علي مدي أكثر من خمس وأربعين عاما تواصل إذاعة البرنامج الموسيقي تقديم الموسيقي العالمية الكلاسيكية والتراث الغنائي العربي، وسط كل " الغثاء" الذي أغرق الاذان، وكأنها تقدم "عزفا منفردا" يتحدى كل النغمات النشاز المؤذية لأسماعنا. عازف الفيولينة ومغني الاوبرا محمد حمدي هو مدير عام إذاعة البرنامج الموسيقي منذ خمس سنوات. قبل تخرجه من الكونسرفتوار، حظى بفرصة السفر والعزف على أشهر المسارح الأوروبية بألمانيا وإيطاليا ويوجوسلافيا وفرنسا، وبعد حصوله على درجة البكالوريوس فى قسم الوتريات، أصبح عازفا بأوركسترا القاهره السيمفونى، كما اشترك بالغناء الأوبرالى في فرقة أوبرا القاهرة بعد حصوله على الماجستير من قسم الغناء الأوبرالى بالكونسيرفتوار . سألناه: لماذا تقتصر الاذاعة علي تقديم المؤلفات الكلاسيكية القديمة ولا تبحث عن المؤلفات الجديدة ، فنفى ذلك قائلا: رسالة البرنامج الموسيقى هي الحفاظ على التراث الموسيقي العالمي ،لكننا في الوقت ذاته نقدم المؤلفات الحديثة بشرط أن تكون قد كتبت بالشكل العالمى فى البناء الموسيقى، وهى القوالب الموسيقية المتفق عليها وذلك بالنسبة للموسيقى العالمية، حيث نقدم برنامجا بعنوان" الموسيقي المصرية المتطورة " ،نعرض من خلاله مقطوعات المؤلفين المصريين الذين درسوا الموسيقى الغربية،وألفوا على غرارها، ومنهم شريف محيي الدين، وراجح داوود، ورمز صبري، ومحمد سعد باشا وناير ناجي، وهو الان قائد اوركسترا اوبرا القاهرة، أما بالنسبة للموسيقى والأغنيات العربية، فنقوم بتقديم الأصوات الشابة عندما تؤدي الأغنيات القديمة وليس أغانيها، فما يقدم الآن من ألحان وأغنيات عربية فقد الكثير من المقومات اللازمة لاكتمال الشخصية العربية فى الموسيقى والغناء, واندثرت الآلات الشرقية مثل الناى والعود والقانون و لم يعد هناك استخدام لمعظم المقامات الموسيقية العربية , وكان الملحنون فى الماضى يدركون الدرجات الصوتية المتميزة عند كل مطرب أو مطربة قبل التلحين لهم , كما كانوا يحافظون على سلامة اللفظ العربى فى الغناء سواء الدارج او الفصحى . حمدي يعترف بأن نسبة الاستماع للبرنامج الموسيقي قليلة ،وقال" لا نملك أرقاما لكننا نعرف انها نسبة ضئيلة، وهذا ليس أمرا جديدا او مستغربا، فالمهتمون بالنواحي الثقافية الموسيقية من الطبيعي أن يكونوا قلة ليس فقط في مصر، بل على مستوى العالم،فالإذاعات الأوروبية المتخصصة فى الموسيقى العالمية لا نجد لديها قاعدة جماهيرية، إلا أنها تملك نخبة من المستمعين المثقفين الذين يدركون رسالتها ، وعندما تستمعين إلى إذاعة البرنامج الموسيقى لا تستطيعين التمييز بينها وبين تلك الإذاعات إلا عند تقديم فقرات الموسيقى العربية أو عندما تستمعين إلينا متحدثين باللغة ، ومايهمنا أن من يستمع إلينا يدرك الرسالة الثقافية التى نقدمها ، وبالمناسبة فإن اذاعتنا تحظى بإعجاب كبار مثقفى وفنانى مصر، وهو ما تظهره استطلاعات الرأى التى يتم إجراؤها من حين لآخر عن طريق الاتصالات الهاتفية التى تتم معهم على الهواء مباشرة، وأعتبر أن البرنامج الموسيقى هو دار الاوبرا المجانية لشعب مصر . سألناه: لماذا لا تعتني الاذاعة بالثقافة الموسيقية، خاصة أنها تتوجه للجمهور العام فقال : اذا كنت تقصدين المنهج التعليمى فتلك ليست مهمتنا، وإنما نقوم بتقديم برامج متخصصة فى الموسيقى والغناء ، ومبدأنا أننا "محطة عرض" و عدم الاكثار من الكلام ،وبالمناسبة فإن البرنامج الثقافي يقوم بالقعل بمهمة التثقيف الموسيقي. لكن من يختار ما يقدم من مقطوعات وعلي أي أساس يتم الاختيار؟ يجيب مدير الاذاعة الذي كان من جمهورها وطالما تمنى الانضمام لفريقها: كلنا دارسو موسيقى متخصصون، وبالطبع لا نختار وفقا لاذواقنا الخاصة ،بل نقوم بتقديم الموسيقي المؤلفة علي مدى العصور المختلفة كعصر النهضة والباروك وما تلاهما، وبالقوالب المتنوعة كالسوناتا والكونشيرتو والسيمفونية والقصيد السيمفوني، ومن خلال الاوركسترات العالمية مثل لندن وباريس وموسكو، والاوركسترات المحلية مثل القاهرة السيمفوني وكونسرفتوار القاهرة، ولدينا نخبة متخصصة من المعدين، فبالنسبة للموسيقى العالمية فيقوم بإعداد فقراتها الزميل محمد مصطفى ، أما الفقرات التي تخص المؤلفين المصريين الذين قاموا بالتأليف على النهج العالمى، فيقوم بإعدادها الزميل معتز محيى الدين ، و بالنسبة للموسيقى العربية يقوم بإعداد فقراتها الزميلان حسين لاشين وماجده النماس ، إلى جانب فقرة الموسوعة الموسيقية التى تقوم بإعدادها الزميلة أمل زاهر ،وفقرة الموسيقى الشعبية للزميلة وفاء عثمان ، وهناك أيضا الفقرة الأسبوعية " نصف ساعة مع النغم" تقوم بإعدادها الزميلة إيمان محمود ، وبرنامج إبداعات شرقية إعداد وتقديم الزميلة نهلة أحمد. قلت له : لكن من يواظب على الاستماع للاذاعة سيكتشف تكرار المقطوعات نفسها، وهو أمر ملحوظ خاصة في بند الموسيقى الخفيفة، فأجاب: المقصود بالموسيقى الخفيفة هى الموسيقى التى ليس بها تباين شديد فى الانفعالات كالموسيقى العالمية، فهى موسيقى هادئة نسبيا تناسب الفترة الليلية, وأتفق معك بأن هناك بعض مقطوعات الموسيقى الخفيفة تتكرر، وذلك لأن بعض الشرائط الخاصة بها تراجعت جودتها، و نعمل على تحديثها، بنقلها على اسطوانات مدمجة، إلى جانب اقتناء مجموعه جديده للإذاعة. لكن مع كل ما سرده مدير الاذاعة حول توجههم باذاعة الموسيقى رفيعة المستوى، سألناه : كيف تفسر تقديم إذاعتكم لفقرات المنوعات الغنائية الغربية التى لا تتناسب وطبيعة المحطة ؟ فقال: نخصص بالفعل ثلاث ساعات على مدى اليوم للمنوعات الغنائية الغربية، ومنها القديم والحديث، ونعتبر تقديم هذه الفقرات "طعما" لاجتذاب فئة الشباب، لمواصلة الاستماع الى باقى الفقرات . في ختام حديثه، وعد مدير البرنامج الموسيقي بمطالبة الادارة في الفترة المقبلة بانشاء ايميل الكتروني لاستقبال رسائل المستمعين واقتراحاتهم، بهدف تحقيق قدر اكبر من التواصل مع الجمهور الى جانب الاتصال الهاتفي.