عاد ابناء القرم الى بيت العيلة بعد طول غياب.. بهذه الكلمات استهل الكثيرون من أبناء شبه جزيرة القرم تعليقاتهم على نتائج الاستفتاء الشعبى حول الانضمام الى روسيا، وسط حالة من الفرح المكتوم من جانب الاوساط الرسمية الروسية، والعارم المكشوف من جانب الغالبية الساحقة من أبناء القرم. صدح السلام الوطنى الروسى واضاءت الالعاب النارية كل ارجاء القرم احتفالا ببداية حقبة جديدة، فى وقت ثمة من يحذر فيه من مغبة مخططات لا تخفى على القاصى والداني!. ما يقرب من 96% من سكان القرم قالوا كلمتهم. تأكيدا لرغبتهم فى العودة الى «احضان الوطن»، واحقاقا لحق روسيا فى استعادة بعض من حقوقها التاريخية، «ولو كره الكارهون»، فيما كشف 40% من تتار القرم عن توجه مماثل برفضهم تعليمات مقاطعة الاستفتاء، وهم الذين يشكلون مع من قاطع، 12% من مجموع سكان القرم أى أقل من ربع مليون نسمة. لم يكن ثمة من يتوقع ان تسفر المواجهة التى لم تضع اوزارها بعد فى أوكرانيا وحولها، عن استفتاء تقضى نتائجه بضم 26 الف كيلومتر مربع الى الأراضى الروسية، فى توقيت مواكب لتسليم الاممالمتحدةلموسكو وثيقة تعترف بتبعية بحر اوخوتسك فى الشرق الاقصى الى روسيا والمعروف بموارده الهائلة من الثروة السمكية ومصادر الطاقة. إضافة «معتبرة» تشد من ازر الزعيم فلاديمير بوتين خلال ادارته للأزمة، وتزيد من صلابة مواقفه خلال مكالماته التليفونية مع نظرائه الغربيين ومنهم المستشارة انجيلا ميركل والرئيس الامريكى باراك اوباما. وقالت مصادر الكرملين ان الرئيس بوتين حاول من خلال هذه المكالمات التى جاءت بمبادرة من جانب نظرائه، اقناعهم بأن ما جرى ويجرى فى القرم يتسق مع القانون الدولى وميثاق الاممالمتحدة الذى ينص بنده الاول على حق الشعوب فى المساواة وتقرير المصير، فيما أعرب عن قلقه تجاه تصعيد الاوضاع فى جنوب وشرق اوكرانيا وعجز السلطات الجديدة فى كييف عن كبح جماح القوى المتطرفة. وفى اطار تأكيد حق روسيا فى القرم، حرصت وسائل الإعلام الروسية على استعراض مشاهد تاريخ شبه الجزيرة ومعها اوكرانيا التى قالت إنها لم تتمتع بوقار الدولة الا فى كنف الاتحاد السوفييتى بعد ان اجتاحت كل اراضيها جحافل القوات الهتلرية ابان سنوات الحرب العالمية الثانية. وكان ارسينى ياتسينيوك رئيس الحكومة الاوكرانية الجديدة، اعلن فى كييف ان اوكرانيا ستوقع على الوثيقة السياسية للشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبى فى 21 مارس الحالي، فيما طالب موسكو بحق بلاده فى نسبة 16.5% من التركة السوفيتية، متناسيا ان روسيا تعهدت بسداد كل ديون الاتحاد السوفيتى السابق مقابل أحقيتها فى كل ممتلكاته فى الخارج، فى الوقت الذى كانت تتواصل فيه الاحتجاجات والمظاهرات فى جنوب شرق اوكرانيا موطن اغلبية الزعماء السوفييت السابقين ومنهم نيكيتا خروشوف ونيكورى بودجورنى وليونيد بريجنيف، تطالب باستفتاءات لتغيير وضعيتها ومنها دونيتسك واوديسا وخاركوف. طالبت جماهير هذه المناطق بإقرار الفيدرالية اساسا لعلاقاتها مع كييف بما ينذر بالمزيد من التعقيدات والمخاوف من تطورات اكثر دموية، على وقع تصاعد تهديدات القوميين والراديكاليين المتطرفين. وفى سيمفروبول عاصمة القرم استهل السوفييت الاعلى (البرلمان) للجمهورية التى سبق واعلنت استقلالها صباح الامس بصياغة وثيقة طلب الانضمام الى روسيا، حملها وفد رفيع المستوى الى موسكو تأكيدا لما سبق وطرحوه خلال زيارات سابقة للعاصمة الروسية فى الأسبوع الماضى اعربوا خلالها عن رغبة سكان القرم فى العودة الى احضان الوطن. وهنا نتوقف لنقول بعدم تطابق ما يجرى فى القرم وما لحق باوكرانيا من خسائر لم يكن يتوقعها اكثر المتشائمين فيها، مع ما جرى فى عام 2008 حين اسفرت «مغامرة» الرئيس الجورجى ميخائيل ساكاشفيلى عن تقنين انفصال اوسيتيا الجنوبية وابخازيا اللتين اعلنتا استقلالهما وحظيتا باعتراف روسيا وعدد قليل من البلدان الاخرى. ولذا فإن عودة القرم الى روسيا فى استفتاء شعبى لابد وان تكون مقدمة لجولات طويلة من التجاذب السياسى القانونى حول مشروعية استقلالها عن كييف، من المتوقع ان تتخللها مساجلات طويلة حول مشروعية ضم الكثير من الاراضى التى ابتلعتها اوكرانيا منذ انضمامها الى الامبراطورية القيصرية فى عام 1654. لا أحد يتوقع ان يعود بوتين عن مواقفه من تأييد طلب القرم الانضمام الى روسيا.. ربما انطلاقا مما قاله جيورجى جوكوف قائد القوات السوفيتية ابان سنوات الحرب العالمية الثانية عندما داهمت جحافل الهتلرية مشارف موسكو، وباتت على مبعدة تزيد قليلا على عشرة كيلومترات من ابواب الكرملين: العدو على مشارف العاصمة ولا ملاذ للتراجع اكثر!. آنذاك انطلقت القوات السوفيتية لا تلوى على شىء، حتى بلغت قلب العاصمة برلين لتغرس العلم السوفييتى فوق قبة البوندستاج فى مايو 1945، مستبقة وصول من كانوا يسمون أنفسهم بالحلفاء ضد العدو الهتلري. وما اشبه الليلة بالبارحة! يدرك بوتين ان سقوط اوكرانيا فى براثن الناتو، ضياع لهيبة ووقار الوطن، وتهديد لمستقبل بلاده كدولة واحدة متعددة القوميات مترامية الاطراف.. وانهيار الاتحاد السوفييتى ليس ببعيد!