يدك الغضة قالت ليدى/ أقبلى نحوى.. وكونى حذرة فمضت كفى بلا تقدمةٍ،/ وهى سكرى.. فى اتجاه السكرة هذه الغزلية الرقيقة تمثل روح الديوان، الذى صدر الأسبوع الماضى للشاعر فولاذ عبدالله الأنور، بعنوان "على ناصية الشمس: قصائد حب إلى ميسون"، والإشارة لفتاة عرفها الشاعر فى صباه - فى مسقط رأسه سوهاج - وما زالت تعيش داخله، بل تزداد توهجاً مع ازدياد توهجه الشعرى. ويبدو أن الشاعر صنع من اسم ميسون وشخصها مشتقات سمى بها من قابل وأحب من نساء القاهرة، فها هى قصيدة وُلدت فى "بيت الشعر" وحملت عطره بطلتها "ميساء"، الصياغة المعدلة لميسون: حين وقفنا بين بيوت درست،/ وقصور/ حين دخلنا بيت الست وسيلة/ونظرنا فى البئر المهجورة/ هل لمحت ميساء عظام العصفور/ الراقد فى قاع البئر/ من أزمنة ودهور؟ هذا الرمز الرقيق المتخفى, إلى أن الشاعر نفسه هو ذلك العصفور الذى قتله الشعر أو الغناء، يصرح به الشاعر أخيراً حين يقول فى نهاية قصيدته: آخر موت أذكره/ داهمنى بعد سقوط الأمراء/ المملوكين/ وصعود الترك إلى الإيوان/ حين فقدتك بين القلعة والبستان/........ هذا تاريخ العصفور الملقى/ فى قاع البئر/ فانتشلينى يا ميساء. وقصيدة "قطار المدينة" قصيدة حب من نوع خاص، يتحول فيها الانفراد والابتعاد النفسى لزوج من المحبين إلى انعتاق عن المكان: فى القطار السريع وأنت معى/ تتباعد عنا المحطات شيئا فشيئا/ وتفلت من حولنا الواجهات/ تفر المصابيح/ تجرى الشوارع واللافتات/ وتفلت خلف زجاج القطار/.. وتغار/ حين تنشغلين بوجهى/ وتنفردين معى فى الحوار.. "وقطار المدينة" - كالديوان كله - عمل رومانسى بالمعنى الواسع وبالمعنى الفنى معاً، فرغم أن القصيدة ومعظم الديوان من شعر التفعيلة الذى كان بمعنى ما ثورة على رومانسية الأربعينيات إلا أن نظرة الشاعر هنا وموضوعه ينتميان للمدرسة الرومانسية، التى ترى فى المحبوب الخلاص من شرور العالم وكآبة الواقع، وتطلب الخلاص الفردى من خلال الحب. ولست أرى فى ذلك مشكلة، أن تكون بعض أعمال الشاعر أو كلها رومانسية، المهم أن يلمس عرق الذهب. وأحب أن أختم بقصيدة كاملة من الديوان. الحيطان الخرساء الصور التي تجاورت، في منزلي، على حوائط المساء لأوجه الآباء والأجداد والسلالة والذهب اللامع في الدروعِ، فوق أرفف الكتابة والجوهر المضيء في أوسمة الشعرِ التي، أحرزتها على مدار العمرِ، في محافل المسابقاتِ، والنجابة ليت لها بريق لمحة واحدةٍ، تُضيء من ميساء تشع من عيونها تشع من لفتتها، تشع من إزارها الصيفيِّ، أو تنورة الشتاء .... .... فلترتفع صورتها إذن، إلى جوار صور السلالة تؤنسني عند الذهاب والإياب تؤنسني في غربتي مُعلنةً، أكذوبة الغياب