مثلما يسهل لك تكفير غيرك، لن يكون صعباً على من لا يكفيه المدى الذى بلغته فى التطرف أن يكَّفرك. وهذا هو ما يحدث الآن فى أوساط جماعات متطرفة اعتادت تكفير المجتمعات، ثم صار بعضها يكَّفر البعض الآخر. بدأت مقدمات ظاهرة تكفير المتطرفين بعضهم البعض مع تحويل تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين من فرع لتنظيم “القاعدة” إلى كيان مستقل يطمح إلى منافسة هذا التنظيم ويتحرك إقليميا بعد أن غير اسمه إلى “الدولة الإسلامية فى العراق والشام” أو “داعش”. فأهم معالم هذا التحول هو تبنى نزعة تكفيرية غريبة على تيار “السلفية الجهادية” الذى ظل فرع “القاعدة” فى العراق ملتزماً به منذ تأسيسه عام 2004 وحتى عام 2010. وكانت إرهاصات هذا التحول نحو الفكر التكفيرى قد بدأت فى الظهور منذ عام 2005 عندما توسع أبو مصعب الزرقاوى فى فرض عقوبات على من اعتُبروا خارجين على الشريعة فى المناطق التى سيطر عليها فى العراق. وكان فى ذلك التوسع ما يدل على بدايات تحول باتجاه تكفير المجتمع. وقد أصبح هذا الميل التكفيرى أكثر وضوحا وصار جزءاً من خطاب أتباع تنظيم “القاعدة” السابقين فى العراق، وخاصة بعد أن تصاعد الصراع بينهم وبين أتباع هذا التنظيم حالياً فى سوريا (جبهة النصرة), لأى إطار حرب تكفير امتدت لتشمل جماعات “جهادية” أخرى. ويحدث شىء قريب من ذلك فى مصر الآن ولكن على صعيد التخوين الذى انتشر فى الساحة السياسية والإعلامية فى الشهور الأخيرة. فقد احترف بعض من ينشطون سياسياً بلا سابق أعمال فى الغالب، وبعض من يعملون فى الإعلام، تخوين من تقلقه الموجة الغوغائية التى تمثل خطراً على العقل المصرى ومهاجمة من ينأى بنفسه عن الصف الذى يريد من يتلاعبون بشعار الوطنية أن يصطف الجميع فيه. فإذا لم تقف فى الطابور وتؤدى طقوساً سياسية معينة فأنت معرَّض للتخوين والاتهام بأنك “طابور خامس”. وكما يحدث بين التكفيريين فى أوساط جماعات متطرفة، بدأ بعض من احترفوا التخوين فى مصر يخوَّنون بعضهم البعض ويزايد الواحد منهم على الآخر. ولا غرابة فى ذلك. فالتخوين، مثله مثل التكفير، لا سقف له ولا نهاية لتجاوزاته التى تخَّرب العقل وتأخذ المجتمع إلى الوراء. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد