بدا توزير الدكتور صابر عرب للمرة الرابعة لوزارة الثقافة فى التشكيل الحكومى الجديد، تمثيلا لحالة قديمة بامتياز، والأدهى أيضا حضور أسماء أخرى من داخل هيئات الوزارة معروفة بعدم نزاهتها الثقافية، وتكتل شبكات المصالح خلفها، تمثيلات الحقيقة، تحول إلى مرتزق باحث دوما عن أمانيه الانتهازية الخاصة. وربما كشفت الحوادث السابقة عن حاجتنا لفهم جديد لمعنى الثقافة أولا، ولدور وزارتها ثانيا، ومن هنا يبرز التساؤل الأهم: هل وزارة الثقافة وزارة لتثقيف الناس، أم وزارة لمجموعة من المثقفين؟ وهو التساؤل اللافت والذى تمثل إجابته الخطوة الأولى من خطوات البناء لمشروع ثقافى تقدمى وطنى الملامح والهوى، فلا معنى لوزارة الثقافة دون أن توجد مناخا تنويريا بحق، وسياقا جديدا من تحرير الوعى المصرى من جميع الأغلال والقيود التى تكبله. لقد وقفت الثقافة الرسمية - ولا تزال- موقف المتفرج تجاه الهجمة الشرسة على الهوية الوطنية، ولم تحرك ساكنا فى مواجهة المد الرجعى والمتطرف، وبدا غالبية مسئوليها غير معنيين بما يحدث. كما يجب الخروج من حيز الثقافة الكرنفالية استهلاكية الطابع، والتعاطى مع اللحظة من منطق أكثر جدية وبما يليق بثورتين مجيديتن وأن تدرك وزارة الثقافة أنها بالأساس وزارة لتحرير وعى المصريين، وتشكيل العقل العام فى ظل فضاء إنسانى رحب ومتشابك فى آن، وتلعب الهيئات الثقافية المختلفة دورا حقيقيا لا مزيفا نستعيد من خلاله القوة الناعمة المصرية. وبما يعنى حتمية الخلاص من شبكات الفساد الثقافى التى استباحت وزارة الثقافة وتعاطت معها بوصفها غنيمة متجددة، وبما أفضى إلى إفساد معنى الثفافة وعزلها عن محيطها الاجتماعي. يجب أن تصبح الثقافة الشريك الفاعل فى إنتاج الوجدان الجمعى المصري، وصوغه على نحو جديد، إبن لتاريخه وللحظته الراهنة فى آن، وموصول بسياقه المحلي، وفضائه الإنسانى معا. كما يجب على الثقافة الرسمية أن تتخلص من الصيغة المشبوهة، لذلك التحالف القذر بين الفساد والرجعية والتى تملأ جنبات الوزارة، والتى أطلت عليها منذ أربعين عاما تقريبا، بدءا من كارثة الانفتاح الاقتصادي، وتأثيرها على جميع مناحى الحياة المصرية، وبدايات ما يمكن أن يسمى ب «تسليع الثقافة» وصبغها بطابع استهلاكى زاد فيما بعد كثيرا وتحديدا فى أواسط التسعينيات من القرن المنصرم، ولا نغفل تأثيرات الظرف العالمي، ومحاولة صوغ العالم وفق هوى أمريكى خالص، يتم فيه تنميط الثقافة فى العالم، وصبغها بطابع وحيد، بدلا من ان تتجادل الثقافات فيما بينها وتتجاور. يجب إعادة الاعتبار للثقافات الفرعية، الثقافة النوبية، والثقافة البدوية مثلا، لكن فى إطار وحدة الثقافة الوطنية المصرية، ودوما هناك جدل بين ما يعرف ب «الثقافات الفرعية» و«الثقافة الأم» وبما يصب فى المجرى العام للثقافة المصرية . كما يجب على الثقافة أن تعلى من قيمة النفس الطليعى الجديد فى الأمة وبما يعنى انفتاح الفضاء المصرى أمام نخب جديدة بنت أوانها وناسها، تؤمن بالجماهير أكثر مما تؤمن بالسلطة، وتدرك معنى الوطن أكثر من أى شيء آخر. إن الثورة المصرية فى 25 يناير، وفى 30 يونيو سعت للتأسيس لعالم حداثى بامتياز، رافضا الاستبداد السياسى تارة، ورافضا الاستبداد السياسي/ الدينى تارة أخرى، وبما يعنى أن مشروع الثقافة يجب أن يكون مشروع الثورة ذاتها، بدءا من الحرية ووصولا إلى الاستقلال الوطنى النابع من تصور يخصنا عن العالم، بما يعنى حتمية السعى للإسهام الفاعل فى منجز الفكر الإنسانى بكل تنويعاته. وانحيازا إلى الطبقات المهمشة والبسطاء والمقموعين سعيا لتبصيرهم. يبدو غياب المشروع الثقافى جزءا من غياب العقل العام، وتعبيرا عن تآكل النخب بفعل التجريف العمدى للحياة طيلة الفترة الماضية، وبما يعنى حتمية التعاطى مع الثقافة من منظور جديد لا يراها ترفا، ولا ارتزاقا، ولا محض عابر سبيل، بل ضرورة إنسانية، وروحية، ووطنية فى لحظة مفصلية وفارقة من عمر الأمة المصرية. لمزيد من مقالات د.يسرى عبد الله