إذا أردت أن تطاع.. فأمر بما هو مستطاع.. فإذا كانت الحكومة قد طالبت العمال بالتوقف عن الإضرابات والاعتصامات، وتأجيل مطالبهم لحين تحسن الأوضاع.. فمن واجبها أن تسعى بشكل جدي، لوضع خطة لحل مشاكل العمال وتحسين أوضاعهم.. وعلى الجانب الآخر، إذا كان من حق العمال المطالبة بزيادة مرتباتهم وحوافزهم ، لتحسين أوضاعهم المعيشية بعد الارتفاع الجنونى الذى ضرب كافة أسعار السلع والمنتجات .. فمن حق الوطن عليهم الصبر والانتظار لفترة من الزمن، لحين تحسن الاوضاع الاقتصادية للبلاد، ودوران عجلة الانتاج ، التى توقفت طيلة السنوات الثلالثة الماضية التى أعقبت ثورة 25 يناير وما بعدها ، والتى نجم عنها إغلاق آلاف المصانع ، وتعثر الكثير منها لأسباب فنية أو مالية أو إدارية أو أمنية، وعليهم أيضا العمل بجد لزيادة معدلات الانتاج، حتى يجدون ما يطلبونه من مزايا وعلى رأسها زيادة اِلأجور، وصرف الأرباح والحوافز السنوية.. والحقيقة، أن عمال مصر قد تسلحوا بالصبر انطلاقاً من مسئولياتهم الوطنية ، حين استجابوا لدعوة المهندس إبراهيم محلب، والتى أطلقها فى خطابه الأول، عقب توليه رئاسة مجلس الوزراء خلفاً للدكتورحازم الببلاوي- الذى تعثرت حكومته فى تحسين الأوضاع الاقتصادية من جهة، وحين فشلت حكومته أيضا فى تحقيق أهداف الثورة متمثلة فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، والكرامة الانسانية. فى حينها طالب «محلب» العمال إلى التحلى بالصبر، ووقف الاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات الفئوية، وقد استجاب لتلك الدعوة، الاتحاد العام لعمال مصر ، و33 نقابة عمالية ، التزاما بميثاق شرف عمالى لوقف الإضرابات العمالية لمدة عام استجابة لمطلب رئيس مجلس الوزراء. وبشكل عام، يأتى عيد العمال- وهو مناسبة قومية تحتفل مصر بها فى الأ ول من مايو من كل عام كما هو معروف - فى ظروف مستقرة إلى حد كبير، حيث الهدنة التى منحها العمال للحكومة لتأجيل مطالبهم ، لحين تحسن الأوضاع ، بعد ظروف صعبة مرت بها الصناعة المصرية عقب الثورة، والتى أدت بآلاف المصانع إلى إغلاق ابوابها، وتعطلت مجالات الإنتاج المختلفة ، كما خرج العمال للمطالبة بحقوقهم العادلة والمشروعة ، لكنها جاءت فى توقيت غير مناسب.. فالزيادة فى الأجر – كما يقول الدكتور صلاح السبع الخبير الاقتصادى ، وأستاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية- يجب ان تقابلها زيادة فى الإنتاجية, فحينما زادت العلاوة مؤخرا, ارتفعت معها الأسعار, ومع نقص الإنتاج اصبح المواطن البسيط يعاني. لذلك فإنه لا مناص من زيادة الإنتاج عند زيادة الأجور، وإلا ارتفعت معدلات التضخم، وزادت الأسعار، وتآكلت الزيادة فى المرتبات. دفتر أحوال الاحتجاجات تمثل الأجور – كما يقول عبد الرحمن خير القيادى العمالى وعضو المجلس الأعلى للأجور سابقاً ، ورئيس الجمعية المصرية للحقوق الاجتماعية والاقتصادية - القضية الرئيسية فى أى إضراب أو احتجاج عمالي، ناهيك عن العديد من العمال الذين لا يحصلون على مرتباتهم لمدة شهور متصلة ، دون النظر إلى ظروفهم المعيشية، واحتياجاتهم الأسرية، ناهيك عن مرتباتهم ودخولهم المتدنية .. ولهذه الأسباب أضرب عمال الحديد والصلب، والغزل والنسيج وموظفى الشهر العقارى والأطباء وأخيرا سائقى النقل العام فى القاهرة وغيرهم، كما اعتصم المئات من العاملين بشركة ومصنع كيما، مطالبين بتحسين أوضاعهم المالية والإدارية، والمساواة بباقى الشركات الكيماوية، وكذلك إضرابات شركات الغزل والنسيج وفى مقدمتها شركة المحلة وكذلك هيئة النقل العام ، وإضرابات عمال البريد، والشركة العربية لزجاج الدواء داخل الشركة بمنطقة عتاقة ، وعمال النظافة فى الشوارع والمساحين الميدانيين، والعاملين بالمهن الطبية، وعمال شركات المياه والكهرباء والصرف الصحى والعاملين بالمستشفيات والمعاقين من ذوى الاحتياجات الخاصة المتعاقدين فى الشرقية، وإضراب العاملين بالشهر العقارى وعمال النظافة بالجيزة، و عمال هيئة البريد وموظفى وخبراء مصلحة الشهر العقارى ، وجراجات النقل العام بالقاهرة والجيزة. برنامج زمنى لحل المشكلات وبشكل عام ، يطالب عبد الرحمن خير بضرورة تشكيل مجلس اقتصادى واجتماعي، يضم كافة القوى الاجتماعية لمناقشة كافة مشروعات القوانين المقترحة لتحقيق العدالة الاجتماعية، مشيراً إلى أهمية إصدار قوانين لتفعيل المواد المتعلقة بحقوق العمال من أجل إقامة علاقات عمل متوازنة، وحظر الفصل التعسفي، وتنظيم التأمينات الاجتماعية، ونظام تأمين صحى شامل حتى لا تتغول جهات الإدارة على حقوق المنتفعين، مطالباً الحكومة بضرورة الاعلان عن برنامج زمنى محدد لحل مشاكل العمال ، كما يجب أن يتخذ المجلس القومى للاجور قراراً عاجلا لاقرار الحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع الخاص، وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، ومن ثم تطبيق الحد الادنى على نحو 17 مليون عامل بالقطاع الخاص ، أسوة بما تم تطبيقه للعاملين المدنيين بالوزارات ووحدات الإدارات المحلية حرصاً على استقرارالقطاعات العماليه، ومواجهة الإضرابات والأحتجاجات التى أصابت العديد من القطاعات خلال الفترة الماضية. وعلى الرغم من الهدنة التى التزمت بها النقابات لوقف الاحتجاجات والاضرابات، اسنتجابة لدعوة رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، إلا أن صبر العمال لن يدوم طويلاً، كما أن عدم تحسين أوضاع العمال وظروفهم المعيشية – والكلام للقيادى العمالى عبد الرحمن خير- سيؤدى إلى مزيد من الاحتجاجات والإضرابات التى قام بها العاملون فى المصانع المصرية بسبب تدنى دخولهم، وعدم مواكبتها للارتفاع الجنونى فى الأسعار. هموم عمال النسيج وبشكل عام، فقد جاءت سلسلة الاضرابات والاعتصامات العمالية المتكررة فى الفترة الأخيرة، وبخاصة فى شركات الغزل والنسيج لتدق ناقوس الخطر، ولتفتح ملف هذه الصناعة، وما آلت إليه الأوضاع فيها من تدهور، وما لحق بالعاملين فيها من أضرار ، وما واجهته من خسائر، فانخفضت مواردها المالية، ولم تعد قادرة على الانتاج، ولا تلبية مطالب العاملين بها ، بعد أن تهالكت معداتها ولم تعد قادرة على الانتاج، وهنا يقول محمد المرشدى رئيس جمعية مستثمرى العبور ورئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات سابقا- إن هذه المصانع قد انهارت عن عمد ، بعد توقف الحكومة عن ضخ أى استثمارات جديدة فيها منذ أكثر من 20 عاماً، وتركتها حتى انهارت تماماً، للدرجة التى جعلتها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه العمال، فالدولة تدفع نحو 70 مليون شهرياً للشركة القابضة للغزل والنسيج للوفاء بمرتبات للعاملين بهذه المصانع بعد تعثرها تماما، مؤكداً أن نحو 40% من مصانع الغزل والنسيج توقفت عن الإنتاج، بما يعادل 2000 مصنع من إجمالى المصانع البالغ عددها نحو 5300 مصنع منها 40 مصنعاً تابعاً للقطاع العام و5260 مصنعا خاصا، ومن ثم إعادة النظر فى السياسات المحيطة بالعملية الإنتاجية ومن بينها مكافحة التهريب، وتعديل قواعد الاستيراد بنظام السماح المؤقت!! خطة إنقاذ وإذا أردنا تحسين الأوضاع الاقتصادية للبلاد، والتى ستتحسن معها بالطبع الظروف المالية والمعيشية للعاملين ، فلا مفر من وضع خطة لانقاذ الاقتصاد المصري، من خلال رفع كفاءة وأداء القطاعات الانتاجية، عبر خطة واصحة المعالم لاستثمار كافة الموارد الاستغلال الأمثل ، فضلاً عن ضرورة تفعيل دور القطاع الخاص، ورفع الكفاءة الإدارية، وخلق فرص عمل منتجة، وكذلك ضرورة رفع كفاءة استغلال الموارد المتاحة ، كما يجب إعادة تشغيل المصانع التى توقفت عن العمل فى أعقاب ثورة 25 يناير وما بعدها.