مفتي الجمهورية يهنئ الرئيس السيسي بالعام الميلادي الجديد    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكلية الهندسة بشبرا    حصاد 2025 في قطاع التعليم بأسيوط.. مدارس جديدة وتطوير شامل للبنية التحتية وتوسعات لاستيعاب الزيادة الطلابية    وفقا لآخر تحديث لسعر الذهب اليوم.. عيار 24 ب6868 جنيها    محافظ المنيا: تحصين 239 ألف رأس ماشية ضد «الحمى القلاعية وحمى الوادي المتصدع» وحملات مكثفة لمتابعة الأسواق    الخطيب: مصر ملتزمة بتعزيز العمل المشترك مع السودان لبناء شراكة استراتيجية    رسميًا.. موعد انتهاء حصر وحدات الإيجار القديم بمحافظة القاهرة    "الأونروا": 235 ألف شخص تضرروا من منخفض "بايرون" الجوي بقطاع غزة    "القاهرة الإخبارية": هدوء حذر في مناطق الساحل السوري بعد اشتباكات أمس    لابيد ينتقد اعتراف حكومة نتنياهو بأرض الصومال: خطوة تفتقر إلى مبدأ منظم    تايوان ترصد 28 سفينة صينية عقب إطلاق بكين تدريبات عسكرية    تغييرات جذرية في أنظمة التأشيرات تُعيد تشكيل حركة السفر العالمي بداية من 2026    أمم أفريقيا 2025| أهداف محمد صلاح مع منتخب مصر قبل مواجهة أنجولا    جيلبرتو: أشجع منتخب مصر من كل قلبي وأتمناهم في النهائي    عمر جلال هريدي يعلن عن تشكيل لجنة انقاذ الزمالك    المحكمة تعاقب البلوجر مداهم بتهمة حيازة مواد مخدرة    أمن القاهرة يضبط شخصا بتهمة البلطجة وإتلاف دراجة نارية بحلوان    النيابة تطلب التحريات فى غرق شخصين بترعة المريوطية    رئيس المنطقة الأزهرية بكفر الشيخ يتابع امتحانات أولى وثانية ثانوى بمعاهد الرياض    التحقيق مع عنصر جنائي حاول غسل 200 مليون جنيه حصيلة تجارة مخدرات    شاهد.. كزبرة وعلاء مرسى فى كواليس مسلسل بيبو    البيت الفني للمسرح يختتم 2025 ب1100 ليلة عرض وحصاد فنى وثقافي    حذف أغاني دقدق عملاً بوصيته يثير الجدل من جديد    مراد مكرم يطرح أغنية جديدة في 2026    العندليب غنى له.. أسرار تفرد سلطان الأغنية الشعبية أحمد عدوية في الذكرى الأولى لوفاته    الأزهر ينتقد استضافة المنجمين والعرافين في الإعلام: مجرد سماعهم مع عدم تصديقهم إثم ومعصية لله    الصحة: مبادرة الرعاية الصحية لكبار السن قدمت خدماتها ل2 مليون مواطن من سن 65 عامًا    وزير الصحة يستقبل نظيره التركي بمطار القاهرة الدولي    وفاة طفل أمريكى بسبب مضاعفات حادة للأنفلونزا.. علامات تحذيرية هامة للآباء    إصابة 8 أشخاص في تصادم سيارتين بالقناطر الخيرية    "دورة محمد جبريل".. الثقافة تكشف تفاصيل مؤتمر أدباء مصر في العريش    ماذا بعد انضمام أوكرانيا لتدريبات الدفاع الجماعي في الناتو؟    ذا بيست - دبي تستضيف حفل جوائز الأفضل في 2026    طاهر أبوزيد: مكاسب حسام حسن مع المنتخب إنجاز رغم الظروف.. والمرحلة المقبلة أصعب    تايلاند وكمبوديا تتفقان على ترسيخ وقف إطلاق النار وإعادة بناء الثقة المتبادلة    وزارة التضامن الاجتماعى تقر تعديل قيد جمعيتين في محافظتي القليوبية وكفر الشيخ    وزير العمل يفتتح المقر الجديد للنقابة العامة للعاملين بالنقل البري    عاجل- مدبولي يترأس اجتماعًا لتطوير الهيئات الاقتصادية وتعزيز أداء الإعلام الوطني    محافظ الإسكندرية يوجه برفع درجة الاستعدادات للتعامل مع موجة الطقس غير المستقر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    ضبط 7 رجال و4 سيدات لاستغلالهم 19 طفلا في التسول بالقاهرة    محافظ قنا ينعى المستشارة سهام صبري رئيس لجنة انتخابية توفيت في حادث سير    عراقيل إسرائيل أمام الانتقال للمرحلة الثانية    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في إفريقيا    السينمات المصرية على موعد مع فيلم «الملحد» نهاية ديسمبر    برودة وصقيع.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    وزير التموين ومحافظ الجيزة يفتتحان سوق اليوم الواحد فى شارع فيصل.. صور    أشرف صبحي يناقش ربط الاتحادات إلكترونيا وتعزيز الحوكمة الرياضية    قطرات الأنف.. كيف يؤثر الاستخدام المتكرر على التنفس الطبيعي    متحدث الوزراء: الحكومة تحاول تقديم أفضل الخدمات لمحدودي ومتوسطي الدخل وفق الموارد المتاحة    مباحث العبور تستمع لأقوال شهود العيان لكشف ملابسات حريق مخزن كراتين البيض    يحيى حسن: التحولات البسيطة تفكك ألغاز التاريخ بين الواقع والافتراض    بشير التابعى: توروب لا يمتلك فكرا تدريبيا واضحا    ما هو فضل الدعاء وقت الفجر؟    لا رب لهذه الأسرة    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا زمان الرواية الرائجة
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 02 - 2014

صديقى الأستاذ محمد رشاد صاحب دار الكتاب المصرى اللبنانى للنشر أدرك بإحساس الناشر العارف بأسرار سوق النشر ازدهار سوق فن الرواية بالقياس إلى غيره من أنواع الأدب،
ولذلك ازدادت حماسته لنشر الروايات التى أصبح لها أولوية دالة فيما ينشر من كتب. وليس هو النموذج الوحيد فى ذلك، فأغلب الناشرين، إن لم يكن كلهم، أصبحوا أكثر حماسة لنشر الروايات أكثر من نشر دواوين الشعر مثلا، إلا إذا كان الشاعر من طراز الأبنودى أو سيد حجاب أو أحمد فؤاد نجم رحمه الله. ولكن محمد رشاد لا ينشر أى عمل روائى يعرض عليه، فهو يستعين بأصدقائه من كبار النقاد، مثل الدكتور صلاح فضل. ولقد أحسن الرجل بى الظن، وأعطانى رواية لأبدى رأيى النقدى فيها، ومن سوء حظ الرواية أنها وقعت فى يدى، فلم أتحمس لها لأننى وجدتها رواية هزيلة القيمة الأدبية، فكتبت لمحمد رشاد عن انطباعى السلبى عن هذه الرواية التى رأيتها أشبه بأفلام حسن الإمام التى تجمع بين العنف والدم والجنس وتجاور الفقر الشديد مع الغنى، وذلك من خلال أحداث تجمع بين عدد هائل من الشخصيات، على نحو لا يعطى كل شخصية حقها فى العمق والنماء الذاتى. وكنت قد قرأت لصاحب هذه الرواية من قبل عملا أو عملين لا بأس بهما. ولذلك تخيلت أن صاحب الرواية لو أعاد كتابتها، واختزل عدد الشخصيات الكثيرة، وحاول الغوص فى أعماق الشخصيات الأساسية لكانت الرواية أفضل وأكثر قيمة فنية. ولكن المؤلف الذى قرأ ملاحظاتى تعلل - فيما قيل لى - أن ليس لديه الوقت لإعادة كتابة ما كتب أو العودة الفاحصة له. ويبدو أنه رأى نشر الرواية على ما هى عليه. ولم أعلق على هذه الرغبة أو أعترض، فأنا لست الناشر، وإنما مجرد صديق له. وعندما طُلِبَ منى كلمة توضع على ظهر الغلاف اعتذرت. وانتهى الأمر عند هذا الحد.
ولكن عند إعلان جوائز الأعمال الروائية فى معرض الكتاب فوجئت بأن الجائزة الأساسية أعطيت إلى رواية «أساطير يوم الثلاثاء» وهى رواية جيدة، جسورة فى تعرضها لموضوع صعب بمعالجة متميزة، ورؤية إنسانية. وقد أعجبتنى الرواية التى سبق أن كتب عنها، مستحسنا، صديقى الناقد الكبير صلاح فضل، وقمت بتحليلها فى ندوة عقدتها هيئة الكتاب نفسها، وتدور أحداثها حول أسامة بن لادن والقاعدة فى جبال أفغانستان. ولكن، فجأة، أضيفت إلى جائزة الرواية الوحيدة ما ضاعفها هذا العام، وهى الرواية التى أقرأنى إياها محمد رشاد. وقد عرفت أنهم أصدروا لها طبعة جديدة، بعد أن نفدت طبعتها الأولى فى أيام معرض القاهرة الدولى للكتاب. وقد أدهشنى الأمر، ولكنى علمت أن الجائزة مبررها نجاح الرواية فى التوزيع.
وقلت لنفسى: ولكن نجاح الرواية فى التوزيع ليس معيارا إيجابيا للقيمة، فالمؤكد أن روايات هارى بوتر أرقام توزيعها أعلى من أرقام توزيع روايات نجيب محفوظ. فالحق أن الأمر لا دلالة جمالية له، فى معيار القيمة الأدبية، عندما نأتى إلى الروايات الرائجة لأسباب تختلف عن القيم الأدبية الرفيعة.
والحق أننى لاحظت أن روايات عديدة قد راجت فى السنوات الأخيرة، وأعيدت طباعتها أكثر من مرة فى أشهر معدودة، وبعضها عرف طريقه إلى التليفزيون والبعض الآخر إلى السينما. وأخذنا نسمع عن جيل شاب من الروائيين الذين تحولت رواياتهم إلى سلعة رائجة. وأتذكر على سبيل المثال روايتين لعصام يوسف. الأولى عن معاناة تجربة ذاتية مكتوبة بصدق جارح، وهى رواية «جرام» وأرقام توزيعها خيالية. والثانية أقل حظا من ناحية الجودة، وكنت أفهم النجاح التوزيعى غير المسبوق الذى حققته الرواية الأولى. أما الرواية «2 ضباط» فأعتذر لعصام يوسف بأننى لم أستطع أن أكملها مثل روايات عديدة لشباب، أسمع عن أرقام فلكية فى توزيعها رغم أنها روايات سيئة فى النهاية. بالتأكيد لا يمكننى أن أضع روايات الشباب الرائجة هذه الأيام فى كفة واحدة مع رواية «النحات» لأحمد عبداللطيف ولا رواية طارق إمام عن الشاعر اليونانى السكندرى كفافيس وأشباههما من أصحاب الروايات التى تطرح رؤى عميقة للعالم فى بنية فنية متميزة.
أعرف أن الاثنين - أحمد عبداللطيف، وطارق إمام - يصعب أن يكون لهما هذه الجماهيرية أو شعبية التوزيع، وأضم إليهما روائيين متميزين من الشباب، تبرزهم كل عام جائزة ساويرس التى تستحق كل التقدير لرعايتها شباب الرواية من المبدعين. ولكن فى مقابل هؤلاء يأتى شباب آخر أكثر إيثارا للسهولة، وأميل إلى استخدام الحبكة البسيطة المنطوية على توابل التشويق المألوفة التى تضم الجنس إلى العنف إلى اللغة المحكية للعامية. وكل ذلك - أو أغلبه على الأقل - هو ما تتشكل به خصائص ما أسميه الروايات الرائجة التى توضع، توزيعا، فى فئة ال Best Seller وتغدو أكثر شعبية من الروايات التى تتميز بعمق الرؤية الفنية وبراعة البناء الفنى.
ولذلك لا أتصور أن رواية متميزة مثل «زمكان» لثروت الخرباوى أو «هنا القاهرة» لإبراهيم عبد المجيد أو «غرفة أبى» لعبده وازن أو «القندس» لمحمد حسن علوان أو «ساق الغراب» لمحمد القاسم أو «مجهول» ليوسف القعيد يمكن أن توزع واحدة منها ما وزعته رواية «البارمان» لأشرف العشماوى، فالفارق بين «البارمان» والروايات التى ذكرتها هو الفارق بين آخر فيلم رائج من إنتاج السبكى وآخر فيلم من إخراج مارتن سكورسيزى أو الفارق ذ مع التسامح - بين رواية «شفرة داڤنشى» و«اسم الوردة».
مؤكد أن هناك ذائقة جديدة لقراء يؤثرون السهولة، ويميلون إلى التشويق فى سياق ينطوى على التوابل المألوفة. ولا أستغرب لو كان أصحاب هذه الذائقة من مدمنى الفيس بوك والمواقع الإلكترونية التى تعطى كما لا نهائيا من المعلومات والمشهيات القرائية، ولكنها لا تعطى فكرا نقديا، ولا نوع المثقف الذى يعرف الفرق بين قراءة التسلية العابرة وقراءة المتعة الفنية عميقة الأثر.
ويبدو أن طبيعة المراحل الزمنية الانتقالية التى ترتبك فيها القيم، وتتسع مساحات المسكوت عنه من الخطاب المجتمعى المقموع، تفرض هذا النوع المريح المسلى من الروايات الرائجة التى تشبه الأفلام الرائجة، فى أنها تريح الأعصاب من القلق والتوتر وتنسى القراء العنف والإرهاب الذى يحيط بحياتهم صباح مساء. ولذلك فالروايات الرائجة لها فائدتها التى أقر بها، كما أقر أننى لا أجد فى قراءتها الغنى النفسى والمتعة الجمالية التى لا أزال أجدها فى كتابات نجيب محفوظ وفتحى غانم ويوسف إدريس وبهاء طاهر وجمال الغيطانى وإبراهيم أصلان إلى جيل أحمد عبد اللطيف وطارق إمام. وكل ميسر لما خلق له، ومن حق كل قارئ أن يبحث عما يريحه وينسيه همومه، أو يفعل العكس، فحرية القراءة والاختيار حق لا يمكن المنازعة فيه. وليس كل الناس يحبون الروايات المتعددة الأبعاد وعميقة الرؤى، فأكثرهم يحبون رواية التسلية المريحة وليس رواية المتعة المؤرِّقة.
لمزيد من مقالات جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.