التطور العاصف للاحداث فى اوكرانيا تؤكد الحقيقة التى لا يريد «الغرب» الاعتراف بها، وهى ان لا حل لاى من مشكلات الفضاء السوفييتى السابق ومنها الازمة الاوكرانية، بدون روسيا. ولعل ما اتخذه الرئيس فلاديمير بوتين من خطوات يقول بان موسكو نفضت عن كاهلها رداء الصمت والتردد، وباتت اقرب من ذى قبل الى اتخاذ خطوات عملية لتامين مواطنيها فى اوكرانيا، والحد من «شطط» الغرب ومحاولات تقنين هيمنته فى «الفناء الخلفي» للدولة الروسية والتى طالما حملت تاريخيا اسم «روسيا الصغرى» (مالايا روس)!، وانقاذها من مصير قد يكون مشابها لما سبق وواجهته يوغوسلافيا. بعد اعلانه المناورات العسكرية المفاجئة فى المناطق المتاخمة للحدود مع اوكرانيا وبلدان شرق اوروبا، فاجأ الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الاوساط المحلية والعالمية بطلب الاذن من مجلس الاتحاد (المجلس الاعلى للبرلمان) بتدخل القوات المسلحة الروسية فى اوكرانيا «نظرا للظروف الطارئة فى أوكرانيا وتهديد حياة مواطنى روسيا الاتحادية وأفراد مجموعة القوات المسلحة الروسية الموجودة،فى أراضى أوكرانيا». وكان مجلس الاتحاد قد اعلن استجابته لطلب بوتين، فيما طالبه باستدعاء السفير الروسى فى الولاياتالمتحدة احتجاجا على ما جاء فى خطاب الرئيس الامريكى اول امس حول ان روسيا لا بد وان تدفع ثمن تصرفاتها وتلميحاته حول احتمالات مقاطعة قمة الثمانى الكبار التى سوف تستضيفها روسيا فى سوتشى فى يونيو المقبل»، وهو ما اعتبره المجلس اهانة لشعوب روسيا. وفى الوقت الذى راح فيه الكثيرون ينتظرون الدفع بالقوات الروسية، قال جريجورى كاراسين نائب وزير الخارجية المسئول عن ملف العلاقات مع بلدان الكومنولث، ان طلب الرئيس بوتين لا يعنى سوى الحصول على الاذن، ولا يعنى بالضرورة الدفع بالقوات الى اراضى اوكرانيا. ومن جانبها اعلنت فالنتينا ماتفيينكو رئيسة مجلس الاتحاد ان قرار السماح باستخدام القوات الروسية الموجودة فى الاراضى الاوكرانية (شبه جزيرة القرم) لا يستهدف سوى فرض الاستقرار السياسى والاجتماعى ويوفر للرئيس الغطاء القانونى المناسب للدفاع عن مصالح وحقوق المواطنين الروس. واعلنت ماتفيينكو عن استعداد روسيا لتقديم الدعم الاقتصادى والمالى لابناء القرم المعروف انها روسية التاريخ، ولم تنضم لاوكرانيا الا فى عام 1954 بقرار من الزعيم السوفييتى الاسبق نيكيتا خروشوف الاوكرانى الاصل بموجب ذرائع «واهية»، وتقسيمات ادارية فى اطار الاتحاد السوفييتى السابق، فيما تظل تشغل سيفاستوبول أحد أهم موانئها اهمية كبرى كقاعدة لاسطول البحر الاسود الروسى تستأجرها روسيا بموجب اتفاقية طويلة المدى حتى عام 2042. وفيما تتواتر الاحداث فى مختلف مدن القرم وجنوب شرق اوكرانيا على وقع اصرار الاغلبية فى هذه المدن على رفع اعلام روسيا فوق المقار الادارية والحكومية، ردا على التصريحات العدائية ضد روسيا من جانب ممثلى السلطة الجديدة فى كييف والتى بلغت حد اعلان المعارض الاوكرانى فيتالى كليتشكو زعيم حزب «اودار» والمرشح لانتخابات الرئاسة، حول ضرورة طرد الاسطول الروسى من سيفاستوبل والغاء معاهدة الصداقة الموقعة مع روسيا، تواصل موسكو الرسمية اتصالاتها مع من تقول انهم يقفون وراء تأجيج الميول المعادية لها. وفيما تسارعت ردود الأفعال على طلب بوتين السماح له باستخدام قواته المسلحة فى أوكرانيا، اعلن المتحدث الرسمى باسم الكرملين ان الرئيس الروسى لم يتخذ قراره بعد، لا باستخدام قواته فى اوكرانيا او باستدعاء سفيره من واشنطن. اكتفى بوتين والى حين، باجراء عدد من الاتصالات مع بان كى مون الأمين العام للامم المتحدة والرئيس الامريكى باراك اوباما وآخرين من زعماء الدول الغربية، اكد فيها ان روسيا لن تقف بمنأى عما يهدد مواطنيها من اخطار فى اوكرانيا. قال ايضا بضرورة العودة الى اتفاق 21 فبراير الموقع مع زعماء المعارضة بوساطة وزراء خارجية فرنسا والمانيا وبولندا، والذى ينص ضمنا على تشكيل حكومة وحدة وطنية واجراء الاصلاحات الدستورية اولا ثم اجراء الانتخابات الرئاسية مع حلول ديسمبر المقبل وليس فى 25 مايو كما اعلن مجلس «الرادا» (البرلمان الاوكراني) تحت ضغط الراديكاليين وجماهير «الميدان»، ممن يتمتعون بدعم الغرب. وكانت ماتفيينكو رئيسة مجلس الاتحاد (المجلس الاعلى للبرلمان الروسي) حذرت من مغبة الفوضى التى اشتعلت فى الكثير من المدن الاوكرانية والتى قالت انها قد تطال عدد من المنشآت النووية وهى كثيرة فى اوكرانيا التى سبق وذاقت ومعها العالم، تبعات «كارثة انفجار مفاعل تشيرنوبيل» فى عام 1986!!. على ان الفوضى التى يحذرون من مغبتها، شرقا وغربا، لا بد وان تطال ايضا وحدة اراضى الدولة الاوكرانية، على نحو يعيد الى الاذهان ما سبق وشهدته يوغوسلافيا فى تسعينيات القرن الماضى من تجارب مريرة وحروب اسفرت عن تقسيمها، وهو ما لا بد ان تعانى منه بلدان الاتحاد الاوروبى وروسيا، وليس امريكا، من خلال تدفق الهجرة غير الشرعية وتفاقم ظاهرة اللاجئين وما يرتبط بها من انتشار للجريمة وغيرها من المشكلات!. وفيما ينتظر الكثيرون فى اوكرانيا وخارجها ما يمكن ان يسفر عنه اجتماع وزراء خارجية بلدان الاتحاد الاوروبى فى بروكسل اليوم من نتائج، يقول آخرون ان الصين لم تقل كلمتها بعد، وإن كانت موسكو على يقين من ان موقفها لن يبتعد كثيرا عما سبق واعلنته بشأن الازمة السورية، وملف البرنامج النووى الايراني، وهو ما يتقارب بل ويتطابق فى العديد من جوانبه مع مواقف الكرملين، ادراكا من جانبها لان سقوط اوكرانيا فى فلك المخططات الغربية، لا بد ان يعنى اقتراب الناتو من الحدود الروسية والذى يعنى بالتبعية اقترابه اكثر من تحقيق «حلمه المؤجل» فى الصين!. موسكو حددت موقفها فى اطار ما اعلنت عنه حول مناشدة الاطراف المعنية التوقف عن «تهييج» الساحة الاوكرانية، والتخلى عن حلم ضمها لتكون ساحة للمواجهة مع روسيا، والعمل عبر العمل السياسى والدبلوماسى من اجل ان تكون «ساحة للوفاق والتقارب» مع العواصمالغربية، انطلاقا من واقع ان «الميدان» لا يمثل الشارع الاوكراني، وان البرلمان والحكومة بتشكيلتهما الحالية لا يمثلان القرم وجنوب شرق اوكرانيا اى نصف سكان الجمهورية. وهى تطرح من اجل ذلك فكرة البحث عن حلول وسط، تكفل الابتعاد عن احتمالات تكرار التجربة الجورجية التى لا تزال تبليسى ومعها انصارها ممن اججوا اوهامها فى الانضمام الى الناتو، يتجرعون مرارتها بعد الهزيمة التى لقيتها على ايدى القوات الروسية فى اغسطس 2008. اما الحلول المناسبة فتجدها موسكو فى العودة الى ما اسفرت عنه «الوساطة الغربية» فى كييف مع الرئيس الاوكرانى الذى وإن اعترفت بتحمله مسئولية الانفجار، تقول بانه يظل الرئيس الشرعى الى حين تنفيذ اتفاق 21 فبراير، وهو ما عكسه قرارها حول استقباله فى روسيا والاستجابة لطلبه حول توفير الحماية اللازمة له.