وكانت لنا كرمة,وكانت لى أيام صغيرة ,تضحك وتمرح تحتها,وكانت لنا بجوارها نخلة,وكان لى زمان خفيف ,يصعد ويرف فوقها,وكانت يمامة ,تخرج من قلب النخلة ,تفرد جناحيها ,ثم تهبط للكرمة ,تحدد ما أبقاه النبيذ لروح العنب ,ثم تصعد لمقامها ............. وذات ليل,خرجت اليمامة من قلب النخلة ,فردت جناحيها ثم هبطت إلى الكرمة,أطالت الهديل,ثم أخذت حبة عنب ,وجاءت إلى ,ووضعتها داخلي .. انتشيت من سلافتها انتشيت ,حتى أدركنى ما أظنه يدرك العشاق,ثم قالت لى كلاما لن أقوله لأحد ما حييت,ثم حذرتني من تعاقب الأيام والليالي ,ثم عادت إلى النخلة إلى الأبد ,فلم تخرج منه بعد ذلك قط. ............. بعد أيام جاء مدرس العلوم ليشرح لى أفكارا غريبة عن الجاذبية والثقل والحركة ... ومكثت فى الفراش بدون حركة طويلا ... كل هذا حدث.لأننى صعدت النخلة ,فلما لم أجد اليمامة فى قلبها,هبطت إلى الكرمة بطريقتها. ............. قلت:لن آكل كثيرا,وسأظل صغيرا وخفيفا,حتى إذا نبت لى جناحان ,استطاعا أن يحملانى دون سقوط.. وقلت للأطفال:إن مدرس العلوم بليد,ولابد أن هناك عفريتا يختفى فى بطنه,يمنعه من الصعود,بحجة الجاذبية والثقل والحركة. لكن بعد أن ماتت عمتى ,وبعد أن صار المدرس هزيلا بسبب المرض,بدأت أفكر فى تحذير اليمامة,فى تحولات الأيام والليالى ............ .لكننى تذكرت أيضا ما قالته اليمامة وما لن أقوله لأحد ما حييت ,فقلت : إن عمتى لم تمت ,لكنها اختفت فى قلب التراب, وإن المعلم يستطيع أن يشفى ,لو استطاع أن يفهم الكرمة. تبسمت الكرمة وقتها لكننى بكيت منذ أيام حين قلت ذلك لأصدقائي فرد أحدهم مشفقا :»وحده اليمام .. يسمى المكانات المقفرة .. جناحا مهيضا». ............ منذ أيام,مرت الأيام كثيرة,حتى صارت كثيرة وثقيلة, وجلس الزمان مكانه,حتى صار بدينا وبليدا,وبدا لى أننى لكى أرى اليمامة التى اختفت فى قلب النخلة إلى الأبد,لابد أن أرحل إلى الأبد .. وهكذا رشفت آخر قطرة فى الكأس ,فردت جناحى ,وطرت فى أبد النبيذ.