تعالوا نتفكر فى هذا المنطق وفيما يترتب عليه من نتائج كارثية تتعارض تماماً مع المنطلقات المُعلَنة لأصحابه! يقول بعضُهم إن المجلس العسكرى الحالى هو الداعم للإرهاب الذى يُشَكِّل الخطر الأكبر على البلاد حالياً! وحجتهم فى هذا أن انفجار قنبلة هنا وإيقاع قتلى هناك مع توقع هذا كل يوم، وما يثيره من فزع لدى الجماهير، هو المبرر الوحيد لاستمرار فرصة فرض قبضة المجلس العسكرى على الحكم منذ ما بعد 30 يونيو بزعم أنه يعمل على استعادة الأمن للمواطنين وبالإيهام بأنه لولاه لاستشرى الخطر إلى ما هو أفدح! واضح أن القائلين يفتقدون أى دليل وإلا لطنطنوا بأعلى الصوت بأنه فى يوم كذا تورط من الجيش فلان وفلان مع إرهابيين، وذكروهم بالاسم، لاقتراف جريمة كذا فى ناحية كذا!! الكلام إذن مجرد رأى، أو قُلْ هو تحليل سياسى من غارات التحاليل التى تتعرض لها البلاد فى السنوات الأخيرة من عبقريات تحليلية بات لها منابر تطلق منها الوابل التحليلى! ومع غياب الدليل الداعم لهذا القول، فإنه يعمه الاضطراب، كما تتعارض المعانى ويرتبك السياق! أولاً، لأن القائل ينسى نقطة مبدئية، هى المفتاح فى الموضوع، وهى أن الحشود الشعبية بعشرات الملايين التى ملأت ميادين وشوارع البلاد، تلبية لنداء التمرد ضد حُكم الإخوان، هى التى نادت المجلس العسكرى بالتدخل لحمايتها وللمساعدة على إنفاذ اختياراتها، أى أن الإرادة الشعبية، التى هى منبع الشرعية، منحت المجلس العسكرى الشرعية التى لا يأبه لها القائل، بل إنه يتغاضى أيضاً عن أن هناك بالفعل إرهاباً شنيعاً يمتلك لأول مرة فى تاريخ البلاد أسلحة مدمِّرة تصل إلى صواريخ مضادة للطائرات مع أطقم فنية مُدرَّبة على استخدامها، وقد نجح الإرهابيون بالفعل فى بعض جرائمهم! وهذا ينطوى على حقائق لا ينبغى إغفالها، منها أن هناك من يُموِّل الإرهابيين بمبالغ هائلة لشراء هذه الأسلحة الشديدة التطور وذخيرتها، ثم تهريبها وتخزينها وتدريب من يقومون عليها وإيوائهم وتوفير تأمينهم وانتقالاتهم ومصروفاتهم هم وعائلاتهم..إلخ إلخ أما الحقيقة الكبرى التى يجرى تجاهلها فى هذا الكلام فهى أن هناك بالفعل حرباً ضروساً تدور رحاها فى سيناء أساساً، تتصدى فيها تشكيلات من الجيش للعمليات الإرهابية المنظمة، يروح فيها شهداء من الجيش ويقع فيها جرحى، كما يُصرَع فيها أعداد من الإرهابيين ويُلقى القبض على آخرين يعترف بعضهم بجرائمهم ويفصحون عن دوافعهم التى يبررون بها عقيدتهم فى قتال الجيش المصرى وفى تكفير المجتمع! وأن كل هذا صار فى باب العلم العام! من أين تتأتى الجسارة إذن فى اتهام الجيش، فى عزّ جديته وتضحيته فى القيام بدوره الوطنى، بأنه هو الذى يدعم الإرهاب، فى وقت يتعرض فيه للأذى ضباط وجنود الجيش بالدرجة الأولى؟ ومن المستفيد من تبرئة المجرم الحقيقى، أو على الأقل إبعاد الشبهة عنه، حتى وهو يعترف بجريمته؟ ولماذا العمل على تشتيت الرأى العام بما يؤدى إلى تخبط تكون من نتائجه افتقاد الجيش الظهير الشعبى الذى يؤيده فى القيام بمسئولياته الوطنية؟ ما هذه الخفة فى التعامل مع شأن على أعلى درجة من الخطورة؟ وهل يجوز أن يعتبر القائلون بهذه السموم أن كلامهم يدخل فى نطاق حرية التعبير التى نادت بها الثورة وناضل من أجلها أجيال بعد أجيال من الصحفيين والكُتّاب والسياسيين؟ وهل حرية التعبير هى مجرد حق يلهو به من يشاء كيفما يشاء دون تحمل مسئولية ما يلغو به؟ وكيف يتوهم هؤلاء أن اتهامهم عددا من رجال الجيش بالقيام بتعذيب بعض النشطاء، وهو ما لا يدافع عنه أحد، يبرر لهم أن يشوهوا كل قيادة القوات المسلحة؟ وما دخل هذا بجحد حق المؤسسة العسكرية وإهدار معنى تضحيات رجالها؟ هل يجهل هؤلاء أن هنالك فوارق جوهرية بين النقد البناء، الذى يقوم على المعلومات الدقيقة وإخلاص النية لإجلاء الحقيقة واستهداف المصلحة العامة، وبين حرب الشائعات التى غرضها الوحيد هو الهدم عن طريق الكذب الصريح ودسّه فى متن الخبر وعرضه فى سياق الرأى؟ وأين الحق العام؟ أين حق الشعب فى الحماية من التدليس؟ وأين حق القوات المسلحة التى تواجه أشرس الأعداء بصدر مفتوح وتتلقى الرصاص بدلاً من المواطنين المدنيين؟ ولماذا المبادرة بطرح الموضوع الآن فى خضم الاهتمام بالاستحقاقات الانتخابية الرئاسية ثم البرلمانية؟ هل المقصود أن يدع الرأى العام الانتخابات القريبة، التى سيكون لها أكبر الأثر فى تشكيل واقع البلاد الجديد، لكى ينساق وراء الاتهامات الجزافية بما يعرقل مسيرة خارطة المستقبل المأمول منها أن تسفر عن أوضاع مستقرة؟ ألا يصبّ كل هذا فى صالح الإرهاب الذى أعلن أنه يستهدف تعطيل الانتخابات؟ يزداد غرابة موقف الكثير من جمعيات ونشطاء حقوق الإنسان وهم يتقاعسون عن التصدى بشكل حاسم لهدر الحياة فى الهجوم الإرهابى المتكرر بالسلاح على ضباط وأفراد الجيش فى سيناء وعلى رجال الشرطة ومقار مديريات الأمن فى المحافظات، وعدم إدانتهم بوضوح لا لبس فيه لهذا الإرهاب، ثم الصمت إزاء التشهير بالجيش والشرطة، بل إن بعضهم كان يثير الدنيا فقط على كيف يجرى التعامل مع الإرهابيين وهم متلبسون بإطلاق النيران، وكيف يتم القبض عليهم، وأين يُحتَجَزون، وكيف يجرى التعامل معهم وهم قيد الحجز! لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب