الوقوف الجبرى للسيارات على كوبرى الجامعة فى عز النهار، وفى ذروة العمل والانتاج لمدة ساعة كاملة وتزيد، يجعلنا نفكر كثيراً جداً فى حل يزيل كابوس الزحام الذى لا يرحم، والذى تتفاقم آثاره يوما بعد يوم، والذى لم يترك حيا من أحياء العاصمة إلا واقتحمه، ولا مدينة إلا طغى على شوارعها. وقد يهدينا التفكير الى الحل الأمثل الذى يتمثل فى غزو الصحراء بحيث تقام فيها المدن كاملة المرافق، وبحيث تكون مقرا للسكن والعمل. ولكن إلى أن يتحقق ذلك ماذا نحن فاعلون ؟ إن وسائل الركوب يجب أن نفك طلاسمها لتستوعب أعدادنا الغفيرة. فالأتوبيسات مثلا يجب أن تزيد أعدادها، ليس بأمثال الموجودة فى طرقنا الآن، ولكن بتلك التى تحمل أعداداً وفيرة كالتى استعانوا بها فى تركيا، والتى يحمل الواحد منها 180 راكبا، أو بتلك الموجودة فى لندن وتتكون من دورين، وكذلك أمامنا المترو الذى أنشيء ليجسد أكبر مشروع فى الشرق الأوسط وافريقيا.. إن قطاراته تتلاحق واحدا وراء الآخر فيما لا يتعدى 5 دقائق، ولكن ينقصه التوسع، فلماذا لا نزيده توسيعا. لماذا لا نزيده إلى أربعة خطوط، ثم بعد ذلك خمسة وستة.. لماذا لا نزيده حتى بطول المدن الجديدة أو المدن المستقبلية لنشجع إعمارها. إن شبكات المترو فى أوروبا وأمريكا بلغت شأنا كبيراً، حتى إنها فى مانهاتن وغيرها من مدن أمريكا شملت محطات تربو على الخمسمائة فى مسارات تجاوزت المائتين. ولقد نادى البعض باستخدام النيل وسفنه لفتح مجال للنقل جديد، واهمين أنهم بذلك يجذبون إليه جزءاً مما تنوء به الشوارع، ناسين أو متناسين ماترميه السفن فى النيل من مخلفات، وماتفعله من تلوث يزيد مايعانيه من تلوث يخيفنا ويقلقنا ليل نهار. ولقد حاول «التوكتوك» أن يحل الإشكال، ودخل بلادنا بعد أن تربع على عرش المواصلات فى الهند. إلا أن نوعية سائقيه جعلتنا نحذر منه بل ننكره، فسهولة قيادته وصغر حجمه جعلت الأطفال يقودونه، وأتاحت لمحدودى الوعى والثقافة أن يسيروا به، فرأيناه يعتلى الأرصفة ويزاحم السيارات، أى يسير بلا رابط فى أى اتجاه وبأى سرعة. ومع ذلك فقد ظهر أنه أقل خطورة بل أكثر أمانا من القنبلة الموقوتة فى طرقنا التى تجسدت فى صورة دراجات هوائية لأن هذه قد انطمس وجودها لعدم قدرتها على السير فى الزحام، ولكن أقصد تلك الملقبة بالنارية أو البخارية. فقد كانت هذه وسيلة ترفيه لشباب يتيهون بها فى الطرق الخالية، وكانت حكراً على محال التجارة توصل بها طلبات زبائنها، أما الآن فقد أصبحت لكثرتها ورخص ثمن الصينى منها (2200 جنيه) عبئا على شوارعنا، وبدلا من أن تزيل الزحام، أصبحت تزيده وتكدر الصفو فى وجوده. ليس فقط لأننا رأيناها أداة طيبة للإرهاب والقتل العمد، ولكن لأنها تضيف إلى الزحام زحاما، وتخترق المسافات فيما بين السيارات فتعطلها وتفاجئها فتوقفها، بل لقد تعدّى عدوانها إلى المشاة العابرين الطريق والسائرين على الأرصفة، وبلغت اللامبالاة من الكثيرين أقصى حدودها، وبدلا من أن يركبها واحد، يركبها اثنان (لزوم الإرهاب والتقتيل)، بل يركبها ثلاثة وأربعة، من شباب مستهتر يتصايح ويتضاحك، ويعتليها عائلة فى مقدمتها أطفال صغار، ناهيك عن غياب الخوذة أو السترة الواقية التى تؤمن السائق وتفرض عليه الهدوء، وبتنا ننتظر قراراً يقينا رعونة تلك الدراجات، فصدر هذا القرار أخيراً بعد طول انتظار، وأوقف فيه الاستيراد خاصة بعد ما عرف من أن 2 مليون منها يجوب الشوارع ليلا ونهاراً ( 250ألفا منها وردت حديثاً)، بل خاصة بعد ماوجد من أن ماسجل منها هذه الأيام لم يزد على 22 ألفا هى التى فقط عرف أصحابها وتحددت شخصياتهم، ولم يبق بعد الصدور إذن إلا أن نؤكد بقاءه، ونستمسك به بكل قوانا، ندعو إلى استمراريته، دون تراجع ولا عودة إلى الوراء حتى نحقق ولو شيئاً من الطمأنينة والأمان لمن يسير فى الشارع الماشى فيه أو الراكب. د. عادل أبو طالب أستاذ بطب بنها