«الشعب يريد»... شعار أطلقته الثورة التونسية، ووجد فيه شباب ميدان التحرير الثائر تعبيرا لحالته ومعاناته، وربما أيضا تلخيصاً للموقف .. فهم لم يكونوا فى الميدان للثورة من أجل مطالب تخصهم، أو تخص طبقة اجتماعية معينة، أو شريحة عمرية، لكنهم كانوا فى الميدان كتعبير عن إرادة شعب بجميع أطيافه واتجاهاته 00 الفكر السياسي التقليدى دأب، في تحليله للثورات، على البحث عن طابع طبقى محدد لها، فعلى سبيل المثال كانت الثورة الفرنسية هى ثورة البرجوازية، والثورة الروسية هى ثورة البروليتاريا. ولكن وجهات النظر المتعددة عن الثورة المصرية والتى كتبها مصريون أو عرب أو أجانب، لم تتطرق إلى تحديد الطابع الطبقى لهذه الثورة، وهذا هو الأمر الجديد اللافت للنظر هنا . على سبيل المثال وصف الفيلسوف الفرنسى الكبير آلان باديو الثورة المصرية بأنها اتخذت مكانا يعد عنواناً او رمزاً لها، هو ميدان التحرير.. والثائرون شباب وشيوخ.. عمال وفلاحون.. بنات وصبيان.. ربات بيوت وعاملات.. مسلمون ومسيحيون .. كانوا جميعا معاً ، كانوا فى الميدان، وكان للثورة شعارها : « الشعب يريد.. » . هل يعد هذا الأمر علامة على دخولنا عصرا جديدا من ثورات ذات طبيعة مختلفة عن الثورات التى عرفتها المجتمعات البشرية فيما سبق ؟ هل نحن بصدد «ثورات الشعوب»، أو فى قول آخر «ثورات المواطنة» ؟ ربما هناك ما يدعم هذا الاعتقاد، وهو انتقال ثورات الربيع العربى إلى أرجاء العالم، وكأنها عدوى (!) فى أسبانيا، وأُوكرانيا وتركيا وسياتل بأمريكا وغيرها000 واللافت للنظر هنا، أن هذه الثورات لا يقف خلفها تنظيم سياسى معين، كما أنها ليس لديها توجه أيديولوجى محدد، ليبرالى او اشتراكى ، و ليس من أهدافها أيضاً القفز على السلطة وانتزاعها، كما كان الحال فى الثورات الماضية .. إنها ثورات تميل إلى تحقيق أهدافها، عن طريق وسيلتى الضغط والمطالبة .. وتلك صيغة جديدة من وسائل انتزاع الحقوق 00 وربما لذلك، تحديداً، يأخذ البعض على هذه الثورات، أنها تطيل أمد الفوضى، وهذا صحيح.. لكنها من جانب آخر، ولهذا السبب على وجه الخصوص، تعد مدرسة حية للشعب، يكتسب فيها وعياً سياسياً بحقوقه ويمارس أساليب جديدة فى النضال، بل يبتكر أيضاً صيغاً جديدة فى المشاركة السياسية 00 وهذه الثورات الجديدة ذات بعد أممى ، فعلى أثرها نشأت جسور بين حركات الشعوب، فى الجنوب والشمال .. إذ أصبح هناك أشكال من التأييد والتضامن بين شعوب العالم ... فالشعوب تقف معاً مساندة لثورات بعضها البعض متجاوزة مواقف الحكومات والنظم السياسية. ويأتى السؤال المهم : ما الوضع السياسى الجديد الذى ستسفر عنه هذه الثورات ؟ يصعب التكهن هنا بالإجابة، لأنها ثورات ما زالت فى طور التكوين 00 ثورات ما زالت مستمرة 00 و لكن مما لا شك فيه أن تصميم الشعوب على انتزاع حقوقها فى الحياة الإنسانية الكريمة أصبح مسألة مبدأ لا يقبل المساومة.