يؤكد المستشار فريد تناغو رئيس مجلس الدولة أن قسم التشريع بمجلس الدولة لم يخطئ حين أجاز الطعن على قرارات انتخابات الرئاسة واللجنة العليا للانتخابات لأنه مارس صلاحياته طبقا للقانون والدستور، وكان رأيه استشاريا، ولذلك فهو غير ملزم لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، مضيفا أن الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية يعرض المسئول للعقوبة الجنائية، وأن الحكم القضائى ملزم، أما الرأى الاستشارى فهو لتقديم المشورة ويمكن الأخذ به أو رفضه.. وإلى تفاصيل حوار تناغو مع «الأهرام»: ما إنطباعك وتفسيرك لاستمرار حالة التراشق والارتباك داخل مؤسسة القضاء رغم أن دواعى القلق زالت؟ اعتقادى الشخصى أن القضاء مستقر تماما ويؤدى دوره بكل كفاءة أما التراشق إن وجد فى مكان معين بين اثنين من القضاة لخلاف بينهما ورغبة فى تغليب رأى على الآخر، فهذا أمر لا يمكننا منعه نهائيا وذلك يعود للطبيعة البشرية فى اختلاف الرؤى إلا أن المؤسسة القضائية مستقرة تماما، والتراشق فى أدنى مستوياته وشيء غير سائد وانما هى حالات فردية فالهيئات القضائية تمارس عملها فى كل مكان بصورة طبيعية. ومع ذلك فإن مجلس الدولة يسعى لتوطيد أواصر الصلة بين كل اعضاء الهيئات القضائية بدعوتهم للقاء الجماعى بالمجلس برعاية وزير العدل فى 5 ابريل المقبل، ونأمل أن تزيد هذه اللقاءات من الود والتقدير بينهم بما يحقق الصالح العام والذى يدعمه التوافق ويؤذيه التراشق والاساءة. هل حدث متغير ما بمؤسسة القضاء أدى إلى ظهور تلك المناوشات وحديث القضاة كالساسة؟. المتغير الذى حدث هو قيام ثورة شعبية فى 25 يناير والتى دعمت ب 30 يونيو وهذه متغيرات لها آثار على كل شيء بالدولة. والخلافات بين الهيئات القضائية كانت قبل صدور الدستور حول اختصاصات كل جهة إلا أنه بمجرد صدور الدستور أصبح هو القانون الأعلى وواجبنا الأول كجهة قضائية وكمجلس دولة أن نلتزم بأحكام الدستور ونصوصه وأعتقد أن هذا هو موقف كل الجهات القضائية والتى تحترم جميعا نصوص الدستور فهذه المنازعات قضى عليها بصدور الدستور. ما تفسيرك لحالة الجدل حول قانون انتخابات الرئاسة؟ بالنسبة لقانون انتخابات الرئاسة والذى أحيل لقسم التشريع بالمجلس لمراجعته قانونيا ومارس القسم ذلك الواجب وبذل مجهودا كبيرا فى مراجعة مشروع القانون وأدلى برأيه والذى طالب فيه بتعديل بعض النصوص وأضاف نصا يتيح جواز الطعن على قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية ومن حق قسم التشريع أن يدلى بهذا الرأى طبقا للدستور والقانون وأيد ذلك الرأى المجلس الخاص بمجلس الدولة عندما عرض عليه القانون والذى رأى أن إجازة الطعن قد تؤدى إلى اختصار المواعيد الخاصة بالطعن وسيتم بها تخطى مواعيد الطعن المعتادة والمنصوص عليها بالقرار الإداري. ولا يستطيع أحد أن يقول إن قسم التشريع أخطأ عندما أجاز الطعن ولكنه مارس الاختصاص الذى منحه له الدستور إلا أنه بعد عمل قسم التشريع تتلوه خطوة أكدها الدستور والقانون وهى إحالة القانون لرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء، والرئاسة لها سلطة التشريع ولمجلس الوزراء حق إبداء الرأى فى القوانين المعروضة. وكون أنهم أتخذوا رأيا آخر واعتمدوه واعتبروا أن اللجنة قضائية عليا ومشكلة من كبار رجال القضاء ولذا إرتأى كل من رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا أنه لا محل للطعن على قرارات هذه اللجنة القضائية وهم وشأنهم فيما قرروه ولهم الحق فى اتخاذ واصدار القرارات، فالممارسة الديمقراطية تفترض الاختلاف فى الرأى بين جهتين وفى النهاية يغلب رأى على الآخر. رأى غير ملزم للرئيس لكن ألا ترى أن الممارسة الديمقراطية تقتضى بالالتزام بما اقترحه قسم التشريع لأنه يراعى مطابقة المواد للدستور. من أصول الممارسة الديمقراطية أن تتعاون السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية معا فى سبيل الوصول إلى هدف تحقيق المصلحة العليا للوطن. ومن غير المقبول أن تتنازع هذه السلطات فيما بينها لتغلب كل واحدة منهما رأيها على الأخرى والواجب على كل السلطات التوافق للوصول لأفضل الحلول حول الأمور المختلف عليها. وفى قانون الانتخابات الرئاسية نؤكد أن قسم التشريع كان على صواب ولم يخطئ إلا أن رأيه استشارى وغير ملزم لرئيس الدولة ومجلس الوزراء. وهل رأى قسم التشريع مجرد إجراء روتيني؟ ليس روتينا ولكنه يعيد الصياغة ويكشف جوانب ذلك القانون ويضع ما يراه أفضل لصالح التشريع ولا يخطئ ولكن يصيب ولكنه لا يستطيع إلزام رئيس الدولة أو مجلس الوزراء أو السلطة التشريعية. بأن يتبنوا رأى مجلس الدولة، لأن الدستور منح تلك السلطات الحق فى أن تأخذ بهذه المقترحات أو تتركها باعتبار أن رأى مجلس الدولة استشارى وغير ملزم فهو مجرد مراجعة لمشروع القانون وتبصير السلطات بالرأى القانونى الصائب حوله. ونحن لا نرغب فى ممارسة ضغوط كسلطة قضائية على السلطات الأخرى ونحن مارسنا سلطاتنا وقدمنا لهم العمل ليمارسوا اختصاصهم وهم وشأنهم فى ممارسة اختصاصاتهم دون إلزام عليهم. وهل من الآليات القانونية عرض مشروع القانون على الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا ذات الرقابة اللاحقة؟ هذا عمل من أعمال رئيس الدولة لا أستطيع أن أتدخل فيه فرئيس الدولة له اختصاصاته وسلطاته وأى التدخل سيعتبر سياسيا ومجلس الدولة لا يتدخل فى السياسة بل يكتفى بإبداء الرأى القانونى وخصوصا أن رأى قسم التشريع والمجلس ككل كان رأيا استشاريا وليس حكما. ألا ترى أن كون الرأى استشاريا وغير ملزم يهدر عمل قسم التشريع؟ كون أن رأى قسم التشريع إستشاريا له فلسفة أنه ليس قضاء وليس حكما بالإضافة الى أن الرأى الاستشارى يشجع سلطات الدولة سواء السلطات السياسية أو التشريعية أو التنفيذية فى أن تطلب الرأى من مجلس الدولة دون أن تخشى الوقوع فى مصيدة الإلزام فلها الحق فى طلب الرأى وفى نفس الوقت تطمئن أنه إستشارى وفى حالة تعارض مع سياسات الدولة ككل أو مصالح الدولة العليا والتى تختص بتقديرها فمن حقها أن ترى ما تشاء فالرأى القانونى بقسم التشريع له تأثيرأدبى على تلك السلطات. الجمعية العمومية بالمحكمة الدستورية أخذت بالمادة الانتقالية 228 لتحصين قرارات اللجنة فلماذا لم يأخذ بها قسم التشريع والمجلس الخاص بمجلس الدولة وأصر على المادة 89 بالدستور؟. لا أستطيع أن أتدخل فى تصرف صادر من رئاسة الدولة فى أخذ رأى الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا وعرض مشروع القانون عليها ولا تعليق لنا على ذلك. ومن أصول الديمقراطية أن أدافع عن ممارسة إختصاصى وفى نفس الوقت لا أتدخل فى ممارسة اختصاصات السلطات الأخري. ونحن كسلطة قضائية مارسنا اختصاصنا فى إبداء الرأى الاستشارى بجواز الطعن على قرارات اللجنة الرئاسية وفق المادة 89 من الدستور ولكن من أصول الديمقراطية أيضا ألا نتغول ونتجاوز بالتأثِير على عمل السلطات الأخرى فى محاولة لمنعها من ممارسة إختصاصها فهى وشأنها فى ذلك فنحن نقف عند تلك الحدود حتى لا يعتبر ذلك تجاوزا منا وتدخلا فى عمل سياسي. ما رأيك فى أن البعض يرى أن مخالفة مقترحات قسم التشريع هو تدخل من السلطات الأخرى فى عمل السلطة القضائية. هذا رأيهم، ولكنى لا أريد أن أسبق بالحكم على هذه المسائل فكل سلطة مارست إختصاصاتها ونحن نحترم ذلك كأصل من أصول الديمقراطية. ولكن إذا طرح هذا الأمر مستقبلا فلكل حادث حديث، وما موقف مجلس الدولة حاليا من قانون مباشرة الحقوق السياسية؟ رفض قسم التشريع مقترح منع المحالين للمحاكم الجنائية من مباشرة حقوقهم السياسية لحين صدور حكم قضائى وهذا الرأى له أساس قانونى قوى جدا وأحيل كل ذلك الى الجهات المختصة بالدولة. وهذا حدود اختصاصاتنا ولو كان هذا سلوك كل جبهة بالدولة دون تجاوز أو تغول لأصبحت الأمور أفضل بكثير مما هى عليه. فى نظام مبارك كان موجودا ما يسمى بترزية القوانين أما الآن فهناك قسم التشريع يعد القوانين وفق الدستور فلماذا لا يدافع عن آرائه؟ رأى قسم التشريع له وجاهته ويستند لأسس قانونية لكن النقطة الأساسية هى عدم مقدرتنا على تخطى اختصاصاتنا بالدستور، ويكفينا ما منحه لنا الدستور ونمارسه فعلا، ولذا ندعو الجميع بعدم تجاوز ما خصصه له الدستور من حقوق. أليس من الوارد أن يتم الطعن على قانون الانتخابات الرئاسية كما حدث مع قانون مباشرة الحقوق السياسية والذى حل مجلس الشعب بناء على ذلك؟. لا يمنع أحد من حق التقاضى وإذا أراد شخص أن يطعن على القانون فلن يمنعه أحد. ولكن ليس من حقنا أن ندلى برأى سبق فى قضية أو دعوة قد تعرض علينا فيما بعد. وما يمكننا قوله أنه على الجميع أن يقدر المرحلة الانتقالية التى تعيشها مصر والتى تقتضى عدم الإطالة فى سير العملية الانتخابية أو محاولة تعطيلها للمصلحة العامة والأجدر بنا الوحدة بدلا من التفرق. نزاهة الانتخابات المقبلة أمر يتعرض للتشكيك من البعض، مؤكدين انها محسومة لطرف معين فما تفسيرك لذلك ؟ لا يجوز التشكيك فى نزاهة وحيدة الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولماذا نتوقع هذا الشر؟!!، فهذا مخالف للدستور والقانون، ويعتبر تزويرا، وهذا مستبعد، ولا أعتقد أنه شيء منذر، وأنه سيحدث، ولا نعرف البوادر التى تشير لهذا القول من الأساس. والمطلوب أن يظهر الشعب رأيه بحرية وأمانة، وأن يقول كلمته فى شخصية المرشح للرئاسة وعلى كل السلطات احترام رأى الشعب حينها، حتى لو أنصب حول شخصية يتم التنبؤ بها باكتساح الانتخابات المقبلة. توريث القضاء التوريث فى القضاء يعتبر أزمة، فمتى يتم تطبيق نصوص الدستور الجديد فى تكافؤ الفرص وإتاحتها للكفاءات ؟ الأحكام الدستورية الجديدة تأتى دائما بفكر جديد، وتحمل فكر الثورة، وهى تحتاج إلى الاستيعاب للتطبيق الكامل، والذى نتوقع أن يحدث خلال الفترة المقبلة والأمور تسير فى طريقها السليم، وبقليل من الوقت سيتم منح الفرصة كاملة. أزمة تعيين الحاصلين على الدكتوراة والماجستير فى القانون العام بالعلوم الإدارية رغم حصولهم على أحكام قضائية متى يتم حسمها ؟ شروط التعيين لا تنطبق على معظم هؤلاء، حيث يتم الاعلان عن مسابقة للتعيين ويتقدم الشخص الذى تتوافر فيه الشروط وتكون محددة بدفعة معينة ولا يتم قبول دفعات قديمة، لأنهم يحملون الدكتوراة أو الماجستير، لأن شروط تقديم الطلب لا تنطبق عليهم، فالعبرة فى كل تعيين بالشروط التى تعلن فى كل مسابقة. وماذا عن الحاصلين على أحكام قضائية ومع ذلك لم تنفذ تلك الأحكام بشأنهم ؟ الحكم القضائى واجب النفاذ حتى لو كان ضد الشروط التى وضعها مجلس الدولة، فنحن لم نعترض على أى حكم، إلا أن البعض منها يحتاج إلى بحث قانونى فى كيفية التنفيذ وترتيبات تسليم العمل وتحديد المكان الذى سيعمل فيه واستيفاء بعض الاجراءات. وبشأن الأحكام القضائية، فإن أغلبها لا ينفذ.. فهل من حق المحكمة اتخاذ إجراء لتفعيل تلك الأحكام ؟ دور المحكمة هو متابعة تنفيذ الأحكام، لأن عدم تنفيذ الأحكام خطأ قانوني، وقد يلزم مرتكبه بالتعويض وبالرغم من هذا يظل الحكم واجب النفاذ، ولا يستطيع الهروب من تنفيذها. محكمة القضاء الإدارى أصدرت أحكاماً بشأن شركات الخصخصة وإعادتها للدولة ولم تنفذ حتى الآن ؟ قد تكون هناك عقبات فى سبيل التنفيذ، ودور المحكمة هو الحكم بالتعويض لعدم التنفيذ، ويعاقب الموظف العام الذى امتنع عن تنفيذ الحكم أيا ما كان منصبه، فهو معرض لعقوبة جنائية، لأنه أمتنع عن تنفيذ حكم القضاء، وهو الحكم المحمى بوسائل قانونية متعددة. كيف نحصن القضاء وأحكامه من المتغيرات السياسية؟ السياسة متغيرة بلا شك، لكن القاضى ليس له علاقة بالأحوال السياسية فهى متروكة لسلطات الدولة والشعب، وقد تؤثر بعض الأحكام القضائية فى تغيير الأوضاع السياسية بطريقة غير مباشرة، وتدفع لأوضاع معينة، وحماية وتحصين القضاء وأحكامه من تأثير أى متغير يتوقف على شخصية القاضى نفسه فالقضاء فى كل أحواله لا يخضع لأى متغير سياسى. الفتوى التى صدرت من الجمعية العمومية بمجلس الدولة أخيرا، والتى تقضى بعدم خضوع قضاة مجلس الدولة وأعضاء الجهات القضائية لأحكام قانون الكسب غير المشروع أثارت جدلاً وانتقاداً واسعا.. فلماذا يستثنى القضاة أنفسهم من هذا القانون ؟ هذه الفتوى صدرت من قسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة ولها أسباب والفتوى شملت القضاة بصفة عامة. وذلك كان مجرد تفسير لأحكام قانون الكسب غير المشروع والذى حدد فيه أن القضاة لا يخضعون لهذا القانون فالجمعية العمومية للفتوى والتشريع لم تفعل سوى تطبيق أحكام القانون وهذا ليس استثناء للقضاة من تلقاء أنفسهم، ولكن هذه الفتوى مجرد رأى استشارى قامت فيه الجمعية بتحديد الفئات التى تخضع لأحكام قانون الكسب غير المشروع طبقا لنصوص القانون والذى أوضح أن هذا القانون لا يخضع القضاء لأحكامه. ومن الممكن أن يحدث تعديل تشريعى من قبل السلطة التشريعية فى حالة ما شاءت إصدار تشريع جديد يخضع القضاة قانون الكسب.