السبت القادم هو موعد الجولة الأولى من أنتخابات الرئاسة الأفغانية والتى تعد بمثابة خطوة هامة نحو المستقبل تدخل بها أفغانستان عهدا جديدا بعد أن حرمت من الاستقرار السياسى والأمنى على مدار أكثر من 12 عاما، تسعى لفتح صفحة جديدة بقيادة رئيس يدخل بها إلى مرحلة مختلفة في ظل تطلع المواطنين الأفغان لإجراء انتخابات نزيهة تخلصهم من ميراث ثقيل من الصراعات بين قبائل وميليشيات وتبعدهم عن شبح العنف والفقر والاقتتال الأهلى. "سأصوت حتى لو كلفنى ذلك الموت".. شعار يردده الناخبين الأفغان وهم ينتظرون بالساعات فى صفوف طويلة أمام اللجان الأنتخابية فى انتظار تسجيل اسمائهم على القوائم للحصول على البطاقة التى تخول لهم التصويت فى مشاهد تعلن عن تحد واضح لكل لما تعهدت به عناصر حركة طالبان بمهاجمتها مكاتب التسجيل ومراكز الاقتراع من أجل عرقلة سير العملية الانتخابية وإبعاد الناخبين عنها لإجهاض أى محاولات للدخول فى المسار الديمقراطى. فطالبان لم تكتف طوال تلك السنوات بعرقلة افغانستان عن التقدم، ولا بكل ما سفكته من دماء بل إنها ترغب فى المزيد وذلك باستجماع كل ما أتويت من القوة لشن سلسلة من الهجمات والتفجيرات الدموية والتى كان أهمها تفجير فندق سيرينا بالعاصمة الأفغانية، وطبقا لما ذكرتة عدد من الصحف، فقد تم سحب العديد من مراقبى الانتخابات الأجانب من أفغانستان ممن ينتمون للمعهد الوطنى الديمقراطى ومنظمة الأمن والتعاون فى أوروبا. وتعد بعثة المراقبة الدولية من الاتحاد الأوروبى الجهة الوحيدة الرئيسية الموجودة فى أفغانستان لمراقبة الانتخابات المقبلة، وانسحابهم سيزيد الموقف سوءا وتعقيدا وسيرسخ المخاوف فى الشارع الأفغانى من أن طالبان نجحت بالفعل فى القيام بأولى خطواتها نحو عرقلة الانتخابات, بل وربما يمهد ذلك لاحتمال حدوث عمليات تزوير واسعة وما يتبعها من نزاعات وفوضي, خاصة فى ظل رحيل القوات الأجنبية مع حلول نهاية العام الجارى. لذا فإن رحيل القوات الأجنبية وزيادة هجمات طالبان سوف يجعل الأمن هو التحدى الأكبر الذى يواجه المرشحين, إلى جانب قائمة طويلة من التحديات بما فى ذلك الفساد المستشرى والفقر وانتهاكات حقوق الإنسان، وزيادة تجارة الأفيون وإعادة هيكلة المؤسسات التى أهلكها الأقتتال الأهلى وربما تكون تلك التحديات هى السبب الرئيسى فى أنسحاب ثلاثة مرشحين من المنافسة الأنتخابية وهم قيوم كرزاى شقيق الرئيس الأفغانى السابق حامد كرازاى وعبدالرحيم وردك، وزير الدفاع الأسبق، ومحمد نادر نعيم، حفيد آخر ملك لأفغانستان ليصبح عدد المرشحين ثمانية. وطبقا لأحدث الاستطلاعات والإحصاءات التى كشف عنها مركز «أي. تى. أر» بالعاصمة الأفغانية كابول أن هناك أربعة مرشحين هم الأقرب للفوز بكرسى الرئاسة وهم وزير المالية السابق أشرف غانى, وزعيم المعارضة الأفغانية عبد الله عبد الله، ووزير الخارجية الأسبق زلماى رسول، وشيخ المجاهدين عبد رب الرسول سياف.. فقد أفادت الاستطلاعات بأن كفة أشرف غانى (64 عاما)، المسئول السابق فى البنك الدولى، هى الأرجح للفوز وهو ينحدر من عائلة بشتونية، وهو متخرج من جامعة كابول وحاصل على درجة الماجستير من الجامعة الأمريكية فى بيروت، كما حصل على زمالة علمية لعشرات الجامعات الأوروبية والامريكية فى الاقتصاد والمالية, وكان استاذا محاضرا فى جامعة كولومبيا فى نيويورك وخبير اقتصادى معروف عمل فى البنك الدولى قبل ان يصبح وزيرا للمالية فى البلاد بين 2002 و 2004 واستقال من منصبه احتجاجا على الفساد وعدم تطبيق القانون. ويتميز غانى عن باقى المرشحين بكونه لا ينتمى للنخبة السياسية المشهورة بفسادها ولم يكن أحد زعماء الحرب وليس من هؤلاء الملطخة أيديهم بدماء أى من الفصائل. ولكن من ناحية أخرى يراه البعض شخصا براجماتيا، فهو يمشى على درب كرزاى خاصة فيما يتعلق بالتفاوض مع حركة طالبان ودعوته للحوار السلمى بعيدا عن العنف. أما عبد الله عبد الله (54 عام) طبيب العيون السابق المولود من والدة طاجيكية ووالد بشتوني، سوف يستفيد من أصوله فى الانتخابات فإلى جانب حصوله على دعم قوى من الأقليات العرقية فى الشمال، خصوصا الطاجيك المحسوب عليها، فإنه سعى للحصول على اصوات من خارج عشيرته. وكان عبدالله متحدثا باسم القائد أحمد شاه مسعود، المقاوم الشهير للاتحاد السوفيتى ونظام طالبان, ثم عين وزيرا للخارجية فى حكومة كرزاى الاولى حتى الانتخابات الرئاسية وخلال الانتخابات الرئاسية فى 2009، حل عبد الله فى المرتبة الثانية فى الدورة الاولى بحصوله على اكثر من 30% من الاصوات. وانسحب فى الدورة الثانية بعدما ندد بوجود عمليات تزوير كثيفة ما ادى الى اعادة انتخاب كرزاي. ولكن فى حال فوز عبد الله فإن ذلك سوف يقلص فرص التسوية مع طالبان، خصوصا أنه عرف بتأييده الغارات الجوية الأمريكية ضد مقاتلى الحركة. ويختلف عنهما عبد رب الرسول سياف المعروف ب «شيخ المجاهدين» هو رئيس الاتحاد الأسلامى الافغاني. انضم سياف إلى الحركة الإسلامية مبكرا وتعرف على فكر جماعة الإخوان المسلمين وذلك بعد أن درس فى الأزهر الشريف ثم صار بعد الغزو السوفييتى لافغانستان من أشهر القادة المجاهدين خاصة آنه يتحدث العربية بطلاقة. وقد شارك سياف فى الحرب الأهلية فى مطلع التسعينات من القرن الماضى بعد دخول المجاهدين كابول حيث اضطر ولعدة سنوات لخوض معارك مع حزب وحدت الشيعى بل أن جماعة سياف قتلت عشرات الآلاف من "الهزارة" الذين يعتنقون المذهب الشيعي، مما يعنى أنه لن يفوز بأى تأييد من جانب الشيعة. وبالرغم من اختيار سياف مرشحا طاجيكيا لمنصب نائب الرئيس فى حملته، هو إسماعيل خان وزير الطاقة السابق، على أمل اختراق الكتلة الانتخابية لعبد الله بين الطاجيك لكنه لا يملك شعبية كبيرة بين البشتون، نظرا لتحالفه سابقا مع أحمد شاه مسعود وكرزاي. بينما يعد زلماى رسول وزير الخارجية الأسبق، إلى جانب أشرف غانى الأمل الوحيد لحامد كرزاى خاصة بعد انسحاب شقيقه قيوم، ففوز أحداهما ربما سيكون مخرجا أمنا له وعدم ملاحقته بتهم الفساد. لكن أيا كان الفائز فى الأنتخابات فإنه سيكون فى منصب لا يحسد عليه لما سيواجهة من تحديات وملفات شائكة.