المصريون مازالوا على حالهم بعد 3 سنوات من الثورة فى 25 يناير، ثم 30 يونيو، لا شيء يذكر قد تغير سوى تخلصهم من جمود عقود مبارك وسلطته، وأركان نظامه الذين شاخوا فى مقاعدهم، وبعدها الخلاص من جماعة المعزول مرسي، إلا أن «جوهر القضايا» التى ثاروا من أجلها، والمطالب المشروعة التى حلموا بها، واحتضنها الجيش فى يناير ويونيو، لم تزل حتى الآن «أحلاما مراوغة»، أو «أحلاما مؤجلة» على أحسن تقدير. ولم تزل الغالبية العظمى فى انتظار اللحظة التى تحصل فيها على «نصيبها من ثروة بلادها»، بل إن الحد الأدنى للأجور بعدما اقترب إذا به يبتعد حتى حين! وبات «المنسيون» الذين هم عماد «مصر الأخري» أرقاما وليسوا أشخاصا، مثلما أصبح حال سكان المقابر والعشوائيات والعمال، بل والأطباء والصيادلة.. إلخ، وهؤلاء جميعا خرجوا من قبل 25 يناير فى إضرابات واعتصامات وأشكال أخرى من الاحتجاج، ليسمعوا صرخات الألم من «الرأسمالية المتوحشة»، بل وسياسات الاستبداد والفساد «للأقلية المحظوظة»، ولكن بلا جدوي، ويبدو أن ثمة «عقولا واعية» فى داخل «الدولة المصرية» تدرك أن من العار أن يبقى هؤلاء على حالهم، بل ربما تعرف عن يقين أن «الأمن القومى المصري» لا يمكن الحفاظ عليه ضد «المؤامرات الخارجية»، ومعه «أصابع الجماعة وعشيرتها»، إلا بكسب هؤلاء إلى «صفوف الدولة الوطنية»، وإذا لم يرفع العقلاء أصواتهم دفاعا عن هؤلاء، فإن «البديل الكابوس» هو أن ترفع «مصر الأخري» صوتها فى «نوبة جديدة» من الغضب الهادر الذى يحذر منه الكثيرون تحت مسمى «ثورة الجياع»! ومن المدهش أن «العقول البليدة» وأصحاب الحظوة القديمة لا يريدون الانسحاب فى هدوء من صدارة المشهد، ومازالوا يمارسون هوايتهم القديمة فى قطع الطريق على «العقول المبدعة» وأصحاب الضمائر الحية، ولا يتركون لهم فرصة احتلال المكانة التى يستحقونها فى مصر الجديدة، ومن العجيب أن ثمة تحالفا مريبا ما بين أنصار الفساد والجمود، وأتباع الفاشية الدينية ضد «مصر الجديدة»، ونعنى هنا «ضد الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة» التى تتحقق فيها مطالب الشعب المشروعة، التى احتضنتها القوات المسلحة، من عيش، وحرية، وعدالة اجتماعية، وكرامة إنسانية، واستقلال وطني، هذا ما قالت به ثورات 52 و25يناير و30 يونيو، وتلك الأحلام أحلام المصريين التى انتظروها، ولن يتخلوا عنها. والآن بعدما عجزت خمس حكومات فى موقع المسئولية خلال السنوات الثلاث، ومعهم 4 رؤساء للجمهورية (مبارك وطنطاوى ومرسى وعدلى منصور) عن تهدئة الخواطر، أو حل مشكلات مصر المزمنة فإن ذلك يدفعنا للتأمل، وهنا لابد من السؤال: هل ينجح المهندس إبراهيم محلب وحكومته الجديدة فيما فشل فيه د. حازم الببلاوي؟ وثمة سؤال آخر: هل المشكلة فى الأشخاص أم السياسات؟ بل هناك سؤال ثالث: هل المشكلة فى «السياسات الضرورة» أم «السياسات المطلوبة» أم «عدم وجود سياسات تلبى المطالب المشروعة»؟ وسؤال رابع: ماذا لو توافرت «الوصفة» و «الأشخاص المناسبون» ولم تتوافر «الموارد اللازمة» لترجمة «الوصفات» إلى واقع ملموس؟ وأخيرا: «ماذا لو أن ذلك كله توفر إلا أنه بحاجة إلى «زمن أكبر» و «صبر أوسع» و «مشاركة أعظم»، والأخطر أن نقول للذين ينتظرون «تحسن الأحوال» أن عليهم «شد الحزام» مرة أخري؟. ترى هل هناك «مجال أصلا» لشد الحزام؟ وهل مازال «رصيد الثقة» يسمح؟ وهل «القلوب الموجوعة» و «النفوس المكلومة» مستعدة لأن تمنح ثقتها وتنتظر؟! والإجابة بأمانة متناهية: فى أغلب الظن «لا»! خاصة الحكومات مؤقتة، ولأشخاص يعلمون يقينا أنهم راحلون لا محالة، كما أنها لا تعرفهم، ولا تختبرهم، وليس لديهم «رصيد يسمح» معها، وبالتالى فمن الظلم لرئيس مجلس الوزراء الجديد أن يتم تحميله ب «أعباء باهظة»، وب «مطالب هائلة» نعلم من الآن أنه لن يستطيع أن يحققها، لذا فإن «الدائرة الخبيثة» يجب أن تتوقف الآن! فلا معنى لإثارة التطلعات، والخيال والتوقعات بأشياء لن تستطيع «حكومة مؤقتة» أو «رئيس حكومة مؤقت» أن يحققها على أرض الواقع. ويبقى أن الإعلام عليه أن يتوقف عن صناعة «قصور من الرمال» فوق رمال متحركة ثم يقوم بهدمها! هذه اللعبة ليست مدهشة، بل تدعو للرثاء! كما أن «النخبة السياسية» عليها ألا تشارك فى هذه «المسرحية الرخيصة»، بل المطلوب الآن أن نصارح الناس بأن «الأجوبة المطلوبة» و «الأشخاص الذين يصلحون» و«الزمن الكافي» كله بأيديكم أنتم فقط، فالكرة باتت فى ملعبكم من خلال اختيار «رئيس كفء»، وبرلمان منتخب بأغلبية ومعارضة مسئولة، وهؤلاء جميعا يجب أن يكونوا باختياركم الحر فى انتخابات حرة ونزيهة، وعليكم حسن الاختيار بعد الحصول على «الأجوبة المُرضية لكم»، ولحظتها لابد من منح الرئيس المنتخب، والحكومة الممثلة لإرادة الشعب «الوقت المناسب» لكى يحولا «الوعود» إلى واقع، وأغلب الظن أن «الحل» لن يكون بترشيد الدعم، وجذب الاستثمارات الأجنبية، بل مطلوب استراتيجية «طويلة الأمد» لاستثمارات بقيادة الدولة، ومشاركة المصريين والعرب والأجانب لتنمية مصر بصورة حقيقية، وعلى أساس إنتاج حقيقي، وبنسبة نمو 10% على مدى 10 سنوات من أجل توفير فرص عمل جيدة للشباب، ولإحداث «نقلة نوعية» وما لم يحدث ذلك، فإن «شراء الوقت» لن يكفي؟! لمزيد من مقالات محمد صابرين