1 - تعبير جاء لأول مرة سنة 1615 على لسان الكاتب الفرنسى ( انطوان مونكر سيتيان ) ولم يتسرب إلى الثقافة العالمية إلا بعد قرن ونصف قرن من الزمن أى فى القرن الثامن عشر الذى يطلق عليه قرن «التنوير» وترسخ التعبير فى السياسة العالمية خلال الحركات الثورية بعد ذلك وبخاصة فى التيار الشيوعى والتطورات التى شهدها العالم ، والمراد بهذا التعبير هو التحكم فى الشعوب وفرض إرادة الأغنياء على الجماهير واستغلال الثروة فى تحقيق أهداف سياسية وشخصية ، ولم يأت التعبير من فراغ، فلا شيئ ، ولا حدث ، ولا فكر ، أمور لا تأتى أبداً من فراغ ، بل ولد هذا التعبير خلال إرهاصات الشعوب الغربية لاكتشاف العالم والسيطرة عليه ، وأدى إلى ما يشاع اليوم عن الحداثة ، والعلمانية ، والرأسمالية ، حتى وصلنا فى بداية القرن الحادى والعشرين إلى هذه الأنانية البشعة الأنانية العالمية ، والأنانية الشخصية الفردية ، بل والأنانية الدينية هذه الأنانية التى تحكم العالم اليوم، بديلاً عن الحروب العالمية التى تدمر المنتصر والمنهزم، القوى والضعيف إنها حرب غير معلنة لكنها تمضى فى طريقها لمصلحة من يمتلك أسباب القوة والمال والعلوم . 2 إن الفرق شاسع جداً بين الهوية الدينية الموروثة بكل فروضها وطقوسها وبين الهوية الإيمانية التى هى ثمرة الممارسة الحقيقية للإيمان والخبرة الشخصية للإنسان فى علاقته بالقيم الروحية ومدى فاعليتها فى سلوكه اليومى وحياته العادية . إن التقدم العلمى فى مجال »التكنولوجيا« والاتصالات وتقارب الأسرة البشرية والانفتاح الفضائى والاجتماعى والثقافى أدى إلى أن يطرح مفكرون كثيرون سؤالهم : هل يأتى القرن الواحد والعشرون متديناً يستعيد فيه العالم المعنى الإيمانى والأخلاقى أم على العكس سيضرب بعرض الحائط العالم القديم ويغوص فى ظلام الشك والإلحاد ( اندريه مالرو ) وبعضهم سأل هل المستقبل قادم بلا أخلاق أو قيم إلا الاهتمام بالمتعة والألم وأن القادم هو الأسوأ مثل المفكر ( فيرار Virard ) فى كتابه «العالمية» ، وهل يؤدى التقدم العلمى أو بالدقة ، تدفق التكنولوجيا على جميع المجالات ، هل يؤدى ذلك كله إلى إعادة صياغة معنى الزمان والمكان وخلق قيم جديدة إلى حد التهكم على الماضى بالقول أى حماقة أفظع فى التاريخ البشرى من التاريخ ذاته . 3 نعود إلى فكرة الاقتصاد المسيس ، ونلقى نظرة فاحصة مدققة على مشهد العالم اليوم ، بدون تردد أو شك نلمس بوضوح فى العلاقات بين الشعوب ، وبين الحكومات ، الاقتصاد هو المحرك الأول ، يستخدم لتحقيق الأهداف ، بل وفى العلاقات الاجتماعية ، والعائلية ، والأنشطة المتنوعة فى المجتمع يتحكم الاقتصاد والمصلحة الشخصية وتتوارى القيم الدينية ، فهل يتحول العالم إلى عالم بلا أخلاق كما تخوف كثيرون من أهل الفكر ؟ ويتساءل بعضهم عن دور الأديان فى ذلك كله ، ما هذه الموجات الصاخبة عند البعض حتى لقب أحدهم وهو (إميل مالت) فى كتابه الرأسمالية ضد العالم أصحابها من أهل التطرف والإرهاب والعنف «المجانين باسم الله» لأنهم لا يتعلمون من التاريخ وكأن التاريخ لا يعلمنا شيئا. 4 ليس أمام المجتمع البشرى إلا السبيل الأوحد للنجاة من طوفان الاقتصاد المسيس، واستعباد الإنسان بسلاح الثروة والعلوم ، أو بتخويفه وسلب حريته وسرقة ضميره باسم الأديان ، فتسحق الآخرة دنياه وتصبح المظاهر الدينية أهم من العمل والعطاء والاجتهاد ، وتعود العصور الوسطى لتبسط ظلالها على العقول والوجدان دون أن يتنبه إلى ذلك البشر، ليس أمام البشر إلا: العدالة الاجتماعية، والسيطرة على أسرار العلوم . أزعم أن القرن الحادى والعشرين إنما هو نقطة انطلاق لحضارة جديدة وعلاقات إنسانية جديدة ويغمرنى الأمل فى أن الإنسان قادر بما وهبه الخالق من عقل وضمير أن يهزم شيطان الأنانية الاقتصادية وأن يتخطى عقبات الرغبة الجانحة فى الامتلاك والمتعة والرفاهية، أنها حضارة فيها كل شيئ له ثمن وهو يعرف أن فيها أربعين مليوناً من البشر يموتون جوعاً كل سنة . لمزيد من مقالات د. الأنبا يوحنا قلته