رغم انها المرة الرابعة التى يوقع فيها الطرفان الفلسطينيان فتح وحماس على وثيقة رأب الصدع وإعادة اللحمة للبيت الفلسطينى بعد سبعة أعوام من الإنقسام خرجت الجماهير فى الشوارع تعلن عن فرحة مكبوته تطارد تشاؤما مشروعا فى ظل سوابق عديدة تم فيها التوقيع والإعلان ولكن شيئا لم يحدث. ولكن هذة المره تأتى فى ظل متغيرات سياسية محلية وإقليمية، وخارطة للمشهد السياسى العربى متغيرة تنعكس على ديناميكة السياسة الفلسطينية المحلية، كما أن التحديات السياسية على صعيد المفاوضات تدفع باتجاه تعزيز القدرات السياسية الفلسطينية للحد من ضعف البنية السياسية بسبب سنوات الانقسام من جهة، وتجمد العملية الانتخابية التى تتيح تداول السلطة من جهة إخرى، ومن هنا بدت التوجهات العامة للمصالحة ايجابية وملائمة لطبيعة المشهد السياسى بتكويناته الدولية والعربية والمحلية، فجاءت مختلفة عن المحاولات السابقة بدءا من إتفاق مكة وانتهاء بإتفاق القاهرة 2011 . خيار أحادى والمدقق فى تفاصيل المشهد يرى تماما ان المصالحة اضحت أمرا حتميا والإلتفات عنها هو خيانة للشعب الفلسطينى الذى مازال يخوض اعتى المعارك تجاه الإستقلال، فمن جهة تعثر المسار التفاوضى مع إسرائيل وتأكد أبومازن ان الرهان على اوباما وإدارته رهان خاسر، ولن يستطيع ان يجبر إسرائيل على اية خطوات تقود لحل الدولتين، مهما كانت التنازلات التى يقدمها لإنقاذ الموقف، كما ان تشكيلة الحكومة الإسرائيلية اليمينية بوضعها الراهن وتوجهاتها الخفية والمعلنة تؤكد انها ليست حكومة سلام، ولا تريد اكثر من الحفاظ على الموقف الراهن، لأنها تدرك ان خيار الشعب الإسرائيلى يرفض دولة فلسطينية فى الضفة التى يعتبرها حسب المعتقد اليهودى هى ارض الميعاد ويطلق عليها يهودا والسامره، واوراق الضغط الفلسطينية لاتقوى على فرض حل بدون الولاياتالمتحدة، إذن فلماذا السلام؟ ومن جهة ثانية موقف حماس فى غزة بالغ الصعوبة، فبعد سقوط معقلها فى سوريا وخروج القيادات الحمساوية من دمشق على خلفية الأزمة السورية، سقط حليفها الإستراتيجى فى مصر «جماعة الإخوان المسلمين» بل وتورطت فى أعمال إرهابية ضد الجيش والشرطة المصرية، جعل عددا غير قليل من قادتها مطلوبين امام القضاء المصرى، وإغلاق الأنفاق التى كانت تمثل موردا استراتيجيا للدخل عند الصف الأول والقيادة العليا فى حماس، أضف الى ذلك تبدل فى الموقف الإيرانى من الدعم المالى الذى كان يقدم لحماس بصفتها شق الرحى فى الجنوب الإسرائيلى مع الشق الأول فى الشمال المتمثل فى حزب الله، اذا ما اندلعت اية مواجهات إيرانية إسرائيلية، وموقف أخلاقى تواجهه حماس من التشكيلة العربية الرافضة للفاشية الدينية، والرافضة لموقف حماس المخزى من الجماعة الإرهابية فى مصر ودعمها للفوضى والإرهاب بالشارع المصرى، فضلا عن موقف المواطن الفلسطينى فى الضفة والقطاع الرافض لإنحياز حماس لجماعة الإخوان،فجاءت المصالحة لحماس خيارا احاديا لان استمرار الوضع الراهن يعنى نفس المصير الذى واجهه الإخوان فى مصر. موقف إسرائيلى متوقع بالطبع المستفيد الوحيد من حالة الإنقسام الفلسطينى هو إسرائيل، وتسعى لإدارة العملية التفاوضية كهدف وغاية تمرر من خلالها مفهوما أخر للصراع باعتبار الضفة الغربية، أرضا متنازعا عليها وليست أرضا محتلة فى الوقت نفسه الذى تسوق فيه عدم توفر شريك حقيقى يستطيع اتمام عملية السلام وتستشهد بموقف الإنقسام الحاصل بين سلطة رام الله وحركة حماس فى غزة، ولكن مع كل توقيع فلسطينى سابق على مصالحة ،كانت تلوح بالعقوبات الإقتصادية والإدارية والعسكرية، متهمة ابومازن بوضع يده فى يد منظمة حماس الإرهابية،حتى انها هذه المرة عقبت فى بيان رسمى مقتضب نشره وأذاعه الإعلام الإسرائيلى، مفاداة ان عباس اطلق "رصاصة الرحمة" على عملية السلام. وكان الرئيس الفلسطينى قد اكد فى خطاب القاه بعد توقيع المصالحة فى رام الله بالضفة الغربيةالمحتلة استعداده مجددا لتمديد مباحثات السلام، كما تطالب اسرائيل لكن شرط ان تفرج عن الأسرى الفلسطينيين وتجمد الاستيطان وتقبل بحث حدود الدولة الفلسطينية المستقلية، وردت اسرائيل بان "ابو مازن اعاد تكرار الشروط ذاتها مع معرفته بان اسرائيل لن تقبلها،متهمة الرئيس عباس باقامة تحالف مع حركة حماس المنظمة الارهابية الدموية التى تدعو الى تدمير اسرائيل". فإسرائيل تعلم جيدا ان نتيجة هذة المصالحة هو توقف تمثيلية المسار التفاوضى وتعظيم ما شكله التوجه الفلسطينى إلى الأممالمتحدة والحصول على مقعد دولة مراقب، كمدخلً استراتيجيى على صعيد العمل السياسى الفلسطينى الدولي، هذه الخطوة التأسيسية أفسحت المجال لغلاف سياسى دولى يحصن الحالة الفلسطينية بالقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية، ونقلت المشهد السياسى الفلسطينى من حالة شعب تحت الاحتلال إلى حالة دولة تحت الاحتلال، بالتالى فإن خطوة التوقيع على 15 معاهدة دولية مؤخرا، جاءت لتعزيز هذا التوجه السياسى ضمن الغلاف الاستراتيجى الفلسطينى كخطوة مرحلية وتدريجية نحو دخول الدولة الفلسطينية الى الأسرة الدولية بشكل مؤسساتى فعال. توافق أمريكى إسرائيلى بحسب ما ذكرته صحيفة يديعوت احرنوت ان الرئيس الأمريكى وصف المصالحة الفلسطينية بأنها خطوة اضافية فى مسلسل الخطوات غير المجدية التى اتخذها الطرفان، كما قال وزير الخارجية الامريكي، جون كيرى للرئيس محمود عباس ان اتفاق المصالحة، خيب الامال مضيفا ان أى حكومة فلسطينية يجب ان تلتزم بمبادئ الرباعية الدولية وهى التخلى عن العنف والاعتراف باسرائيل والاتفاقيات السابقةمما يعنى ان الادارة الامريكية تتفق مع اسرائيل، ويضعان معا الفيتو امام عملية المصالحة، وان امريكا تحاول ان تتهرب من مسئولياتها. فقدت الادارة الامريكية قدرتها على الضغط على اسرائيل حين نقضت حكومة نيتانياهو بتعهدها باطلاق صفقة الاسرى الفلسطينيين قبل اوسلو، كما عجزت فى التأثير على حكومة نيتانياهو لتجميد الاستيطان. مرة أخرى يتعرض الفلسطينيون للخيانة ويلخص الموقف الإسرائيلى الأمريكى اللا معقول ما نشرته صحيفة "الاندبندنت" فى صفحتها الأولى فى مقال للكاتب الصحفى، روبرت فيسك، يقول فيه إن الفلسطينيين يتعرضون مرة أخرى للخيانة، وأن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما تخلى عن مسار السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويقول روبرت فيسك الجميع كانوا يتوقعون فشل مسار السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين باستثناء أوباما وكيرى وتونى بليررئيس الوزراء البريطانى السابق. ويضيف أن الرئيس أوباما انحاز إلى إسرائيل عندما ندد بالرئيس الفلسطينى محمود عباس وهو يحاول تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حركة حماس، فى موقف يشبه موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نيتانياهو، الذى اتهم عباس بالتحالف مع منظمة إرهابية تدعو إلى تدمير إسرائيل. ويواصل فيسك بقوله إن عباس يلح على أن الوحدة الفلسطينية ستتم على أساس الاعتراف بإسرائيل، ورفض العنف، واحترام الاتفاقيات السابقة، بينما يطالب نتنياهو منذ أعوام بأن يعترف عباس بإسرائيل دولة يهودية، ويعنى ذلك إلغاء وجود عشرات الآلاف من العرب الإسرائيليين"، ويتابع أن "إسرائيل كانت تقول للعالم على مدار أعوام انها لا تجد مفاوضا فلسطينيا لأن عباس لا يمثل الفلسطينيين فى غزة، ولكن عندما يحاول عباس والسلطة الفلسطينية تحقيق الوحدة، التى توفر مفاوضا لإسرائيل، يعلن نتنياهو أن السلام ناهيك عن حل الدولتين أصبح لاغيا". رحبت حكومة غزة التى تديرها حركة حماس، بما جاء فى خطاب الرئيس الفلسطينى محمود عباس الذى القاه السبت الماضى أمام اجتماع المجلس المركزى لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقال ايهاب لغصين الناطق باسم حكومة غزة، " خطاب الرئيس ابو مازن فى معظمه ايجابى باستثناء بعض الامور التى لا بد التأكيد عليها. وعبر عن جاهزية حكومة غزة تسليم مهامها لحكومة التوافق الوطنى وقال فى كل الاحوال نحن جاهزون على تسليم مهام الحكومة فور انتهاء ابومازن من اجراءات تشكيل حكومة التوافق الوطنى.