لم يعد الذهاب إلى لجنة الفتوى بدار الإفتاء ومشيخة الأزهر هو الطريق الوحيد الذى يسلكه الباحثون عن رأى الدين. وتعددت برامج الفتوى فى الفضائيات حتى تحولت من مجرد برامج خدمية للمشاهدين إلى وسيلة للتربح وتحقيق المكاسب المادية. وخصصت الفضائيات خطوطا تليفونية للمشاهدين بمقابل مادى قد يصل إلى 50 جنيها للمكالمة الواحدة. علماء الدين يحذرون من شيوع تلك الظاهرة التى حولت الدين إلى تجارة، ويطالبون المشاهدين بالذهاب إلى المؤسسات الدينية والجهات المعنية بأمور الإفتاء فى أمور الدين. ويؤكدون أن الإفتاء بمقابل مادى واستغلال حاجة الناس هو أكل لأموال الناس بالباطل . ويقول الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، عميد كلية أصول الدين بأسيوط، إن ما يحدث من بعض الفضائيات بأن يفتحوا خطوطهم لبعض البسطاء ليتصلوا للاستفسار عن بعض الأمور الدينية ويجد الإنسان نفسه أمام خط مشغول ثم بعد فترة يرد عليه بعض الناس للإجابة عن سؤاله هذا فى رأيى من أكل أموال الناس بالباطل، ولا يقل ضررا عن القنوات الأخرى التى تجرى مسابقة وتدخل الإنسان من سؤال إلى سؤال حتى يعطوا الناس جائزة على هذه الأشياء هى أكل أموال الناس بالباطل ويجب على الدولة أن تتصدى لهؤلاء الناس حفاظا على أموال البسطاء من الناس هذا وهناك واجب آخر على السائل وهو يسأل إنسانا فى فضائيات لا يعلم عنه شيئا ولا ماهية درجاته العلمية، وأمام كل شخص فى مصر يسكن فى القاهرة أن يتقدم بأسئلته واستفساراته إلى دار الإفتاء ولجنة الإفتاء بالأزهر الشريف وأما بالنسبة إلى سكان المحافظات فأمامهم مكان شرعى لدار الإفتاء المصرية وفى كل مسجد من مساجد المسلمين أئمة فضلاء فليذهب إلى احدهم ويأخذ الإجابة منه دون أن يكلفه شيئا من المال كما يستطيع ان يسأل أى عالم من علماء جامعة الأزهر وسيأخذ الفتوى مجانا دون أن يكلفه ذلك شيئا وهذا هو ما نطمئن إليه. ونحذر أولئك الناس الذين يتاجرون بأموال الناس فى إعلانات المسابقات وفى الفتاوى الدينية باستدراج الناس وإطالة المكالمات عليهم بأنهم يسلكون مسلكا لا يرضى عنه الله ورسوله وزكاة العلم أن يعطى الإنسان الفتوى للناس دون أن يأخذ على ذلك أجرا وهذا طبعا بخلاف من كانت وظيفته فى الدولة الإفتاء فمفتى الجمهورية ومن حوله من الإخوة الفضلاء وأعضاء اللجان الفرعية على مستوى الجمهورية فهؤلاء يأخذون أجرا من الدولة وليس من الناس وهم كأئمة المساجد والوعاظ والمدرسين وما إلى ذلك حتى لا يختلط الحابل بالنابل . خروج الفتاوى عن مقاصدها الشرعية ويقول الدكتور سعيد عامر، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، أنه يجب على الناس التوجه بفتاواهم الى الهيئات المختصة كلجنة الفتوى بالأزهر ودار الإفتاء المصرية ومجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء، وإذا اقتضى الحال أن يكون هناك خط تليفونى للإفتاء ممن هو متخصص فى دراسته ومتخرج فى الأزهر واضطر الناس اضطرارا بالغا للاتصال به بهذا الثمن الغالى فللضرورة أحكام فالأمر على ذلك حكمه الجواز ويجوز للمفتى تقاضى المقابل ما دام فى الأمر منفعة للناس لكن هذه تكون عند الضرورة، والأفضل والأكمل للقائمين على تلك البرامج أن ييسروا على الناس حتى لا يكلفوهم فوق طاقتهم . ويؤكد الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الإفتاء هو واجب المفتى المؤهل المتخصص لان القرآن الكريم واضح فى ذلك قال الله تعالى:” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”، لكن الإفتاء اختلف عما كان عليه فى العصر الإسلامى الأول، وتتم عملية الإفتاء الآن فى كثير من الأحيان من خلال وسائل الإعلام وغيرها وهذا الإفتاء إذا ما حدث وكانت بطريقة لا تستهدف الربح وإنما فى إطار عمل مقابل أجر فلا مانع منه ما دام انه لم يندرج ضمن الأعمال التجارية أى انه يكون هناك أشخاص غير مؤهلين للفتوى يجعلون من الفتوى مهنة وهم غير مؤهلين وغير مختصين بإصدار هذه الفتاوى، وكذلك بشرط ألا تؤثر على موضوعية الحكم الشرعى ويجعل من الإفتاء وسيله لإرضاء مطامع بعض المستفتين وانحراف الفتوى عن مقاصدها الشرعية، ولا يجوز أيضا أن يعد الإفتاء وسيلة للحصول على أرباح أو التكسب من وراء هذه الفتاوى فإن توجيه الفتاوى لمثل هذه الأمور التى تشوبها عدم المشروعية يجعل من الفتوى سلعة وليست بيانا لحكم الشريعة الغراء التى يبتغى فيها المفتى والمستفتى إرضاء وجه الله تعالى وتقديم الحكم الشرعى الذى يجعل المسلم يوجه حياته وفق صحيح الدين والشرع. ومن المهم أن يعلم أصحاب القنوات القضائية أن تقديم الفتوى أو العمل الدعوى هو أمر يقصد به فى المقام الأول تبليغ الحكم الشرعى عن الله سبحانه وتعالى وهذا يستلزم ثقة الاختيار فيمن يقدم هذه الفتاوى وان تتاح بقدر الإمكان الفرصة وان تقلل بقدر الإمكان تقديم الفتاوى على الهواء مباشرة إلا من هم على دراية وتمرس بالفتوى. ويرى الدكتور مبروك عطيه الاستاذ بجامعة الأزهر أنه ليس من الشرع ولا من المعقول ان يتقاضى العالم اجرا نظير فتوى وفى ذلك عسر عنيف اما اذا دعى العالم الى محاضرة او الى تعليم الناس فى وقت طويل فلا مانع من تقاضيه اجرا نظير ذلك وهذا لا خلاف فيه بين العلماء لأن ما يتقاضاه هو نظير ما يقدمه من عمل مثل الطبيب او صاحب العمل او كل من يقدم صنعه يستحق عليه من الاجر ما يبلغه حياته وما وراءه من نفقات ومسئوليات واخص بذلك من لا حرفة له يتكسب منها غير هذا كقارئ القرآن الذى يستدعيه الناس فى مناسباتهم وهم يدفعون له اجرا نظير عمله وللأسف يظن الكثير من الناس ان هذا لا يجوز والعالم الذى يستدعى من اجل القاء درس أو محاضرة اذا سألهم اجرا يظنون انه يتاجر فى الدين ومن يأتيهم مجانا هو رجل مبارك وهذا من الدجل لا من العلم وقال تعالى فى كتابه “قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) وقال موسى عليه السلام : للرجل الصالح حين أقام الجدار «لو شئت لاتخذت عليه أجرا» وفى متن المغنى لابن قدامه يقول رحمه الله وإذا وجد مؤذنان احدهما جميل الصوت ويطلب أجرا على الاذان والأخر ليس جميل الصوت ويريد ان يؤذن بالمجان فاخترنا جميل الصوت مع الأجر لأنه يحبب الناس فى الصلاة لكن ان يقابله انسان او يقصده فى بيان حكم شرعى فيسأله اجرا على ذلك فهذا لا كرامه فيه ولا مروءة ولا فضل ولا دين له.