هل الإرهاب النووى حقيقة واحتمال قائم بالفعل، أم أن المسألة مبالغة مقصودة ومخطط لها من جانب الولاياتالمتحدة صاحبة مبادرة قمة الأمن النووي، لأهداف وأغراض مازال بعضها غامضا، فى حين يبدو هدف المبادرة الظاهرى نبيلا ومثاليا، وهو إحباط أى محاولة لحصول الجماعات «الإرهابية» والكيانات الخارجة على القانون والتنظيمات التى لاتمثل دولا، على المواد أو التكنولوجيا النووية. وحدد الخبراء والمتحدثون فى القمة النووية الثالثة، التى عقدت فى مدينة «السلام» لاهاى بهولندا منذ أيام وكنت شاهدا على فعالياتها، ومشاركا ورشة العمل الخاصة بالقمة والتى نظمها مركز التدريب لراديو هولندا، الجماعات والتنظيمات الإرهابية التى تسعى للحصول على المواد والتكنولوجيا النووية في: تنظيم القاعدة، جماعة حزب الله، حركة حماس، جماعة طالبان الأفغانية والباكستانية، جماعة بوكو حرام النيجيرية، وداعش وجماعات المعارضة الشيشانية، وهى كلها كما ترى جماعات «إسلامية» وخلال ورشة العمل التى امتدت لخمسة أيام قبل بدء فعاليات قمة الأمن النووى التى شاركت فيها مصر و52 دولة أخرى بدا واضحا أن العالم «مرعوب» من احتمال قيام كوريا الشمالية أو باكستان ببيع أو تهريب المواد والتكنولوجيا النووية لجماعات إرهابية فى الشرق الأوسط لأسباب مالية أو عقائدية أو حتى انتقامية. وتردد خلال أعمال «قمة المعرفة النووية» كثيرا اسم العالم النووى الباكستانى الذى يطلق عليه «أبوالقنبلة الباكستانية عبد القدير خان، حيث تردد ان تنظيم القاعدة فاوضة للحصول على مواد وتكنولوجيا نووية كما أن ليبيا ودولاً اخرى فى المنطقة فاوضت خان للحصول على أسرار ومواد نووية، كما ردد الخبراء أيضا خلال فعاليات قمة لاهاى أن سوريا حصلت على ترساناتها من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية من كوريا الشمالية، وكل تلك ولاشك معلومات مازالت تحتاج الى التدقيق وليست ثمة دليل دامغ على سبيل المثال على أن تنظيم القاعدة أو ليبيا تفاوضت مع العالم الباكستانى عبد القدير خان للحصول على مواد وأسرار نووية. ولكن بصرف النظر عن صحة أو دقة تلك المعلومات فإن خوف العالم من احتمال حصول جماعات «إرهابية» غير مسئولة على مواد أو تكنولوجيا نووية هو هاجس حقيقى مرعب ليس للولايات المتحدة فقط باعتبار أن واشنطن تعتبر تلك الجماعات عدوها اللدود بالرغم من إسهامها فى تشكيل وتأسيس بعضها! كما أن تلك الجماعات «الإرهابية» تعتبر أمريكا «الشيطان الأكبر» الذى يدبر كل الشرور فى العالم! والواقع انه منذ خطاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى براج عام 2009 الذى وصف فيه «الإرهاب النووى» بأن أحد أكبر التهديدات التى تواجه الأمن العالمي، والإدارة الأمريكية تدفع فى كل الاتجاهات حتى لا تقع المواد النووية فى أيدى جماعات غير مسئولة، ومن هنا نظمت أول قمة تعنى بالأمن النووى فى واشنطن عام 2010 ثم كانت القمة الثانية فى سول بكوريا الجنوبية. وفى لقاء بمكتبه بوزارة الخارجية الهولندية حدد السفير بيتر دى كليرك، مسئول ملف القمة النووية، أهداف القمة النووية الثالثة فى لاهاى أو «دن هاج» كما يسميها الهولنديون، كالآتي: أولا: دعم التعاون الدولى للسيطرة على محاولات نقل أو تهريب المواد النووية وإضعاف فرص وصولها لأيدى الإرهابيين. ثانيا: منع الجماعات غير الحكومية من الحصول على المواد أو التكنولوجيا النووية. ثالثا: حث الدول التى لديها مفاعلات نووية سلمية على تحقيق أعلى معدلات أمان فى تلك المفاعلات وتدريب الكوادر البشرية بشكل يحقق أهداف الأمان النووى بصرامة. رابعا: منع اللصوص أو الجماعات الإرهابية من السرقة أو الوصول إلى المواد النووية، نظرا لما يمثله ذلك من خطر داهم على الأمن العالمي. وخلال المحاضرات والمناقشات التى عقدت فى جامعة لاهاى ومركز لاهاى للدراسات الاستراتيجية، وغيرها من مراكز الأبحاث الهولندية، كان الهاجس المسيطر على المناقشات، والذى اعتبره الجميع الخط العالمى الأعظم، هو احتمال وصول مواد نووية أو تكنولوجيا نووية إلى أيدى جماعات إرهابية، واعتبر أغلب المتحدثين، مثل ماثيو بوت أستاذ الدراسات النووية بجامعة هارفورد، وديبتى تشوباى مديرة مبادرة التهديد النووى بمعهد الدراسات النووية بهولندا، وكين لونجو رئيس منظمة الشراكة من أجل الأمن الدولى، أن احتمال الإرهاب النووى من قبل جماعات أو منظمات غير حكومية، إحتمال قائم، بل ويهدد العالم بالفعل، ولكن لا تعرف إلى أى مدى حتى الآن. وضرب «كين» مثالا بالتقارير التى تحدثت عن أن القاعدة حاولت الحصول على مواد وتكنولوجيا نووية من باكستان، وتفاوضت مع بعض الأطراف فى روسيا للحصول على ثلاثة رءوس نووية، كما أن جماعتى طالبان الافغانية والباكستانية تبذلان جهودا للحصول على مواد أو أسلحة نووية، وهى معلومات لم تؤكدها مصادر مستقلة. وكان سؤالى للسفير بيتر دى كليرك مسئول ملف القمة النووية الخارجية الهولندية، إذا كانت قمة لاهاى تناقش منع وصول المواد أو الأسلحة النووية لأيدى الجماعات الإرهابية، وأن المجتمع الدولى يعتبر أن إيرانوكوريا الشمالية التهديد الأخطر الذى يمكن أن تتسرب منه أو يتم تهريب المواد أو الأسلحة النووية منه إلى أيدى الإرهابيين، فماهى الرسالة التى توجهها تلك القمة لإيرانوكوريا الشمالية غير المشاركين فى قمة لاهاى؟ قال السفير دى كليرك، على الرغم من أن القمة لا تناقش القدرات النووية أو البرنامج النووى لكوريا الشمالية أو إيران، فإننى أعتقد بأن رسالة قمة لاهاى إلى الدولتين واضحة، وهى أن عليهما الالتزام بالمعايير الدولية والإجراءات الصارمة لمنع وقوع المواد أو الأسلحة النووية فى أيدى الإرهابيين، كما أنه يتعين على الدولتين التعاون مع المجتمع الدولى لتفعيل إجراءات الأمن النووى وحماية الأمن والاستقرار العالميين.