توجهت قبل أيام لزيارة صديق لي في قرية تسمي شبرامنت, وهي احدي ضواحي الجيزة, وضللت الطريق إليها فوجدتني في قرية تسمي عرب سراب وحسبت انني ركبت آلة الزمن لأعود إلي الوراء خمسين عاما من هول ما شاهدته عيناي فيها. فهي قرية خارج الزمن بكل ما تحمله الكلمة من معني طرق غير ممهدة, وأكواخ مصنوعة من الكرتون, وبقايا أخشاب وافخرها مصنوع من الصفيح, لم أصدق عيني, وقد ركنت سيارتي وترجلت لأسأل عن الطريق الصحيح وكان بصحبتي صديق لي فشاهدنا ما لايخطر علي بال, أطفال يسيرون بلا ملابس تقريبا وكبار يرتدون ملابس رثة وبالية, فسألتهم عن اسم القرية وعن الظروف التي يعيشون فيها ولفتت انتباهي قنوات الصرف الصحي التي تشق الأزقة إذ يقومون بتصريف المخلفات خلالها كما لاتوجد لديهم مياه عذبة ويأخذون حاجتهم من المياه عبر طلمبات تضخ مياها ملوثة من باطن الأرض ومنها يعدون الطعام ويشربون, أما طرق طهي الطعام فإنهم يستخدمون الحطب وجذوع الأشجار لكي يوقدوا النار, أما غنيهم فيستخدم وابور الجاز الذي كان أجدادنا يستخدمونه منذ عشرات السنين وللكهرباء هناك قصة هي مأساة بحد ذاتها, فشركة الكهرباء تركت لهم وصلة كهرباء رئيسية يأخذون منها فروعا علي نفقتهم الخاصة حتي يوصلوا التيار الكهربائي إلي اكواخهم وتحصل منهم الشركة علي غرامة تيار مخالف كل ثلاثة أشهر بواقع300 جنيه لكل كوخ!!, ومن يمتنع عن الدفع تصدر بحقه غرامة وعقوبة حبس, لذلك فإن اغلبهم مطلوب للعدالة وأما عن المرض فحدث ولا حرج فكلهم مرضي بالفشل الكلوي والفيروسات الكبدية والنساء, هناك ونتيجة لسوء التغذية لايقمن بإرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية ولايجدن المال لشراء الألبان لأطفالهن, وكل كوخ وبيت في هذه القرية يضم بين جنباته مآسي لا حصر لها. ومهما وصفت لك مدي الفقر والمرض المنتشر فيها فلن تكون الصورة دقيقة. لقد غادرنا القرية وذهبنا إلي صديقنا وروينا له ما رأيناه وعدنا إليها جميعا وقد أخذنا لهم البطاطين والألبان وبعض الأدوية ولكننا لم نسد احتياجاتهم فيد واحدة لاتصفق وكل ما أرجوه عبر بريدك من أهل الخير ومن يحملون في قلوبهم الرحمة, نظرة عطف إلي هذه القرية المنكوبة وليتذكر كل قارئ لهذه الرسالة وهو ينعم بما رزقه الله من منزل وسيارة وأموال ان هناك بشرا يعيشون بالقرب منه لايملكون من حطام الدنيا سوي قطعة صفيح يستظلون بها وقطعة قماش بالية يسترون بها أنفسهم. كلماتك الواضحة وإحساسك الصادق بآلام أبناء هذه القرية يفتح ملف سكان المناطق العشوائية, فليس هؤلاء وحدهم هم الذين يعانون شظف العيش وقلة الحيلة, ولكن هناك آلاف القري والنجوع التي تئن تحت وطأة الجوع ولا أقل من أن نمد إليهم يد العون بما يتيسر لنا, وانني استصرخ أهل الخير ان يهبوا إلي نجدة أهالي هذه المنطقة كنطقة بداية للانطلاق إلي مناطق أخري جعلهم الله عونا في خدمة الآخرين.