بالرغم من التهديدات التى وجهتها عناصر حركة طالبان مرارا وتكرارا بعرقلة العملية الانتخابية فى أفغانستان وقيامها بالفعل بعدة تفجيرات بالقرب من بعض مراكز الاقتراع والتى أسفرت عن مقتل العديد من الناخبين وأفراد الشرطة ومسئولى الانتخابات إلا أن الإصرار على الخروج من مستنقع الحروب الأهلية والنزاعات القبلية، والبحث عن رئيس يأتى من خلال عملية انتخابية نزيهة لتحقيق الاستقرار السياسى والأمنى بعد أن ضاقوا ذرعا من الفقر والبطالة والإرهاب كان أقوى من أى تهديدات. فقد ذهب ما يقرب من 7 ملايين أفغانى للتصويت من أصل 12 مليونا هم من لهم حق الانتخاب للاقتراع، والذين كان لهم الفضل فى إخراج صورة رائعة للانتخابات وإتمامها بسلام بالرغم من قلة الإمكانيات والصعوبات اللوجيستية التى تتمثل فى الطرقات والممرات الجبلية الوعرة والتى جعلت من «الحمير والبغال» وسيلة لنقل صناديق الاقتراع الفارغة إلى المناطق الجبلية، وإعادتها مرة أخرى محملة ببطاقات الانتخاب، إلى مراكز الفرز. وقد تنافس ثمانية مرشحين للفوز بمنصب الرئيس الأفغانى القادم لكن النتائج الجزئية ل 34 ولاية بعد فرز 50% من الأصوات أشارت إلى أن المعارض الشهير ووزير الخارجية الأسبق عبدالله عبدالله قد آتى فى الصدارة بحصوله على 44.4% من الأصوات، بينما حصل اشرف غانى على 32.2% ليحل فى المرتبة الثانية وحصل زلماى رسول على 10.4% وحل فى المرتبة الثالثة. ووفقا للدستور، يتعين أن يحصل المرشح الفائز على 50% على الأقل من الأصوات ومن ثم فسوف يتنافس أكثر مرشحين حصلا على عدد أصوات من خلال الجولة الثانية، والتى ستجرى فى أواخر شهر مايو أو أوائل يونيو على الأرجح عقب الإعلان عن نتيجة الجولة الأءولى فى 14 مايو القادم. ولم يكن تقدم كل من المعارض «عبدالله عبدالله» و«أشرف غانى» قى الانتخابات بالأمر المفاجئ بل أن غالبية استطلاعات الرأى التى سبقت الانتخابات كانت تشير إلى فوز أحدهم بالمنصب، وذلك لما يتمتعان به من قاعدة شعبية عريضة التى جاءت نتيجة تاريخهما النظيف الخالى من أى عمليات دموية أو إجرامية أو تورط فى فساد. فعبد الله عبد الله (54 عاما) طبيب العيون السابق استطاع أن يحصد أكبر نسبة من الأصوات وذلك لأصوله التى تنتمى لأهم عرقيين فى أفغانستان حيث أن والده من «البشتون» التى تعد أكبر جماعة عرقية فى أفغانستان. ومن ناحية أخرى فإن والدته طاجيكية مما جعله يحظى برصيد كبير من الأصوات بين الطاجيك خاصة ما يعرف عنه من ارتباطه الوثيق بأحمد شاه مسعود حيث كان عبد الله المتحدث باسم القائد مسعود الذى يراه الكثير من الأفغان شخصية مثالية لمقاومته للاتحاد السوفيتى ونظام طالبان. وعقب انهيار حكم طالبان، عين وزيرا للخارجية فى حكومة كرزاى الأولى وخلال الانتخابات الرئاسية فى 2009، حل عبد الله فى المرتبة الثانية فى الدورة الأولى بحصوله على اكثر من 30% من الأصوات. وانسحب فى الدورة الثانية بعدما ندد، بوجود عمليات تزوير كثيفة جاءت فى صالح كرزاى. ويرى المحللون أن اختياره للنائب اختيار موفق, كما يرى المحللون أن عبدالله عبدالله هو أنسب شخص لقيادة الفترة الراهنة فى أفغانستان، لكن هناك مخاوف من تقلص فرص التسوية مع طالبان خصوصا أنه عرف بتأييده الغارات الجوية الأمريكية ضد مقاتلى الحركة. أما أشرف غانى (64 عاما) فهو الآخر من عائلة بشتونية, تخرج فى جامعة كابول ثم سافر للبنان ليستكمل دراسته حتى حصل على درجة الماجستير من الجامعة الأمريكية ببيروت ثم عاد لأفغانستان عام 1977 ليصبح محاضرا فى جامعة كابول قبل أن يفوز بمنحة دراسية لجامعة كولومبياالأمريكية للحصول على الدكتوراه ثم حصل على الزمالة العلمية لعشرات الجامعات الأوروبية والأمريكية فى مجال الاقتصاد والشئون المالية. عمل أستاذا محاضرا فى جامعتى كاليفورنيا وجون هوبكنز, كما عمل كخبير اقتصادى فى البنك الدولى منذ 1991 حتى شغل منصب كبير المسئولين التنفيذيين بالبنك وأشرف على عدد من المشروعات الهامة فى جنوب وشرق أسيا. وبعد هجمات ال 11 من سبتمبر 2001 تقدم باستقالته من البنك ليعود لأفغانستان مرة أخرى قبل أن يصبح وزيرا للمالية فى البلاد بين 2002 و 2004 ويقال انه استقال من منصبه احتجاجا على الفساد وعدم تطبيق القانون. يتميز غانى عن باقى المرشحين لكونه لا ينتمى للنخبة السياسية المشهورة بفسادها ولم يكن أحد زعماء الحرب، لكن من ناحية أخرى يراه البعض شخصا برجماتيا, فهو يمشى على درب كرزاى خاصة فيما يتعلق بالتفاوض مع حركة طالبان ودعوتهم للحوار السلمى بعيدا عن العنف. أيا كان الفائز فإنه هناك تحديات وصعوبات جمة ستكون فى انتظاره على الصعيد الداخلى والخارجى، فستكون من بين أول وأهم القرارات التى يجب عليه اتخاذها هو قبوله أو رفضه توقيع الاتفاقية الأمنية التى ستحدد عدد القوات التى سيتركها الغرب فى البلاد بعد عام 2014, والتى سعى كرزاى لتأجيل التوقيع عليها حتى إجراء الانتخابات الرئاسية ليترك الأمر لخليفته، وذلك بعد أن وضع شروط تعجيزية من شأنها عرقلة التوقيع. بينما يأتى التحدى الأكبر للفائز فى توفير احتياجات الحياة الأساسية ل 28 مليون نسمة هم عدد ساكنى تلك الدولة الفقيرة قليلة الإمكانيات والذين يضعون أمال كبرى على الرئيس القادم فى توفير حياة كريمة من مأكل ومأوى وتوفير فرص عمل لانتشالهم من بئر البطالة، إلى جانب توفير الخدمات العامة الصحية والتعليمية، ويأتى على رأس احتياجات الأفغان «الأمن» الذى حرموا منه سنوات طويلة والذى لن يتحقق سوى بالتفاوض والتسوية مع حركة طالبان التى تعد العامل الأول والأهم فى زعزعة الاستقرار فى البلاد بل أن التوتر الذى تسببه قد امتد لينال من العلاقات الخارجية لأفغانستان حيث تتهم سلطات كابولباكستان بزعزعة استقرارها بمساندة طالبان وهو ما بدا واضحا فى موقف كلا المرشحين.