لم يكن أنيس منصور يتوقع أن سفره إلى ولاية كيرالا الهندية لتغطية أنباء فوز الحزب الشيوعى بالانتخابات المحلية وتشكيله لحكومتها الاقليمية سيمتد إلى 200 يوم، يقابل أثناءها الدلاى لاما حاكم التبت، وينتقل إلى جزيرة سيلان ليرى كيف عاش الزعيم أحمد عرابى فى فترة المنفي، كما يحظى بزيارة قارة استراليا كأول صحفى عربى تطأ قدمه أرضها. وعلى الشاطئ الآخر يطير أنيس منصور فوق بركان هاواى ويلتقط أول صورة له فى التاريخ ثم يلقى نظرة أخيرة على الممثلة العالمية مارلين مونرو. ضربة البداية حقق أنيس منصور سبقا صحفيا عندما تمكن من إجراء حوار مع »نامبود ريباد« رئيس وزراء ولاية كيرالا بعد اتهام حكومته بالطغيان والتدخل فى معتقدات الناس، وقد نشر الحوار فى نفس اليوم الذى سقطت فيه الوزارة، وقد تناقلت وكالات الأنباء العالمية نص الحوار لأنه كان الصحفى الوحيد الذى قابله وقت احتدام الأزمة. وعندما علم صاحبنا بنزول الدلاى لاما فى قصر بيرلا هاوس فى أقصى شمال الهند تحيطه غابة مقدسة ممنوع أن يدنو منها انسان طلب من سكرتارية القصر تحديد ميعاد لمقابلة الدلاى لاما ولكنهم رفضوا، فاستقل الريكشا ونزل عند مدخل القصر وادعى نه على ميعاد مع صاحب القداسة، ومع ذلك منعه الحراس من الدخول ثم التقى مع بعض الوزراء، وادعى أنه مريض قادم من مصر، وأن شفاءه سيكون على يدى الدلاى لاما، فتم نقله على محفة وهو ملفوف بالبطاطين فى عز الصيف ومن تحتها أخرج الكاميرا، والتقط صورا للدلاى لاما ووالدته لأول مرة فى حياتها. فى منفى الزعيم وفور دخول صاحبنا السندباد إلى مدينة كاندى بجزيرة سيلان مقر منفى الزعيم أحمد عرابي، راح يفتش عن كل من عرف عرابى أو أولاده، فقابل شخصا يدعى «شرى جورو» وهو سمسار متقاعد، وأنبأه أنه رأى عرابى باشا، الذى كان رجلا ضخما، طويلا ممتلئا، فالناس يمشون إلى جواره وكأنهم أقزام، وكان عرابى يركب حصانه وينتقل بين الشوارع، ويخرج إلى الجبل أو يزور بعض اصدقائه وقد ترك عرابى بصمة لا تنسى بعد قيامه بتحفيظ القرآن الكريم لأطفال سيلان كما تزوج من بعض النساء هناك، وسأل شرى جورو صاحبنا الصحفى المفلس إن كان يعرف أحدا من أبناء عرابى فقال له: إنه تعرف على احدهم، وهو المرحوم عبدالسميع أيام كان يعمل فى جريدة الأهرام. وكان مشهد رحيل عرابى عن سيلان فى 18 سبتمبر عام 1901 مؤثرا حيث التف حوله الناس وتقدم نجله محمد وطوق عنقه بالزهور، فبكى الناس، ودخل عرابى قمرته فى السفينة وراح يبكى ولأول مرة نام نوما عميقا لم يعرفه طوال فترة نفيه. أما صاحب البيت الذى كان يسكنه عرابى فقد قرر ان يطلق اسمه على منزله، كذلك اطلق اسمه على أحد الشوارع بمدينة كاندي. القارة السعيدة كانت استراليا محطته التالية يقول: عرفت وقتها بأنها جنة العالم ويبدى منصور فى دهشته قائلا: تصوروا قارة كبيرة جدا فى حجم استراليا يسكنها أو يسكن جانبا منها 9 ملايين نسمة فقط. ومع ذلك تقفل باب الهجرة فى وجوه كل الناس أو على الأصح فى وجوه الملونين فقط، وحتى البيض تشترط أن يكونوا أصحاب مهن فنية، لدرجة أن السكان الأصليين لهذه القارة تضعهم الحكومة فى مدارس محاطة بالأسلاك وكأنهم حيوانات نادرة. وهذه القارة السعيدة لا تعرف الحزن أو الدموع، فهى بلاد كلها مرح والرقص والغناء يعم منازلها، ويكفى أن ترى المحلات التجارية لتدرك مدى الرخاء والسعادة التى تظلل حياة الناس. ويبدو أن وقوع استراليا فى منطقة نائية من العالم، ولأنها لا تريد أحدا، فهى لا تهتم بالسياحة، فلا توجد صورة واحدة لسيدنى أو ملبورن فالسائح لا مكان له هناك. الأقزام العمالقة ثم انتقل أنيس منصور إلى اليابان، وكل شئ هناك آثار دهشته، فتلك الدولة التى تقف على قدميها عقب تعرضها للقنابل الذرية الأمريكية تضع الآن هاتين القدمين على اكتاف الآخرين، عملا بالمثل القائل : اقزم من الممكن أن يرى أكثر من العملاق إذا وقف على كتفيه، وقد وقفت اليابان على أكتاف الدنيا، وتفوقت خلال أربعين عاما وبأيدى مائة مليون من أناس مهذبين، نشيطين ومتقشفين أيضا. ويمضى قائلا: أنت لا يمكن أن تتصور كيف أن شعبا كان محتلا يستطيع أن يصنع المعجزات ويتحول من تجار سمك إلى صناع وتجار قطارات وسفن وراديوهات. واليابان بلد المتناقضات، فمن الممكن أن تجد رجلا مسيحيا وفى نفس الوقت بوذيا، وتجده يذهب إلى الكنيسة ورغم ذلك يحرص على تعاليم بوذا ويحج إلى تمثال له فى مدينة نارا يبلغ طوله 19 مترا ووزنه 800 طن. جزيرة البركان ثم حمل صاحبنا حقائبه ونزل بجزر هاواي، وهناك رأى ملابس سيدات هاواى تشبه جلاليب الفلاحات عندنا والحياة فيها هادئة جدا وتشعرك بأنك فى عزلة تامة عن العالم.. لا حوادث ولا قتل ولا جرائم ولا ضرائب، كل شئ هادئ وناعم وأعلى الأصوات هناك هو صوت أمواج البحر، وقد قام الرحالة الحديث بالتقاط صور نادرة لبركان هاواى من الجو ونشرها فى الصحف. ثوان مع ملكة الإغراء وانتقل صاحبنا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وزار هوليوود مدينة السينما واستطاع ان يأخذ ميعادا مع مارلين مونرو استمر لثوان قليلة ليراها لأول ولآخر مرة قبل انتحارها.