فى الماضى كان مسئولو الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية واليابان يدّعون ويصدقهم الجميع إنهم يقررون جدول الأعمال الدولي، وجاءت كارثة أزمة 2008 الاقتصادية بمشاكل بلا حدود لا يمكن حلها دون عون من الصين والهند وروسيا والسعودية وقوى صاعدة أخرى، والآن بعد زيادة العدد لم تسفر نتائج ذات قيمة، وليس فى ذلك ما يدعو للدهشة، فمن الصعب بناء اتفاق بين 20 مفاوضًا، فهو أكثر صعوبة من بناء اتفاق بين عدد أقل كما كان الحال فى الماضي؛ بالإضافة إلى أن المجموعة الحالية لا تشترك فى افتراضات أساسية حول الدور الصحيح للدولة فى الاقتصاد أو حول قيمة حكم القانون والشفافية وحريات التعبير والاجتماع والتنظيم السياسي، فالقيم المتباينة توجد مصالح متضاربة. وطوال المستقبل المنظور ستبقى الولاياتالمتحدة أقوى دولة وأكثرها تأثيرا، وهى مشغولة الآن بمعارك حول الديون والميزانيات والهجرة إليها وأفضل الطرق لايجاد وظائف وبالإصلاح. كما أن الزعماء الأوروبيين مشغولون بتجارب لدعم هيكل منطقة اليورو، واليابان منشغلة بتجارب إيقاظ اقتصادها الذى كان ديناميا. كما أن قوى مثل الصين والهند والبرازيل مشغولة بإدارة آثار البطء النسبى المفاجئ فى النمو الاقتصادى ومشغولة أيضًا بخطط التطور الداخلى ذات النتائج العالمية. النتيجة الآن هى غياب القيادة العولمية، وهوغياب استفحل مع بروز مشاكل عابرة للقوميات. انتفاضات فى الشرق الأوسط ونزاعات كثيفة على الحدود فى آسيا وفقر التدفقات المالية عبر الجدود يزداد استفحالا. ويبدو العالم فى أشد الحاجة إلى قادة دول يسيطرون على سلطة وثروة للمحافظة على السلام ولإقناع حكومات أخرى أن تقوم بأفعال لم تكن لتتخذها بمفردها، وتمويل مشروعات لا يتحملها آخرون. وتوجد أقطار كثيرة تبلغ الآن من القوة ما يمكنها من عرقلة الحركة العامة للعالم. ولكن لا توجد أقطار تريد وتستطيع إحداث تغيير إيجابى دائم لصالح الجميع. فالعالم اليوم أكثر تقلبًا وأكثر ميلاً إلى الشقاق والعنف بسبب الفراغ النسبى الممتد للقيادة العولمية. فهناك صراعات حول قواعد التجارة والاستثمار وصدام بين نمطين من الرأسمالية، النمط الذى تحركه الدولة، والنمط الذى تحركه السوق الحرة، وهى صراعات تولد احتكاكات بين الصينوالولاياتالمتحدة. وترجع أهمية المسألة إلى أنه فى السنوات القادمة لن توجد روابط أكثر أهمية للسلام والرخاء العالميين من الروابط التى تربط الصينوالولاياتالمتحدة. ولن توجد قضية أكثر تأثيرًا من سوء العلاقات بينهما. وبالإضافة إلى ذلك فإن مخاطر المواجهة فى آسيا ازدادت بين الصين واليابان وهما ثانى وثالث أكبر اقتصادين فى العالم. كما ازدادت المواجهة بين الصين وعدة أقطار من جنوب شرق آسيا. وفى الشرق الأوسط تجر الحرب الأهلية فى سوريا تدخلات من تركيا وروسيا وإيران وقطر والولاياتالمتحدة. كما أجج الطفح من سوريا نيران العنف الطائفى فى العراق. وهناك تغير فى قطاع الطاقة الأمريكى فقد انخفضت واردات النفط الأمريكية من منتجى أوبك بأكثر من الخمس فى ثلاث سنوات، وانخفضت أسعار الغاز بمقدار الربع داخل الولاياتالمتحدة فى خمس سنوات. ويبدو عالم اليوم بلا حدود، ولم يعد المبدأ الموجه للعلاقات بين الدول احترام السيادة القومية، فالمجتمع الدولى له الحق فى التدخل إذا اعتدى بلد على بلد آخر، وتزعم الولاياتالمتحدة أن لها الحق فى التدخل باسم المجتمع الدولى سواء وافقت بلاد أخرى أو لم توافق، فقدرتها العسكرية الفائقة مقرونة بادعاء المشروعية الشكلية مما يمنحها السلطة الأخلاقية، وهذا الشرطى العالمى يستعمل قوته أحيانًا لتنفيذ مصالحه الخاصة وحدها قبل الحفاظ على النظام العولمي، لذلك فإن هذا العالم يمكن أن تتحد أجزاء منه ذات يوم ضد هذا المسيطر شديد القوة، وذلك تغير يشبه الزلزال فى العالم، ولكنه لن يكرر كوارث الحربين العالميتين اللتين كانتا معلنتين بواسطة أعداء محددين فى تاريخين دقيقين 4 أغسطس 1914 و3 سبتمبر 1939؛ على العكس من الحرب الباردة العالمية الثالثة . ويؤدى التصعيد الخطير فى النشاط الإرهابى إلى وضع المجتمعات عمومًا وخصوصًا الغربية تحت تهديد دائم، ويتطلب إجراءات مضادة حاسمة قد تعمل على انتقاص الحريات الأساسية وتزيد من الكراهية المرضية ضد المسلمين، وزيادة حدة المواجهة العربية الإسرائيلية أو العربية الغربية عامة. لمزيد من مقالات ابراهيم فتحى