كان الفن، وسيظل، أحد أهم مقومات تقدم أى دولة تملك الإرادة للانطلاق إلى المستقبل واللحاق بالدول التى سبقتها. وكانت حرية الفن والفنان، وستبقى، أحد أهم مكونات الدولة الحديثة التى تعرف طريقها إلى التقدم. ومن نافلة القول أيضاً أن الفن وحريته يعتبران ركيزتين أساسيتين لما نسميه الدولة المدنية التى نص عليها الدستور الجديد دون أن نجد لها أثراً فى الواقع حتى اليوم. فلم يختلف شىء فى مصر على صعيد طبيعة الدولة بعد نحو شهرين على إقرار الدستور الذى يؤكد أنها مدنية، بما فى ذلك القيود التى يصر البعض على فرضها على الفن لأسباب يقولون بأنها دينية. فمازال التدخل لتحديد ما يصح أن يتناوله الفن وما يُحظر عليه الاقتراب منه مستمراً باسم الدين أو من خلال مؤسسات دينية. ولذلك يتعرض الفيلم السنيمائى العالمى يستلهم قصة سيدنا نوح لحملة تهدف إلى منع عرضه فى مصر.. وتستند هذه الحملة إلى أسباب يُقال إنها دينية، ولكنها فى حقيقتها تعبر عن ذهنية مغلقة متحجرة تعتبر الفن فى مجمله شراً ينبغى تجنبه قدر الإمكان. ويرتبط هذا الموقف ضد الفن بعدم إدراك رسالته، وربما أيضاً بعدم فهم معناه. ولذلك لا يعى رافضو عرض فيلم «نوح» أنه لا يجَّسد قصة النبى التى تعتبر إحدى ركائز مفهوم الإيمان فى الأديان السماوية كلها، بل لدى بعض العقائد الأرضية أيضاً. فالفن لا يقدم صورة للحياة كما هى، بل يستلهمها فى إطار عمل درامى يطرح فى كثير من الأحيان رؤية معينة لقصة من قصص هذه الحياة أو فصلا من فصولها. وعندما يتم استلهام قصة أسهمت فى إرساء مفهوم الإيمان بطريقة تبعث على التفكير والتأمل والبحث، نكون إزاء عمل يسهم فى تحقيق الربط المفقود حتى الآن فى مصر بين العقل والدين. وكان هذا الربط هو أهم ما حققه تحرير الفن وانطلاقه فى عصر النهضة الأوروبية . ولا سبيل إلى بناء دولة حديثة عصرية قادرة على تحقيق التقدم، وبالتالى مدنية وفق الدستور المعطل الآن، دون إعادة بناء العلاقة بين العقل المغيَّب والدين الذى يصبح فى غياب هذا العقل نصاً قابلاً لتأويله على غير أصوله وصحيح قواعده.وليتنا نعى أننا لن نكسب المعركة ضد التطرف و الإرهاب دون عقل يسهم فى اطلاقه فن متحرر من القيود. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد