على الرغم مما يشاع عن المسلحين السوريين أن هدفهم هو الحرية للشعب السورى وأنهم انضموا إلى الانتفاضة التى بدأت هناك قبل ثلاث سنوات من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية، إلا أن ما حدث ويحدث فى سوريا الأن يشير إلى أنه مجرد تناحر بين الجميع من أجل الحصول على أكبر كم من المكاسب الشخصية لهؤلاء المسلحين. وقد كشفت التحقيقات الميدانية للصحافة الأمريكية مثل صحيفة الهيرالد تريبيون ونيونيورك تايمز وغيرهما، وأيضا دراسات الخبراء المختصين فى الولاياتالمتحدة عن الصورة المفزعة للأحداث الجارية فى سوريا بعد أن كانت المعارضة قد بدأت انتفاضة جماهيرية ضد حكم الأسد تطورت إلى مقاومة مسلحة، لكن التنظيمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة أو المتعاطفة معها إنتهزت الفرصة للتسلل إلى المناطق التى تسيطر عليها المعارضة تحت شعارات القتال إلى جانب الثوار بينما هدفهم الأساسى خلق جو من الفوضى الداخلية حتى يتمكنوا من السيطرة على هذه المناطق، ويغيروا اتجاه المقاومة من معارضة الأسد إلى القتال ضد القوى الوطنية التى بدأت الإنتفاضة. والأسوأ من ذلك أن هذه التنظيمات التى تتستر وراء شعار الإسلام حولت هذه المناطق إلى مخازن للسلاح والمتاجرة فيه وفرض رسوم على الأهالى، وانتهى الأمر إلى إحالة حياة من يعيشون فى هذه المناطق إلى جحيم. بعد بدء الانتفاضة فى سوريا عام 2011 أخذت المنظمات المرتبطة بالقاعدة تدخل إلى سوريا بميليشيات مدربة أبرزها جبهة النصرة وتنظيم داعش اللذان قاما بتجنيد أفراد أجانب وتدريبهم على القتال فى سوريا التى حولوها إلى ساحة حرب، كان هدف القاعدة كما ذكرت التقارير الأمريكية إشعال حرب أهلية تبدأ بصدامات طائفية بين السنة والشيعة. تقول التقارير أن لجوء المنظمات المرتبطة بالقاعدة إلى قتل المقاتلين من قيادات المعارضة ضد الأسد كان يمثل تغييرا تكتيكيا بإصطياد قيادات غير منتمية لهم بعد أن كانوا يتظاهرون بأنهم حلفاء لقوى المعارضة الأخرى. وقد اعترفت داعش بأنها قتلت قيادات من تنظيم «التوحيد» المعروف أيضا بأنه يطلق على نفسه تنظيما إسلاميا، كما أنهم قتلوا أعضاء فى جبهة النصرة المنتمية للقاعدة. وقد تصاعدت عمليات القتل هذه فى وقت بدء مؤتمر جنيف فى إيجاد حل للأزمة فى سوريا. وجاء فى تقرير من إسطنبول لصحيفة نيويورك تايمز أن القيادة المركزية لتنظيم القاعدة اتخذت موقفا ضد تنظيم داعش الذى زادت سطوته فى ظل الفوضى الناتجة عن الحرب داخل سوريا، خاصة أن داعش قد أشعلت القتال فيما بين الجبهات المعارضة المسلحة وبين بعضها على أمل أن يتم إضعافهم وتصفيتهم ليخلو لها المجال فى سوريا، وآخرها قيام عضو من داعش بتفجير نفسه فى عمل انتحارى فى موقع تابع لتنظيم يطلق على نفسه اسم «الجبهة الجهادية»، مما أدى إلى مقتل 16 وإصابة 20 من أعضاء هذا التنظيم. وقد إنزعج تنظيم القاعدة من القتال من جانب داعش ضد جبهة النصرة، التى تعتبر منتمية تماما لتنظيم القاعدة، وقد وجه أيمن الظواهرى، زعيم تنظيم القاعدة، كما يقول تقرير نيويورك تايمز، رسالة إلى قيادة تنظيم داعش لكن قيادة داعش رفضت ما طلبه منها الظواهرى، ورد عليه أبو بكر البغدادى قائد داعش بأن قواته سوف تبقى فى سوريا، وكانت هذه أول مرة يتمرد فيها تنظيم مرتبط بالقاعدة على قيادته المركزية. وقد ذكرت تقارير أنهم كانوا يريدون توسيع اسم التنظيم إلى دولة الإسلام فى العراق والشام ومصر عن طريق تسلل أعضاء من تنظيمه إلى سيناء للاشتراك فى الأعمال الإرهابية هناك ضد الجيش المصرى. كما ترددت أنباء أخرى عن أن أبو بكر البغدادى زعيم داعش كان قد دفع رجاله الذين تسربوا إلى سيناء إلى محاولة إقناع بعض التنظيمات المتطرفة والتكفيرية فى سيناء إلى مبايعته كزعيم لهم حتى يطلق الاسم الجديد على تنظيمه شاملا مصر، مقابل تقديم تمويل بملايين الدولارات لهذه التنظيمات التكفيرية فى سيناء، ومازالت المفاوضات جارية. وقد أرجعت المخابرات الأمريكية ومحللون متخصصون فى قضايا مكافحة الإرهاب السبب الرئيسى لهذه الخلافات إلى أن داعش تحاول أن تستأثر بالمكاسب المالية الضخمة التى تحصل عليها من خلال رسوم تفرضها على التجارة داخل المناطق الخاضعة للمعارضة، بينما تعتمد جبهة النصرة فى التمويل على ما يصل إليها من القاعدة، وهى الأخرى كانت تطمع فى أن تستفيد ماليا من الرسوم التى تفرض داخل هذه المناطق. ويرى الخبراء أن التنظيمات المنتمية للقاعدة لم تعد كما كانت من قبل مرتبطة بقيادة مركزية، لكن ما يربطها هو التفكير الإيديولوجى المتشابه، حيث أن كل منها يطبق فى الدولة التى يتواجد بها ما يراه مناسبا لظروفه ومصلحته، من خلال السيطرة على المناطق التى يوجد فيها وفصلها عن الدولة ولإقامة تحالفات خارجية أخرى حتى ولو كانت معادية لدولته طالما تحقق لهم المصلحة. وقد ذكرت الإحصاءات أن توسيع دائرة الحرب داخل سوريا قد أدت إلى مقتل أكثر من 230 ألف سورى حتى الآن، وذكر موقع «جلوبال ريسيرش» الأمريكى أن بعض هذه التنظيمات التى تحمل اسماء إسلامية قد تلقت مساندة واشنطن لها بتصوير أعضائها على أنهم مقاتلون من أجل الحرية. هذه المعلومات وما كشفته من أحداث تؤكد ما أصبح معروفا من أن جميع المنظمات الإرهابية التى ترفع شعار الإسلام زورا وبهتانا تتحرك بتنسيق فيما بينها لتوسيع دائرة نشاطاتها الإرهابية فى كل المنطقة وإحداث فوضى شاملة فيها، من سوريا إلى العراق واليمن وليبيا ومصر، لكن كل منها لديه فى النهاية أطماع فى أن ينفرد بالسيطرة على هذه البلاد وتحقيق أقصى مكاسب له حتى ولو كان ذلك على حساب التنظيمات المتحالفة معها أو على حساب الدولة والشعب.