جاء قرار ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطانى بمراجعة فلسفة ونشاط الجماعة بعد أن أعلنت مصر يليها ثلاث دول عربية أن الإخوان جماعة إرهابية، ليبدأ العديد من التساؤلات حول دور الجماعة ونشأتها فى الغرب. ولأن دور الجماعة فى الغرب متشعب ويعود إلى أكثر من ستة عقود يتناول الأهرام هذا الملف على مدار ثلاث حلقات مع التركيز على الدول الأربع التى كان فيها للجماعة أدوار ووجود مكثف وهى بريطانياوألمانياوالولاياتالمتحدة وكندا، ونبدأ اليوم بالحديث عن بريطانيا. لم يكن طموح حسن البنا حينما أسس جماعة الإخوان المسلمين مقيدًا بحدود الإقليم المصرى وحده، وإنما كان يرى فيها فكرة عالمية قادرة على الانتشار، مما دفعه لتأسيس قسم الاتصال بالعالم الإسلامي، بهدف إنشاء فروع للجماعة خارج مصر والتواصل مع الشخصيات والتيارات القريبة من أفكار الجماعة، مما كان له أكبر الأثر فى الانتشار الدولى للجماعة والذى شمل نحو 80 دولة. بدأ تنظيم الإخوان المسلمين فى أوروبا فى منتصف الخمسينات بعد أن فر عدد كبير من أعضاء الجماعة أثر محاولة اغتيال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عام 1954،ومن بين طليعة الذين وصلوا إلى أوروبا كانت مجموعة بقيادة سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا مؤسس الجماعة. وكان يمول هذه المجموعة المملكة العربية السعودية. واستطاع رمضان أن يؤسس فى ميونيخوجنيف مجموعة من المساجد والمنظمات الإسلامية، ثم انتشر بعد ذلك الإخوان فى أوروبا فى الستينات مثلما حدث فى الولاياتالمتحدة من خلال مجموعة من اتحادات الطلبة والتنظيمات الشبابية. وتقول دراسة لمعهد هادسون الأمريكى بعنوان «الإخوان المسلمون فى أمريكا»، أن جماعة الإخوان نشأت فى أوروبا على يد سعيد رمضان الذى هرب مع كثير من قيادات الإخوان من مصر إلى أوروبا بعد قرار الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بحل الجماعة عام 1954. فر رمضان من مصر مع عدد آخر وبعد التوقف فى عدة محطات خلال رحلة الهروب تضمنت سوريا ولبنان والأردن وباكستان استقر رمضان فى ألمانيا عام 1958 ثم جنيف عام 1960. ورأس رمضان أعمال لجنة مسئولة عن بناء جامع جديد فى ميونيخ. وهناك شخص آخر كان عضوا بنفس اللجنة المختصة ببناء الجامع وهو الإخوانى السورى غالب على همة، واستطاع رمضان بالتعاون مع همة من إنشاء الجماعة الإسلامية ومسجد ميونيخ عامى 1958 و1960 ليكون النواة الأولى لانتشار التنظيم الدولى فى أوروبا. ووفقا لوثائق المخابرات الأوربية فإن الاثنين إضافة إلى القيادى الإخوانى المصرى يوسف ندا عملوا على تكوين ركيزة عمل للجماعة فى أوروبا عبر قيامهم برحلات خارجية لجمع الأموال وتوفير الدعم اللازم للخلايا الإخوانية ومن خلال جذب بعض الطلبة الوافدين من المشرق الإسلامى والفارين من الهند وباكستان وسوريا وتونس وغيرها من الحركات الإخوانية. أما فيما يخص تواجد التنظيم فى لندن التى أصبحت مركزا لعمليات التنظيم الدولى فى الآونة الأخيرة فقد وصلت الجماعة إلى المملكة خلال عقدى الستينات، عبر المسلمين العرب غيرهم من الجنسيات الأخرى. وفى عام 1997 أسست الجماعة الرابطة الإسلامية الممثلة للجماعة فى بريطانيا، ثم توالت عشرات المنظمات من بينها مبادرة المسلم البريطانى بى أم أى، والمنظمات الإسلامية للإغاثة والمجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث واتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا. ولم يكن هذا الانتشار بفضل ذلك القسم وحده، وإنما تضافرت عوامل عدة كهروب بعض القيادات الإخوانية للخارج إثر الملاحقات الأمنية خلال حقبة الزعيم عبد الناصر والرئيس السادات.، واقتناع بعض الدارسين الأجانب فى مصر بفكر الجماعة، أو سفر الدارسين المصريين الإخوان للخارج ورغبتهم فى تأسيس كيانات لحماية هويتهم الإسلامية، كل هذه العوامل السابقة كانت وراء انتشار الإخوان عالميًا. ومع مطلع الثمانينات من القرن الماضى تحول الوجود الإخوانى فى أوروبا من مرحلة التخطيط إلى مرحلة بناء المؤسسات وتوطين الدعوة فى عدة دول حتى عقد مؤتمر ألمانيا فى أغسطس عام 1985 الذى أصبح بمثابة نقلة نوعية للحركة على الساحة الأوروبية وتوالى بعد ذلك انتشار الحركات وعشرات المنظمات ودور العبادة التابعة للجماعة الإخوانية فى كل من بلجيكا وفرنسا وسويسرا وإيطاليا والنمسا وهولندا والنرويج وغيرها.