ليس صحيحا ما يردده بعض الكتاب من ذوى النزعة اليسارية عن العقاد حين يدعون انه لم يتجه الى الكتابة الدينية إلا طلبا للشهرة واستعادة المجد الضائع بعد فقدان الجماهير السياسية التى انصرفت عنه بعد خروجة من الوفد وان البديل المؤثر فى قلوب الجماهير هو الدين لذلك احتمى به ليضمن شهرته. وقد ثبت لى بالبحث فى نصوص العقاد الشعرية والنثرية على امتداد حياته ان هذه الدعوى لا تمت الى الحقيقة العلمية بأدنى صلة , فالشاغل الدينى عنده كان شاغلا وجدانيا فكريا عميق الجذور منذ بواكير نشأته الأدبية , أليس هو القائل فى دواوينه الشعرية الأولي: الدين باق ما جهلنا سره ولنبقين بسره جهالا وفى مناقشته لكتاب « على اطلال المذهب المادي» , التى نشرها سنة 1928 فى جريدة الأفكار يتحدث العقاد عن مسئولية التماس الهداية الى رحاب الايمان حديثا مفعما بالحماسة للإيمان والإنكار على الملحدين الذين يسميهم الأغرار , ويذهب فى هذا المقال الى ان مسئولية التماس الهداية ليست عبئا يكلف به المؤمنون وحدهم , ويعجب من هؤلاء الملحدين الاغرار الذين يريحون انفسهم من عناء البحث , ويطلبون من المؤمنين أن يثبتوا لهم وجود العالم الغيبى ويبرهنوا على وجود الله ,, ولا يعقل ان يصدر مثل هذا الموقف من كاتب لا تشغله قضية الدين , ولا تملأ عليه أقطار نفسه , ولا يمكن ان يكون قول انتهازى يستغل ميول الجماهير الدينية ليداعب مشاعرها , ويبقى فى مواضع الشهرة والذكر عندها وهو الذى طالما كان يهجو طلاب الشهرة فى شعره. لقد بلغت مؤلفات العقاد التى نشرها فى حياته زهاء مائة كتاب وعشرة وله عشرة دواوين شعرية أخرى عدا ما نشره ورثته بعد وفاته , وكان نصيب مؤلفاته الاسلامية منها اثنين واربعين كتابا , وقد تصدى العقاد فى هذه المؤلفات لفئات عديدة منهم الملاحدة والمتشككون والاشتراكيون والمستشرقون والاستعماريون والمتطرفون والمؤرخون والمترجمون للشخصيات التاريخية دون وضعها فى مواضعها ومنهم طلاب السلطة الذين يتخذون الدين مركبا لطموحهم ولذلك تألب عليه كل هؤلاء ولا يزالون يرسلون سهام نقدهم الى آثاره وإلى سيرته , وحسبك دليلا على عظمته ان يجتمع على حربه الشيوعيون والاخوان المسلمون معا فى حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ينطلق فى بحث مؤيد بقوة المنطق وجلاء العبارة وسلامة الاستشهاد وسعة الاطلاع على المذاهب الفلسفية القديمة والحديثة ومقارنات الاديان السماوية وغير السماوية ليبين فضل الاسلام وتميزه على سواه ومدى حاجة البشرية إلى قيادته الروحية فى العصر الحديث.. وفى المقالات التى كان ينشرها فى «منبر الإسلام» وفى «مجلة الأزهر» ثم جمعت تحت عنوان «ما يقال عن الاسلام» يناقش تباعا كتبا وبحوثا يؤلفها غربيون وشرقيون بلغاتهم الأجنبية فيعرض الكتاب او البحث عرضا موجزا وافيا ثم يثنى عليه بالنقد والتفنيد او التقدير والتأييد.. والعقاد يعرض الاسلام عرضا يكشف عن القوة الكامنة فيه وعن قدرته على التصدى لفلسفات العصر وايديولوجياته ببنائه العقدى والتشريعى والخلقى , فعن الديمقراطية كتب «الديمقراطية فى الاسلام» وهى ديمقراطية إنسانية لأنها تجردت من كل اعتبار عنصرى او طبقى ونظرت الى الانسان بما هو انسان فتجاوزت بذلك حوائل لم تستطع الديمقراطيات القديمة والحديثة ان تعبرها لتقيدها بالمصالح وخضوعها للأهواء . كان العقاد يؤمن بأثر العظماء فى حياة البشرية ويقدس العظمة والبطولة وكان يؤمن بالحرية الديمقراطية ومن اجلها سجن تسعة اشهر لتحديه استبداد الملك فؤاد فى تعديه على الدستور وكان ايمانه بحرية الفرد واستقلاله بالمسئولية متوافقا مع فهمه للاسلام ونحن لا نستطيع ان نفصل فكره الاسلامى عن الاوليات التى آمن بها فكل نتاجه الفكرى والأدبى بناء متكامل تظهر فيه خصائصه الشخصية وتتحقق الوحدة العضوية التى دعا اليها فى الفن الشعري. لمزيد من مقالات د. محمد فايد هيكل