم فى توليد هذه الكهرباء تحت أقسى معايير بيئية تشدداً، لذلك يحقق استخدام الفحم فيها كل معايير البيئة النظيفة بالغة الحماية. ويؤكد أن الفحم مصدر يعول عليه للكهرباء، ويتراوح سعر المليون وات ساعة المولدة منه بين 28 و 64 دولارا فى مقابل 44 و 69 دولارا للغاز و 97 إلى 181 دولارا لطاقة الرياح، و226 إلى 2031 دولارا للطاقة الشمسية، بالاضافة الى إمكان تحويله إلى سائل وغاز وحرارة وكهرباء، فهو يغطى مدى واسعاً من الاستخدامات النظيفة بحسب أحدث تكنولوجيا.
التحكم بالانبعاثات الدكتور عزيز يشير هنا الى أنه ينتج عن توليد الكهرباء بوقود الفحم ثلاثة أنواع رئيسة من الانبعاثات التى يجب التحكم فيها، وهى: المواد الجزيئية، وأكاسيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين. وتشمل أهم طرق التحكم فى الانبعاثات الجزيئية المرسبات الالكتروستاتيكية ومجمعات التراب النسيجية، التى بلغت كفاءة استخلاص الأتربة والجزيئات بواسطتها من الغازات العادمة الخارجة من مداخن محطات الكهرباء ما يزيد على 99.6%. ويمكن التحكم فى أكاسيد الكبريت أيضا (SOx) باستخدام منظومات نزع الكبريت من الغازات العادمة التى تطورت تطوراً كبيراً فى كل من: الولاياتالمتحدة واليابان. ويضرب عزيز مثالا لمحطة الكهرباء التى تحرق الفحم كوقود فى توريفا بإيطاليا (قدرة 600 ميجاوات)، إذ بلغت انبعاثات أكاسيد الكبريت 100 ملليجرام للمتر المكعب، بينما القانون المصرى، والبنك الدولى، يؤكدان أن حدود حماية الصحة والبيئة تصل إلى 1300 ملليجرام للمتر المكعب. كما بلغت انبعاثات أكاسيد النيتروجين 100 ملليجرام للمتر المكعب، بينما يحدد القانون المصرى والبنك الدولى الحد الأعلى لحماية الصحة والبيئة بنحو 500 ملليجرام للمتر المكعب، وهى محطة كهرباء تستخدم الفحم كوقود، وتعمل الآن، وتنافس فى انبعاثاتها أنظف محطة كهرباء مناظرة تستخدم الغاز الطبيعى. وفيما يتعلق بانبعاثات الغازات الدفيئة فإنها تنخفض بحسب الدكتور عزيز إلى نحو 600 جرام لكل كيلووات ساعة مولدة (أى ما يماثل الغاز الطبيعى تماماً) عند رفع الكفاءة إلى 50%، وهى تكنولوجيا متوافرة حالياً فى السوق العالمية، مشيرا الى أنه يوجد فى مصر موارد هائلة للطفلة البترولية - التى تعامل كالفحم تماماً - وتصلح لتوليد كهرباء تكفى مصر باستهلاكات اليوم لأكثر من مائة سنة قادمة، وتحتاجها مصر بشدة فى ظل النضوب المتواصل لمواردها من النفط والغاز، كما تحتاج لاستيراد الفحم، واستخدامه فى تنويع مصادر الطاقة لمواجهة الأزمة المستحكمة لنقص إمدادات الوقود.