فى الزمن البعيد عندما كنا أطفالا ندرس فى الكتاتيب، أذكر أن مصروفى اليومى كان تعريفة «خمسة مليمات» أى نصف قرش صاغ وكان الجنيه وقتئذ يساوى ألف مليم وكنا ونحن فى الطريق إلى الكتاب نعرج إلى دكان البقالة الخاص بعم الحاج كما كنا نسميه ونشترى منه سندوتش جبنة وآخر حلاوة، وكل منهما فى نصف رغيف بلدى وندفع له التعريفة فيعيد إلينا الباقى عشرين تعريفة وهى نصف التعريفة أى مليمان ونصف مليم ولا أذكر ثمن الرغيف فى ذلك الوقت لأننا كنا نشترى الدقيق ويتم العجن والتقطيع فى المنزل والخبيز فى الفرن المجاور، ولكنى أتخيل أن يكون ثمن الرغيف مليما وثمن الجبنة والحلاوة مليما ونصف المليم، لتكون الحصيلة نصف التعريفة، واستمر الزمن وتغيرت الأحوال وارتفع ثمن الرغيف إلى تعريفة أى خمسة مليمات وقل حجمه عن رغيف المليم، واستمر ذلك بضعة عقود ثم ارتفع ثمن الرغيف إلى خمسة قروش واختفت عملة المليم والتعريفة بل والقرش وحل محله ربع الجنيه واستمر الرغيف الذى يتم دعمه بواسطة الحكومة ثابت الثمن وهو خمسة قروش على الرغم من تغير الظروف الاجتماعية وزاد ما تدفعه الدولة لدعم الرغيف ليظل بنفس ثمنه. وأذكر أنى شاهدت أحد الأفران يبيع رغيفا أكثر بياضا بعشرة قروش وكان الزحام عليه لا يقل عن أفران الرغيف المدعم ثم تعددت الأفران التى تبيع الرغيف بربع جنيه وآخر أكبر حجما بنصف جنيه واستمر التطاحن على شراء الرغيف المدعم وكذا الأفران الأخري، وهناك من يقول إن من يشترى الرغيف المدعم يستهلك الكمية التى يشتريها بالكامل، ولكن الدراسات بينت غير ذلك فقد يستهلك البعض نصف الكمية أو ثلاثة أرباعها والبعض يستهلكون أكثر من ذلك والباقى يذهب لتربية الدواجن والمواشى وقد شاهدت فى بعض الأحياء عربات الكارو التى تشترى بواقى العيش البلدى والكثير منه أصابه العفن، والذين يبيعونه هم ممن لا تسمح ظروفهم المعيشية بتربية الدواجن أو المواشي. وإذا نظرنا إلى الأسر التى تستهلك الخبز المدعم فى وجباتهم الرئيسية نجدهم أيضا يشترون العيش الفينو لسندوتشات الأولاد الذاهبين إلى المدرسة، ونظرا لأن تناولهم الخبز المدعم يزيد على احتياجات أجسامهم الفعلية من الطاقة فتكون نتيجة ذلك تحويل الطاقة أى السعرات الزائدة على احتياجهم إلى دهون فتزيد نسبتها وتعجب عندما ترى أن ما يسمى أمراض العصر من ارتفاع ضغط الدم ومرض السكر والسمنة التى كانت تصيب الأغنياء لتناول الأكل الدسم والحلويات أصبح يعانى منها أيضا أرباب وربات الأسر التى تعتمد فى طعامها على العيش المدعم وما كان يوفره من قروش لشراء رغيف الدعم أصبح يصرف أضعاف ذلك على العلاج دون أن يقتصد فى عدد الأرغفة التى يتناولها، وقد يكون علاجه فى هذا فقط ليستعيد وزنه الطبيعى ويعاود نشاطه ويكثر من تناول الخضراوات الورقية فيشفى من مضاعفات زيادة الوزن، واستغل بعض السياسيين ذلك إذ تحدث أحد الإخصائيين عن تقليل الدعم عن الرغيف، واستغل الموقف فى تخويف المسئولين وتحذيرهم من قيام ثورة إذا تم تنزيل الدعم عن الرغيف، ولكنى أرى أن الثورة قامت درءا للفساد الذى استشرى وتحصينا لها من استئثار فئة دون إشراك غالبية الشعب فى حكم نفسه. ولم نسمع بأى ثورة قامت عندما ارتفع ثمن الرغيف إلى خمسة مليمات ثم إلى خمسة قروش وهى عشرة أضعاف الثمن السابق، ومن هذا المنطلق يمكن تقليل قيمة الدعم عن الرغيف ليباع بعشرة قروش على أن يتم تحسين صناعته، وقد يؤدى ذلك إلى تحسين الصحة عندما تقل كمية الأرغفة التى يتناولها الفرد يوميا ويزيد نشاطه فيزيد إنتاجه وتقل مصروفاته على العلاج وياليتنا نتبع الحكمة التى تقول: »المعدة بيت الداء، والحمية أى الوقاية رأس الدواء«. د.محمد عمرو حسين