فيما يعد اكتشافا علميا جديدا يسهم فى تطوير العلاجات الدوائية لمرضى الأورام، توصل فريق بحثى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة لرصد أحد المركبات الطبيعية داخل الخلية التى تعيق عمل الدواء بفاعلية بل وإنتاج سموم لها تأثيرات جانبية على صحة مريض السرطان. الدراسة التى أعلنت منذ أيام خلال مؤتمر صحفى بمقر الجامعة الأمريكية تمهد الطريق كما يقول د. تامر شعيب رئيس قسم الكيمياء بالجامعة الأمريكية ورئيس الفريق البحثى لابتكار أنواع أكثر فاعلية من العقاقير والعلاجات الذكية والتى يمكنها التغلب على السرطان بأقل جرعة ممكنة وبأقل آثار جانبية ممكنة. ويوضح د. تامر شعيب إنه من المتعارف عليه أن مرضى الأورام يخضعون فى غالب الأمر إلى العلاج الكيماوى فى مرحلة ما من برنامجهم العلاجى للتغلب على الورم. وطبقا للدراسات فإن 40% من مرضى الأورام يحصلون على جرعات دوائية غير مناسبة لهم - إما أكثر أو أقل مما يجب - مما يؤدى لإصابتهم بمضاعفات جانبية وتأخر الشفاء.ومع التقدم العلمى فى بحوث الخلية وجدنا أن معايير تحديد جرعة العلاج الكيميائى لكل مريض غير كافية ويجب أن تكون هناك معايير أكثر لضمان وصول الدواء بفاعلية أكبر للخلية السرطانية وهو ما يعرف عالميا ب "شخصنة العلاج" أى ضبطبروتوكولات العلاج طبقا لحالة كل مريض. وبالنظر إلى مسار العلاج الكيميائى بدءا من الحقن فى الوريد فإن الهدف فى نهاية الأمر هو أن يصل الدواء إلى الشريط الوراثى داخل نواة الخلية السرطانية ليعيقها عن التكاثر. إلا أن هذا الأمر لايتم بالفاعلية المرجوة حيث أظهرت الدراسات أن40% فقط من العلاج الكيميائى هو الذى يصل للخلايا السرطانية فى حين تمتص النسبة الأكبر من الدواء فى مناطق مختلفة بالجسم. وبعد مرور هذه النسبة القليلة لدواء من جدار الخلية السرطانية فإن من 80%إلى 90% من هذه النسبة لاتصل إلى نواة الخلية بسبب وجود معوقات كثيرة داخل الخلية وفقط من 3 الى 7% هى التى تخترق جدار نواة الخلية.وبعد كل تلك المعوقات، 1% من الدواء الذىيصل لداخل النواة هو الذى يعيق انقسام وتكاثر الشريط الوراثى مما يمهد لوفاة الخلية السرطانية. أى أن كمية الدواء التى تحارب المرض أقل آلاف المرات من الجرعة التى يحصل عليها المريض والتى للأسف تسبب العديد من الآثار الجانبية وتؤثر على بعض الأعضاء الحيوية بالجسم مثل الكبد والكلى. ويضيف د.تامر إلى أن هذه المشكلات فى العلاج الكيميائى محل دراسة المراكز البحثية حول العالم، فحاليا هناك أبحاث لتقليل الهدر الأولى فى جرعة الدواء من خلال تصميم كبسولات فى حجم بضع نانومترات تحمل داخلها الدواء وتنقله مباشرة الى الخلية السرطانية. أما فيما يتعلق بالهدر الذى يحدث للدواء داخل الخلية السرطانية، فهذا ما تخصص الدكتور تامر شعيب وفريقه البحثى فى دراسته على مدار السنوات السبع الماضية حيث اشترك فى مشروع بحثى مع جامعة لوفبرو ببريطانيا وتمكنوا من تقسيم الخلية السرطانية إلى 4 أجزاء لتحديد أكثر مكونات الخلية التى تمنع وصول الدواء إلى نواة الخلية. وبعد دراسات مطولة وجدوا أن هناك مركبا طبيعيا داخل الخلية يسمى كارنوزين له دور وظيفى كمضاد للأكسدة ويتواجد بكميات أكبر بخلايا العضلات والجمجمة. هذا المركب يمنع وصول نسبة كبيرة من الدواء لنواة الخلية ويتفاعل مع الدواء ليسبب العديد من الأعراض الجانبية للمريض. ويوضح د.تامر أن هذا الاكتشاف هو بمثابة إضافة هامة تحسب لنا كعلماء مصريين فى بحوث السرطان حيث تم نشر البحث فى شهر نوفمبر الماضى بإحدى المجلات الدولية المرموقة التابعة للجمعية الملكية البريطانية للكيمياء وتصدرت الدراسة غلاف المجلة العلمية تأكيدا على أهمية وتفرد النتائج العلمية، حيث من المتوقع أن تسهم فى تطوير بروتوكولات علاج مرضى السرطان باشتراط رصد نسب مركب كارنوزين فى الخلايا قبل تحديد جرعة الدواء أو ابتكارعلاجات ذكية تتغلب على مركب كرنوزين للوصول مباشرة إلى نواة الخلية المريضة. ويؤكدد.تامر أن التطور المأمول فى مجال الأدوية لن يحدث بين يوم وليلة إلا أنه من المهم أن يكون للعلماء المصريين دور فى تلك البحوث لذلك نسعى حاليا للتعاون مع إحدى الجامعات بكندا وشركة عالمية للدواء لدراسة سبل زيادة فاعلية العلاجات الكيميائية الحالية لتحقيق أعلى فاعلية للدواء بأقل أضرار صحية ممكنة.