رغم مرور شهرين تقريبا على استقالة ميشال جوتوديا رئيس افريقيا الوسطى و زعيم جبهة سيلكا المتمردة من منصبه بعد الضغوط الدولية الهائلة عليه، والوضع على عكس المأمول يسير من سيىء الى أسوأ. بعد أن شهدت البلاد حملة انتقام واسعة شنتها ميليشيات الدفاع الذاتى المسيحية المعروفة باسم انتى بالاكا ضد المسلمين سواء المواطنون العاديون أو من يشتبه فى انضمامهم لجبهة سيلكا المتمردة التى ينتمى معظم افرادها للشمال المسلم ردا على التجاوزات التى ارتكبها هؤلاء على مدى عام كامل من حكمهم عانت خلاله البلاد ذات الاغلبية المسيحية أسوأ حملة نهب وتعذيب وقتل لمعارضى سليكا. الامر الذى جعل من الفوضى والاقتتال الداخلى بل وشبح الابادة الجماعية عنوانا عريضا للمرحلة الحالية التى تمر بها افريقيا الوسطى رغم كل الجهود الدولية المبذولة لمنع انزلاق هذه الدولة المصنفة باعتبارها واحدة من افقر الدول الافريقية لمأساة انسانية جديدة تضاف لسجل المآسى التى تعانى منها القارة الافريقية بين الحين والاخر. وقد شهدت الازمة خلال الفترة الماضية عدة تطورات تعد كلها مؤشرا سلبيا على المدى الذى وصل اليه الوضع، وكان آخرها القلق الذى ابدته الاممالمتحدة من الاحتمال القائم بتهريب صواريخ محمولة مضادة للطائرات من ليبيا الى افريقيا الوسطى، بعد أن ذكر تقرير لخبراء تابعين للامم المتحدة، أن المخاوف تتمثل فى أن تتمكن مجموعات ارهابية من امتلاك مثل هذه الاسلحة مما ينذر بأن الصراع سيستمر لمدة اطول مخلفا وراءه المزيد من الضحايا. هذا التهديد جاء متزامنا مع تعثر الجهود المبذولة لارسال مزيد من القوات الدولية للسيطرة على الوضع المتدهور، خاصة أن قوات حفظ السلام سواء التابعة للاتحاد الافريقى التى يبلغ قوامها 6 الاف جندى أو الفرنسية التى يبلغ قوامها الفى جندى لم تستطع حتى الان فرض الامن او منع العنف الطائفى بعد أن بلغت معدلاته نسبا مقلقة ووصلت لحد القتل والتمثيل بالجثث قبل حرقها، بل إن بعض هذه الجرائم ترتكب على مقربة من تلك القوات التى تقف احيانا عاجزة عن التدخل وتأتى فى أحيان اخرى متأخرة فيقتصر دورها على اطلاق الرصاص فى الهواء لتفريق المتجمعين. وكانت فرنسا قد دعت شركاءها الاوروبيين الى احترام تعهداتهم المتعلقة بتقديم مساعدات لتحسين الوضع فى العاصمة بانجى والمدن الاخرى، حيث ذكر وزيرا الدفاع والخارجية الفرنسيان فى بيان مشترك لهما أن الاتحاد الاوروبى لم يف بتعهداته فيما يتعلق بنشر قواته فى افريقيا الوسطى، بعد أن اعلن مطلع الشهر الماضى عن نيته نشر 600 جندى تحت قيادة فرنسا، حيث شدد البيان على ضرورة أن يواجه الاتحاد مسئولياته، محذرا من أن فشله فى ذلك سيعد انتكاسة لجهود فرنسا لمنع وقوع المزيد من الانتهاكات، خاصة أن هذه القوات كان منوطا بها القيام بعمليات عسكرية موسعة خارج العاصمة للمساعدة فى منع المجازر بين المسلمين والمسيحيين، بعد أن اتخذ النزاع السياسى فى البلاد طابعا دينيا، يتم فيه حاليا استهداف المسلمين بالقتل والترويع وحرق المساجد، الامر الذى دفع عشرات الالاف منهم للهروب الى البلدان المجاورة خلال الاشهر الماضية، وهو ما أكدته فاليرى اموس منسقة شئون الاغاثة فى الاممالمتحدة أخيرا، حيث ذكرت أن عدد المسلمين الباقين فى بانجى بعد حملة العنف التى شنتها الميليشيات المسيحية انخفض الى اقل من الف شخص من بين اكثر من 100 الف كانوا يعيشون هناك، محذرة من أن التركيبة السكانية فى افريقيا الوسطى تتغير، وأن عدد السكان المسلمين يتقلص حيث لم يعد هناك أى مواطنين مسلمين يعيشون فى مدن غرب افريقيا الوسطى بعد أن نزح هؤلاء شمالا، وهو ما يتطلب وجود قوات حفظ سلام تابعة للامم المتحدة على وجه السرعة وعدم الاكتفاء بفتح تحقيق أممى فى الانتهاكات التى تحدث. أما الرئيسة الانتقالية الحالية كاثرين سامبا بانزا فقد تعهدت من جانبها بأن تبذل جهدها كى تستعيد البلاد الامن والاستقرار خلال شهر واحد داعية الجيش لمساعدتها فى هذا الامر، ومحذرة كل من تورطوا فى ارتكاب جرائم او انتهاكات ومثيرى الفوضى والفتن بانهم سيتعرضون للمساءلة القانونية عاجلا او اجلا، وهو تعهد يبدو من وجهة نظر كثير من المراقبين صعب التنفيذ فى ظل الظروف القائمة ودليلهم على ذلك التقرير الذى سبق واصدرته الاممالمتحدة وجاء فيه ان حفظ الامن ومنع الاقتتال فى افريقيا الوسطى يتطلب قوة دولية لا يقل قوامها عن عشرة الاف جندى وهو ما لم يتم التوصل لقرار بشأنه حتى الان بسبب التكلفة المادية المتوقعة، الامر الذى يعنى أن الازمة فى تلك الدولة الافريقية المنكوبة ستظل قائمة الى حين دون وجود افق قريب للحل.