قادتني الصدفة لحضور واحدة من مناظرات الحوار العربى الجديد جرت أمس الأول بالقاهرة عن مستقبل الديمقراطية في مصر وسؤال حول هل مصر مستعدة للديمقراطية أم لا.. أدار المناظرة مراسل الإذاعة البريطانية السابق تيم سباستيان صاحب البرنامج الشهير "مناظرات الدوحة" بمصاحبة ناشطتين مصريتين هما المحامية والحقوقية راجية عمران والناشطة السياسية وعضوة حملة البرادعى المرشح المحتمل السابق للرئاسة نادين عبدالوهاب. ومناظرات برنامج الحوار العربى الجديد هي مناظرات تم إطلاق تنظيمها تحت رعاية الحكومة السويدية ووزارة الخارجية البريطانية ويهدف للإستفادة من ازدياد مساحة حرية التعبير بعد سقوط الأنظمة الديكتاتورية فى مصر وتونس، وتستند فكرتها على سؤال أو موضوع واحدٍ مثير للجدل، ويستضيف متحدث لتأييد الموضوع المطروح للنقاش في مواجهة آخر يحاول معارضته بتقديم حجج مقنعة، وما إن ينتهي عرض الأفكار المؤيدة والمعارضة حتى يقوم المحاور بطرح أسئلته الخاصة على كل واحدٍ من المتحدثين بدوره، ثم يفتح المجال أخيراً لأسئلة الجمهور قبل إجراء التصويت إلكترونياً تأييداً للطرف الأكثر إقناعاً. وفى هذه المناظرة التي جرت بالقاهرة كانت وجهتا نظر المتحدثتين رغم اختلاف إجابتهما تبدو متقاربة بل وربما تكون متطابقة رغم اختلاف التعبيرات وأيضاً النتيجة، حيث ترى الأولى أن مصر ليست مستعدة للديمقراطية رغم استعداد المصريين أنفسهم لذلك إلا أن استعداد مصر للديمقراطية يظل مرهوناً بإنهاء حكم العسكر وإصلاح حال التعليم وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والقضاء على الانتهاكات التي تقوم بها تلك الأجهزة لحقوق الإنسان وإصلاح منظومة الإعلام والقضاء على بقايا نظام مبارك الذي سقط لكن نظامه لازال قائماً وهو ما تراه المتحدثة الثانية أيضاً إلا أنها ترى بالفعل أن مصر مستعدة للديمقراطية مادام هناك ثوار وأن الناس سوف يدركون أكثر ويتزايدون لدفع الحالة الثورية للأمام وهو ما يجعل الأمر في طريقه للتحقق، فقط يجب أن لا نسمح لتيار بعينه ويقصدان التيار الإسلامي باستغلال جهل الناس بالسياسة وشراء أصواتهم مقابل منافع مادية. لكن المثير للجدل حقاً هو إصرار كلاهما على أن صناديق الانتخابات لم تكن معبرة عن الإرادة الحقيقية للشعب، فالأولى تدفع بأنه لولا الغرامة الانتخابية ما ذهب البسطاء للتصويت ولما اختاروا التيار الإسلامي الذي لا يعرفون غيره والأخرى التي ترى أن الغالبية العظمى من الشعب لا تعرف أين تكمن مصلحتها وأنها صوتت لمن يوفر لها الطعام دون أن تلتفت إلى المطالب السياسية الحقيقية من إصلاح سياسي واجتماعي وهو ما احتواه شعار الثورة الشهير عيش وحرية وعدالة اجتماعية وهو ما يجب أن يدفع باستمرار الثورة ورفض تلك النتائج حتى وإن أتت بأغلبية تصل إلى 80 % من أصوات الناخبين في مصر التي شهدت أكبر نسبة تصويت في تاريخ الانتخابات البرلمانية المصرية. وانتهت المناظرة بنسبة تصويت حوالى 48.8 % من الحاضرين صوتوا للإجابة بنعم إن مصرمستعدة للديمقراطية مقابل 51.2 % صوتوا للإجابة أن مصر مستعدة للديمقراطية. وبغض النظر عن نتيجة المناظرة إلا أن فحواها يطرح تساؤلات أخرى لطالما كانت مثار الإعلام وحتى الآن لازلت أسمعها من الكثيرين خاصة في أروقة أجهزة الإعلام الحكومي مثل ما الذي يجعل هؤلاء الثوار على صواب، ولماذا يجب أن ينساق الأغلبية إليهم وهم بالنسبة إلى عدد السكان ليسوا سوى أقلية؟ أوليس إصرارهم على أن تجرى الأمور وفقاً لرؤيتهم فقط هي قمة الديكتاتورية؟ أوليس بالأحرى لهؤلاء الذين يطالبون بالديمقراطية أن يكونوا ديمقراطيين بالأساس؟ أوليس معنى عدم خروج الأغلبية لمساندة الثورة أنهم يؤيدون الحكم القائم؟ لكن المفارقة أن الإجابة سوف تكون لا. نعم.. لا يجب أن نطالب الثوار بأن يكونوا ديمقراطيين، ذلك أن تلك الأغلبية التي لم تخرج لتأييد الثورة لم تخرج لتأييد الحاكم أيضاً، ولا يجب أن نتوقف كثيراً للنقاش حول هذه المسألة، فما لا يستطيع أن يدركه الجميع بما فيهم الثوار أنفسهم أنه لا يمكن أن نطالب الثوار بأن يكونوا ديمقراطيين ذلك أن للثورة فعل ديكتاتوري بالأساس هو اختيار صالح الناس من وجهة نظر الثوار، هي ديكتاتورية المستضعفين ضد الحاكم المستبد، ولذلك يجب أن يتوقف الشعب عن مطالبة الثوار بالديمقراطية وقبول رأى الحاكم أو الفئة المستبدة الأخرى، وأن يتجه أفراده إلى فهم المعنى الحقيقي للديمقراطية واحترام حرية الفرد وحقوقه وآراؤه دون محاولة منه لفهم تلك الطبيعة الديكتاتورية الخاصة جداً للثورة، وعليهم بدلاً من ذلك أن يدعموا بشكل خاص تلك النزعة الديكتاتورية الثورية لكنهم في الوقت نفسه يجب أن يحذروا من السماح لتلك الثورة أن تستمر في ديكتاتوريتها بمجرد أن تحقق أهدافها حتى لا تنقلب إلى ثورة حاكمة مستبدة هي الأخرى إذ سوف نحتاج وقتها إلى ثورة جديدة تطيح بتلك الثورة المستبدة.. المزيد من مقالات أحمد محمود