من الواضح أن الصناديق المغلقة فى بريطانيا ستفتح واحدا تلو الآخر وتخرج منها أسرار بعضها كان خافيا والبعض الآخر تدور حوله الشكوك. فبعد أن قرر رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون التحقيق، فيما إذا كان للتنظيم الدولى للإخوان فى لندن علاقة بالأعمال الإرهابية، وبعد إعلان تنظيم أنصار بيت المقدس منظمة إرهابية، فقد وصل الأمر إلى القضاء البريطانى فى قضية إرهابية مثيرة للجدل تتعلق بمنظمة ترسل الشباب البريطانى إلى سوريا للتدريب على النشاط الإرهابى وتقديم التمويل لهم.
وكانت أنظار البريطانيين، قد اتجهت فى الشهر الماضى إلى محاكمتين فى محكمتين مختلفتين لشخص يحمل الجنسية البريطانية من أصول باكستانية يدعى «معظم بيج»، اتهم بارتكاب وتمويل أعمال إرهابية، وتسهيل سفر شباب بريطانيين إلى سوريا للتدريب على اعمال قتالية، وأصدر تعليمات لهم بما يجب عليهم القيام به. وخطورة هذه القضية أن الذين يتوافدون على سوريا من دول عديدة من الشرق والغرب للتدريب على القتال وأعمال الإرهاب المختلفة، حتى وإن كانوا ينتمون إلى منظمات مختلفة، فإن هناك خيطا رفيعا يجمعهم ألا وهو أنهم يتبنون عقيدة الإرهاب، وبعضهم ينتمى إلى تنظيم القاعدة، والبعض الآخر يتعاطف مع القاعدة وأفكارها، بحيث يبدو وكأنهم جميعا يمارسون عملياتهم فى إطار شبكة عالمية للإرهاب. كانت السلطات البريطانية قد ألقت القبض فى أواخر شهر فبراير الماضى على «معظم بيج» الذى كان قد أسس منظمة فى لندن سماها «سجناء القفص» بعد إطلاق سراحه من معتقل جوانتانامو عام 2005، وهو واحد من أربعة من المشتبه بهم فى علاقتهم بالإرهاب فى سوريا والذين تم إعتقالهم جميعا فى مدينة برمينجهام. ويعتبر «معظم بيج» واحدا من عشرة من البريطانيين المسلمين الذين كان قد سبق اعتقالهم فى العام الماضى نتيجة مخاوف لدى سلطات الأمن البريطانية، أن من يتم إرسالهم من الشباب البريطانيين إلى سوريا يمكن أن يعودوا إلى بريطانيا لتنفيذ هجمات إرهابية فيها. وكانت المنظمة التى أسسها «معظم بيج» تحصل على تمويل من جهات عديدة من بينها جمعيتان خيريتان بريطانيتان، إحداهما تحمل اسم «رونترى شاريتبول ترست»، والتى اشار المتحدث بإسمها الى أننا مهتمون بمعرفة الاتهامات التى وجهت إلى هذه المنظمة ومع ذلك منحناها 305 آلاف جنيه إسترلينى على ثلاث دفعات منذ عام 2007، مفسرا هذا التمويل بقوله: (اننا ببساطة نساعد من نعتقد أنهم يقومون بأعمال خيرية). أما المنظمة الأخرى وهى «روديك فونداشن» فقد أعلنت أننا نقدم الأموال إلى من يقولون إنهم يريدون تغيير العالم، أى أن نشاطنا كله يدور فى مجال الأعمال الإنسانية فحسب. وفى أعقاب بدء محاكمة معظم بيج، أثير جدل فى بريطانيا حول قيام بعض الجمعيات الخيرية البريطانية بتمويل منظمته( سجناء القفص)، وهو ما جعل لورد كارليل المسئول السابق عن مراجعة التشريعات الخاصة بمكافحة الإرهاب فى بريطانيا يبررنصائحه بتمويل عدد من منظمات المجتمع المدني.بأننى لم أقدم أبدا أى نصيحة لأى شخص بتقديم أموال إلى منظمة «سجناء القفص»، فلقد كان لدى قلق تجاه هذه الجماعة، وسبق كذلك ان أعلن «روبن سيموكس» الباحث بمعهد هنرى جاكسون، وهو مركز متخصص ببحوث السياسة الخارجية، إننى لا أفهم كيف يمكن لمنظمات تعمل فى مجال حقوق الإنسان، أن تكون على علاقة بمنظمة «سجناء القفص» لأنه كان يجب التعامل مع هذه المنظمة بحذر شديد بسبب الشكوك التى كانت تحوم حول أنشطتها.وتقول صحيفة الصنداى تليجراف البريطانية إنه بالرغم من أصرار هذه المنظمة على أنها منظمة حقوق إنسان مشروعة إلا أن أفعالها أثارت كثيرا من الجدل حول حقيقتها. علاقتها بالعولقي ويحمل سجل هذه المنظمة بيانات سابقة صادرة عنها بتأييد «أنور العولقي» المولود فى أمريكا والمتهم بممارسة نشاطات متطرفة، والذى دعته منظمة «سجناء القفص» لإلقاء خطاب أمامها فى حفل أقامته فى لندن عام 2009. وبعد اعتقال العولقى فى اليمن بتهمة الإرهاب، فإن المنظمة أطلقت حملة تطالب بإطلاق سراحه من السجن. كما أن جيتا ساهجال مسئولة وحدة الأعمال الخيرية فى منظمة العفو الدولية كانت قد وصفت منظمة «سجناء القفص» بأنها منظمة جهادية، وهو التعبير الذى يطلق على المنظمات التى ترتكب الجرائم الإرهابية تحت مصطلح فضفاض وهو الجهاد. وتقول صحيفة الصنداى تليجراف أن «معظم بيج» البريطانى الجنسية والباكستانى الاصل، إعتقل فى برمينجهام، واعترف بزيارة سوريا عام 2012، وسفره إلى أفغانستان مع عائلته عام 2001، ثم إلى باكستان عام 2002 ابان الحرب على أفغانستان كما انه اعتقل فى إسلام آباد فى يناير عام 2002، ونقل منه إلى معسكر اعتقال فى أفغانستان لمدة عام قبل نقله إلى جوانتانامو الى ان أطلق سراحه عام 2005 مع ثلاثة آخرين يحملون الجنسية البريطانية حيث عادوا جميعا إلى بريطانيا. وقد ظل «معظم بيج» طوال الجلسة يؤكد أن نشاطه ينحصر فى الأعمال الخيرية وأنه لم يتورط فى أى نشاط إرهابي، فى حين أن التهمة الموجهة اليه تضمنت ارتكابه أنشطة ارهابية وتمويل عمليات إرهابية فى دول خارج بريطانيا. ولعل اهم ما كشفت عنه هذه الجلسات ان الجمعيات الخيرية البريطانية قد ارتكبت خطأ بتمويل كل من يحمل صفة مجتمع مدنى دون التأكد من حقيقة نشاطه، خاصة بعد أن كشفت التحقيقات -حتى الآن- عن أن منظمة «سجناء القفص» المتهمة بالارهاب كانت تحصل على التمويل الخيرى باعتبارها منظمة مجتمع مدني، وهو ما ينبغى أن يدعو إلى الحرص الشديد فى التعامل مع منظمات المجتمع المدني، فبعضها له انشطة مهمة فى الدفاع عن حقوق الإنسان والبعض الآخر يتخذ منها ستارا لممارسة اعماله الارهابية ضد المجتمعات.