خرج الإسلاميون، من رحم الربيع العربي, وتبدلت مواقعهم من المنابر وصفوف المعارضة إلى مقاعد الحكم والسلطة، وأنهت ثورة 30 يونيو دور الجماعات الإسلامية على الساحة السياسية, وتبدلت مواقعهم مرة أخرى من مقاعد مقاعد الحكم والسلطة, إلى صفوف المعارضة. وكان من أبرز نتائج الاشتغال بالدعوة إلي الانخراط في السياسة، والممارسات الإرهابية والمواقف المضطربة لبعض المنتسبين للتيار الإسلامي, أن أصبحت تلك الممارسات الخاطئة سببا في الهجوم علي الدعوة والدعاة, فضلا عن تأثير الخلاف والآراء المتناقضة بين الإسلاميين أنفسهم, وصاحب ذلك فتاوى وآراء تتحيز لطرف علي آخر, كل ذلك أفقد الثقة في بعض من يتصدون للدعوة, وهو ما حذر منه علماء الإسلام الذين رفضوا أن تنسب أخطاء بعض أبناء الجماعات الإسلامية للدين نفسه, لأنها أخطاء بشر ولا يمكن لبشر مهما يكن أن يكون حكما علي الإسلام، لأن الإسلام هو الحكم علي الجميع. وفي ظل تباين الآراء بين المنتمين الي الجماعات الإسلامية حول الانتقال من الدعوة إلي الله داخل المساجد الي المنافسة في حلبة السياسة وما أحدثه من انشقاقات واختلافات عديدة داخل كيان الدعوة, نستطلع آراء علماء الدين حول مستقبل الدعوة الإسلامية, ونتساءل هل الإخفاق في تحقيق نجاحات سياسية يأتي خصما من رصيد الدعوة الإسلامية؟. علماء الأزهر يؤكدون أن أخطر ما تعرضت له الدعوة الإسلامية في الفترة الأخيرة هو المواقف السياسية المتناقضة, التي جعلت المواطن يفقد الثقة في بعض الدعاة, لأن بعض القيادات الدعوية فقدت مصداقيتها عندما عملت بالسياسة, وأن الشعب المصري لديه وعي شديد ويستطيع أن يميز بين من يتحدث بإخلاص وتجرد ومن يتحدث للشهرة, وأن الأمة تحتاج حاليا إلي الثوابت التي تجمع ولا تفرق.
وأوضح العلماء أن المساجد للدعوة وليست للسياسة، وان الداعية يجب أن ينأي برسالة الإسلام عن مزالق السياسة، وان الإسلام وعلماء الدين على السواء ملك للأمة وليسوا حكرا على جماعة. وأكدوا بطلان تتبع البعض من أبناء الجماعات الإسلامية لفتاوى وأراء مشايخهم دون غيرهم من علماء الأزهر. وناشدوا الجميع أن يأخذوا دينهم من كل صاحب علم دون عصبية مقيتة فالعلم هبة من الله يهبها لمن يشاء من عبادة ليكون العالم مبلغا عن ربه ومعلما غيره. ليسوا حكاما علي الدين يؤكد الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, أن الذين اشتغلوا بالسياسة لم يكونوا في يوم من الأيام دعاة, واتخذوا الدعوة مطية للوصول إلي بغيتهم من العمل في السياسة, والكثير من الدعاة إلي الله تعالي يمارسون ما تمليه عليهم هذه الدعوة ويحتسبون الأجر عند الله وحده, لا يريدون من أحد جزاء ولا شكورا, وهذا نهج كثير من علماء الأزهر وغيرهم, وقد نأي هؤلاء بأنفسهم عن الاشتغال بالعمل السياسي, ولم يطمح أحد منهم إلي نيل درجة فيه, فأخلصوا النية والتوجه للدعوة إلي الله تعالي, وأفنوا فيها جهدهم ووقتهم, فبارك الله لهم في وقتهم وعمرهم وعلمهم وذريتهم فكانوا بحق ورثة الأنبياء في الدعوة إلي دين الله تعالي. لا لتوظيف الدين ويرفض الدكتور إدريس، ما يذهب إليه البعض من جعل أخطاء بعض أبناء الحركة الإسلامية باعتبارها أخطاء علي الدين نفسه وجعلوا هذه الأخطاء عنوانا للإسلام حتى ينفروا الناس من النظام الإسلامي, بل إن بعضهم أعلنها صراحة، تسقط الدولة الإسلامية, وأصبح هناك هجوم علي الإسلام نتيجة انتشار بعض الأخطاء التي تقع من بعض أبناء الحركات الإسلامية الدعوية وهي أخطاء تقع من بشر, وإن كنا ننكر علي هؤلاء سواء كانوا من أبناء الجماعات الإسلامية أو الاتجاهات الدينية, فإننا في الوقت نفسه لا نحمل الإسلام هذه الأخطاء, ولا نرضي أبدا أن تلصق بالإسلام لأنه بريء من أفعال هؤلاء. قضاة محايدون أما الدكتور محمد نجيب عوضين، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، فيرى أن الله عز وجل اختص أولي الرأي والحكمة خاصة العلماء الذين هم ورثة الأنبياء لأن الذي يحكمهم هو الفهم الصحيح لقواعد الدين والتنزه عن الهوي أو المصالح الشخصية أو تتبع المسئولين لتحقيق نفع أو جاه فهم في الأصل مجردون عن ذلك وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يوجه العلماء أهل الدين جهودهم لإصلاح النفوس وإعادة بناء وتربية الشخصية المسلمة بغرس المبادئ العامة التي دعت إليها أوامر الدين من الصدق والأمانة وإحقاق الحق والبعد عن الخداع أو الغش أو المجاملة المرفوضة التي تعتمد علي أساليب النفاق وكل هذا لا يتأتي إلا من الشخصية الدينية التي تربت علي الدين الوسطي دون غلو أو تطرف وعدم الميل إلي هؤلاء أو هؤلاء وعلي عالم الدين أن يحتفظ برأيه الشخصي لنفسه دون أن يستخدم ذلك للتأثير علي غيره أو لتجميع الناس نحو فريق محدد فعليه بتوجيه النصائح العامة وعلي الناس أن يختاروا ما يشاءون بعد أن يبين لهم القواعد المتفق عليها شرعا والتي يجب توافرها في ولاة الأمور بتجرد كامل دون تحديد أسماء أو فصائل أو أحزاب بعينها وهو ما نعانيه في الفترة الأخيرة فقد أصبح من اليسير جدا علي العامة أن يحددوا هوية علماء الدين بمجرد أن يعبروا عن أفكارهم ويصنفوهم أن هذا العالم ينتمي إلي تيار بعينه وهذا ينتمي إلي تيار آخر، وهذا في الغالب يؤدي إلي اهتزاز صورة العلماء وفقدانهم هيبتهم فهم قضاة محايدون لا يقولون بآرائهم وفقا للهوي وإنما بما يرضي الله ورسوله. وناشد العلماء أن يكفوا عن استخدام المنابر الإعلامية أو الدينية في الدعاية لتوجيه الناس إلي ما يعتقدوه هم شخصيا وعليهم أن يركزوا علي ما يعرف في الشريعة الإسلامية وفي الديانات السماوية المختلفة بمبادئ الأخلاق وفضائل الأعمال. الاختلاف رحمة بالعباد وفي سياق متصل يقول الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن ما نعانيه الآن من تقسيمات متعددة من أتباع الشيخ فلان أو أتباع الشيخ علان بحسب انتماءاتهم وميولهم وتشبث كل مجموعة من الأفراد بعالم معين يسيرون خلفه ويتبعون كلامه ولا يريدون السماع لغيرة او القراءة لعالم اخر ووجود نوع من الكراهية لغير شيخهم، كل هذا بسبب عدم الإحاطة بأدب الاختلاف مع الآخرين، والاختلاف عندنا في الفقه رحمة بالعباد ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب)، وما نشاهده الآن من كراهية بعض الاتجاهات هو بسبب الجهل ذلك أن هؤلاء إذا دققنا النظر إلى مؤهلاتهم نجد أنهم لم يتأهلوا تأهيلا علميا صحيحا أو سليما، وقرأ له كتابا أو كتابين وارتدى جلبابا ابيض واتخذ لحية طويلة وارتدى عمامة واوهم الناس أن هذا هو المظهر النبوي الذي يحبه الرسول إلى آخر هذه الأفكار المتسللة إلى فكرنا الديني والعلاج يكمن في استمرار خطة الأزهر في تطوير التعليم الأزهري حتى يعود إلى ما كان عليه ويخرج علماء على ذات المستوى الذي تخرج وتعلم عليه الأسلاف قبلنا . التعصب مرفوض ويؤكد الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم عميد كلية أصول الدين بأسيوط أن من أعظم ما ابتليت به الأمة الإسلامية عامة والمصريون على وجه الخصوص ظهور التفرقة والتشرذم تبعا لأتباع بعض الشخصيات، ونتج عن ذلك كثرة طعن الناس في بعض علما ان القرآن يذم ذلك قال تعالى (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وأولئك لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) بل ان الأمر وصل الى حد وصف البعض لأهل العلم بفساد العقيدة فقد سمعناه من بعض الطلاب من يقول هذا اشعري لا تجوز الصلاة خلفه علما ان مؤسسة الأزهر الشريف تقوم على المذهب الأشعري وكذلك تدرس سائر المذاهب الكلامية صحيح ان بعض العلماء يؤثر مذهب السلف ولكنهم لا يحكمون بكفر ولا فسق ولا بدعة على من يذهب مذهب الخلف ( المتأخرين ) ووصل الأمر ببعض الشباب عندنا في مصر في بعض القرى ان قالوا نريد تصحيح عقائد عوام المصريين وهم مع الأسف الشديد تلقفوا هذا الكلام الخاطئ عن غيرهم دون روية. ودعا مرزوق الشباب في مسائل الخلاف أن يرجعوا إلى الفتاوى المصرية الصادرة عن دار الإفتاء من عهد الشيخ محمد عبده حتى الآن وقد بلغت قرابة 40 مجلدا وتشمل التنوع في الأداء الفقهية وأخيرا ننصح من يتصدى للعلم والفتوى بأن يتقي الله عز وجل في مراعاة الخلاف واحترام الرأي الأخر وعدم السب والشتم والحكم بالكفر والفسق والبدعة على الآخرين وان يحذوا حذو الراسخين في العلم فالدنيا لا تغنى عن الآخرة.