جامعة سوهاج ضمن أفضل 2000 جامعة على مستوى العالم لعام 2024    «المشاط»: نتطلع إلى تعزيز التعاون مع البنك الأوروبي لمواجهة التحديات المناخية    5 حالات يرفض فيها طلب التصالح في مخالفات البناء وفقا للقانون.. اعرفها    سعر طن الذرة الصفراء اليوم في مصر.. «الأوكراني» يسجل 11 ألف جنيه    مصر تبحث تعزيز التعاون مع التشيك فى مجالات التحول الرقمى والذكاء الاصطناعى    ممثل جنوب أفريقيا بمحكمة العدل: نرحب بانضمام مصر في الدعوى المرفوعة ضد إسرائيل    نائب رئيس «المؤتمر»: مخرجات قمة البحرين رسمت طريقا واضحا للخروج من أزمات المنطقة    الاحتلال الإسرائيلي يواصل حربه على غزة وتقارير عن تحويله مُستشفى سرطان إلى قاعدة لعملياته    مؤتمر أرتيتا قبل الجولة الحاسمة: حلم أرسنال في يد وست هام.. ورسالة إلى مويس    رئيس اتحاد الكرة الفلسطيني: نبحث تعليق مشاركة إسرائيل في المباريات الدولية    المصري يواصل تدريباته على ستاد الكلية الحربية استعدادًا لمواجهة انبي    الهلال السعودي يتعرض لضربة موجعة قبل الديربي أمام النصر    توماس توخيل يعلن رحيله عن بايرن ميونخ في هذا الموعد    توزيع منهج التاريخ على أسئلة امتحان الصف الثالث الثانوي 2024.. ذاكر بتركيز    حريق ضخم يلتهم 7 منازل و4 أحواش ماشية ويُصيب 4 أشخاص في سوهاج (تفاصيل)    بصورة نادرة.. كيف هنأ محمد إمام والده «الزعيم» بعيد ميلاده؟    ليلى علوي توجه رسالة لعادل إمام في عيد ميلاده: أهم نجوم القرن    أحمد السقا: أنا هموت قدام الكاميرا.. وابني هيدخل القوات الجوية بسبب «السرب»    ناقد فني ينتقد كتابة أحمد مراد مسلسل عن أم كلثوم    الإثنين.. مناقشة رواية بيت من زخرف لإبراهيم فرغلي بمبنى قنصلية    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    ما الفرق بين المقاصد الشرعية والوطنية؟ المفتي يُوضح (فيديو)    في اليوم العالمي لفرط ضغط الدم.. إرشادات للوقاية من «القاتل الصامت»    متحف البريد المصري يستقبل الزائرين غدًا بالمجان    بوتين: العملية العسكرية في خاركيف هدفها إنشاء منطقة عازلة    بعجينة هشة.. طريقة تحضير كرواسون الشوكولاتة    أوقاف البحيرة تفتتح 3 مساجد جديدة    إعلام فلسطيني: شهيدان ومصاب في قصف إسرائيلي استهدف مواطنين بحي الزهور    رئيس جهاز دمياط الجديدة يستقبل لجنة تقييم مسابقة أفضل مدينة بالهيئة للعام الحالي    جوري بكر تعلن انفصالها بعد عام من الزواج: استحملت اللي مفيش جبل يستحمله    هشام ماجد ينشر فيديو من كواليس "فاصل من اللحظات اللذيذة".. والجمهور: انت بتتحول؟    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    الإنتهاء من المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلى لمبنى المفاعل بمحطة الضبعة النووية    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    مساندة الخطيب تمنح الثقة    تناولها أثناء الامتحانات.. 4 مشروبات تساعدك على الحفظ والتركيز    كيف ينظر المسئولون الأمريكيون إلى موقف إسرائيل من رفح الفلسطينية؟    مؤتمر جوارديولا: نود أن نتقدم على وست هام بثلاثية.. وأتذكر كلمات الناس بعدم تتويجي بالدوري    آخر موعد لتلقي طلبات المنح دراسية لطلاب الثانوية العامة    البنك المركزي الصيني يعتزم تخصيص 42 مليار دولار لشراء المساكن غير المباعة في الصين    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    ضبط سائق بالدقهلية استولى على 3 ملايين جنيه من مواطنين بدعوى توظيفها    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    كوريا الشمالية ترد على تدريبات جارتها الجنوبية بصاروخ بالستي.. تجاه البحر الشرقي    كيف يمكنك حفظ اللحوم بشكل صحي مع اقتراب عيد الأضحى 2024؟    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    إحباط تهريب راكب وزوجته مليون و129 ألف ريال سعودي بمطار برج العرب    تفاصيل حادث الفنان جلال الزكي وسبب انقلاب سيارته    وفد اليونسكو يزور المتحف المصري الكبير    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا زمان الرواية الرائجة
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 02 - 2014

صديقى الأستاذ محمد رشاد صاحب دار الكتاب المصرى اللبنانى للنشر أدرك بإحساس الناشر العارف بأسرار سوق النشر ازدهار سوق فن الرواية بالقياس إلى غيره من أنواع الأدب،
ولذلك ازدادت حماسته لنشر الروايات التى أصبح لها أولوية دالة فيما ينشر من كتب. وليس هو النموذج الوحيد فى ذلك، فأغلب الناشرين، إن لم يكن كلهم، أصبحوا أكثر حماسة لنشر الروايات أكثر من نشر دواوين الشعر مثلا، إلا إذا كان الشاعر من طراز الأبنودى أو سيد حجاب أو أحمد فؤاد نجم رحمه الله. ولكن محمد رشاد لا ينشر أى عمل روائى يعرض عليه، فهو يستعين بأصدقائه من كبار النقاد، مثل الدكتور صلاح فضل. ولقد أحسن الرجل بى الظن، وأعطانى رواية لأبدى رأيى النقدى فيها، ومن سوء حظ الرواية أنها وقعت فى يدى، فلم أتحمس لها لأننى وجدتها رواية هزيلة القيمة الأدبية، فكتبت لمحمد رشاد عن انطباعى السلبى عن هذه الرواية التى رأيتها أشبه بأفلام حسن الإمام التى تجمع بين العنف والدم والجنس وتجاور الفقر الشديد مع الغنى، وذلك من خلال أحداث تجمع بين عدد هائل من الشخصيات، على نحو لا يعطى كل شخصية حقها فى العمق والنماء الذاتى. وكنت قد قرأت لصاحب هذه الرواية من قبل عملا أو عملين لا بأس بهما. ولذلك تخيلت أن صاحب الرواية لو أعاد كتابتها، واختزل عدد الشخصيات الكثيرة، وحاول الغوص فى أعماق الشخصيات الأساسية لكانت الرواية أفضل وأكثر قيمة فنية. ولكن المؤلف الذى قرأ ملاحظاتى تعلل - فيما قيل لى - أن ليس لديه الوقت لإعادة كتابة ما كتب أو العودة الفاحصة له. ويبدو أنه رأى نشر الرواية على ما هى عليه. ولم أعلق على هذه الرغبة أو أعترض، فأنا لست الناشر، وإنما مجرد صديق له. وعندما طُلِبَ منى كلمة توضع على ظهر الغلاف اعتذرت. وانتهى الأمر عند هذا الحد.
ولكن عند إعلان جوائز الأعمال الروائية فى معرض الكتاب فوجئت بأن الجائزة الأساسية أعطيت إلى رواية «أساطير يوم الثلاثاء» وهى رواية جيدة، جسورة فى تعرضها لموضوع صعب بمعالجة متميزة، ورؤية إنسانية. وقد أعجبتنى الرواية التى سبق أن كتب عنها، مستحسنا، صديقى الناقد الكبير صلاح فضل، وقمت بتحليلها فى ندوة عقدتها هيئة الكتاب نفسها، وتدور أحداثها حول أسامة بن لادن والقاعدة فى جبال أفغانستان. ولكن، فجأة، أضيفت إلى جائزة الرواية الوحيدة ما ضاعفها هذا العام، وهى الرواية التى أقرأنى إياها محمد رشاد. وقد عرفت أنهم أصدروا لها طبعة جديدة، بعد أن نفدت طبعتها الأولى فى أيام معرض القاهرة الدولى للكتاب. وقد أدهشنى الأمر، ولكنى علمت أن الجائزة مبررها نجاح الرواية فى التوزيع.
وقلت لنفسى: ولكن نجاح الرواية فى التوزيع ليس معيارا إيجابيا للقيمة، فالمؤكد أن روايات هارى بوتر أرقام توزيعها أعلى من أرقام توزيع روايات نجيب محفوظ. فالحق أن الأمر لا دلالة جمالية له، فى معيار القيمة الأدبية، عندما نأتى إلى الروايات الرائجة لأسباب تختلف عن القيم الأدبية الرفيعة.
والحق أننى لاحظت أن روايات عديدة قد راجت فى السنوات الأخيرة، وأعيدت طباعتها أكثر من مرة فى أشهر معدودة، وبعضها عرف طريقه إلى التليفزيون والبعض الآخر إلى السينما. وأخذنا نسمع عن جيل شاب من الروائيين الذين تحولت رواياتهم إلى سلعة رائجة. وأتذكر على سبيل المثال روايتين لعصام يوسف. الأولى عن معاناة تجربة ذاتية مكتوبة بصدق جارح، وهى رواية «جرام» وأرقام توزيعها خيالية. والثانية أقل حظا من ناحية الجودة، وكنت أفهم النجاح التوزيعى غير المسبوق الذى حققته الرواية الأولى. أما الرواية «2 ضباط» فأعتذر لعصام يوسف بأننى لم أستطع أن أكملها مثل روايات عديدة لشباب، أسمع عن أرقام فلكية فى توزيعها رغم أنها روايات سيئة فى النهاية. بالتأكيد لا يمكننى أن أضع روايات الشباب الرائجة هذه الأيام فى كفة واحدة مع رواية «النحات» لأحمد عبداللطيف ولا رواية طارق إمام عن الشاعر اليونانى السكندرى كفافيس وأشباههما من أصحاب الروايات التى تطرح رؤى عميقة للعالم فى بنية فنية متميزة.
أعرف أن الاثنين - أحمد عبداللطيف، وطارق إمام - يصعب أن يكون لهما هذه الجماهيرية أو شعبية التوزيع، وأضم إليهما روائيين متميزين من الشباب، تبرزهم كل عام جائزة ساويرس التى تستحق كل التقدير لرعايتها شباب الرواية من المبدعين. ولكن فى مقابل هؤلاء يأتى شباب آخر أكثر إيثارا للسهولة، وأميل إلى استخدام الحبكة البسيطة المنطوية على توابل التشويق المألوفة التى تضم الجنس إلى العنف إلى اللغة المحكية للعامية. وكل ذلك - أو أغلبه على الأقل - هو ما تتشكل به خصائص ما أسميه الروايات الرائجة التى توضع، توزيعا، فى فئة ال Best Seller وتغدو أكثر شعبية من الروايات التى تتميز بعمق الرؤية الفنية وبراعة البناء الفنى.
ولذلك لا أتصور أن رواية متميزة مثل «زمكان» لثروت الخرباوى أو «هنا القاهرة» لإبراهيم عبد المجيد أو «غرفة أبى» لعبده وازن أو «القندس» لمحمد حسن علوان أو «ساق الغراب» لمحمد القاسم أو «مجهول» ليوسف القعيد يمكن أن توزع واحدة منها ما وزعته رواية «البارمان» لأشرف العشماوى، فالفارق بين «البارمان» والروايات التى ذكرتها هو الفارق بين آخر فيلم رائج من إنتاج السبكى وآخر فيلم من إخراج مارتن سكورسيزى أو الفارق ذ مع التسامح - بين رواية «شفرة داڤنشى» و«اسم الوردة».
مؤكد أن هناك ذائقة جديدة لقراء يؤثرون السهولة، ويميلون إلى التشويق فى سياق ينطوى على التوابل المألوفة. ولا أستغرب لو كان أصحاب هذه الذائقة من مدمنى الفيس بوك والمواقع الإلكترونية التى تعطى كما لا نهائيا من المعلومات والمشهيات القرائية، ولكنها لا تعطى فكرا نقديا، ولا نوع المثقف الذى يعرف الفرق بين قراءة التسلية العابرة وقراءة المتعة الفنية عميقة الأثر.
ويبدو أن طبيعة المراحل الزمنية الانتقالية التى ترتبك فيها القيم، وتتسع مساحات المسكوت عنه من الخطاب المجتمعى المقموع، تفرض هذا النوع المريح المسلى من الروايات الرائجة التى تشبه الأفلام الرائجة، فى أنها تريح الأعصاب من القلق والتوتر وتنسى القراء العنف والإرهاب الذى يحيط بحياتهم صباح مساء. ولذلك فالروايات الرائجة لها فائدتها التى أقر بها، كما أقر أننى لا أجد فى قراءتها الغنى النفسى والمتعة الجمالية التى لا أزال أجدها فى كتابات نجيب محفوظ وفتحى غانم ويوسف إدريس وبهاء طاهر وجمال الغيطانى وإبراهيم أصلان إلى جيل أحمد عبد اللطيف وطارق إمام. وكل ميسر لما خلق له، ومن حق كل قارئ أن يبحث عما يريحه وينسيه همومه، أو يفعل العكس، فحرية القراءة والاختيار حق لا يمكن المنازعة فيه. وليس كل الناس يحبون الروايات المتعددة الأبعاد وعميقة الرؤى، فأكثرهم يحبون رواية التسلية المريحة وليس رواية المتعة المؤرِّقة.
لمزيد من مقالات جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.