هل ستظل مصر محكومة بعقدة الزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصر وروحه تحوم فى سمائها باحثة عن رئيس تتلبسه بحيث ترضى عنه الأغلبية الشعبية فيها وفى العالم العربى ايضا؟ .. الأجابة ببساطة. نعم. فقد كان عقدة الرؤساء الثلاثة الذين خلفوه على التوالى رغم ان أولهما وهو الرئيس الراحل انور السادات. كان من اختياره نائبا له. وزميله فى تنظيم الضباط الأحرار ومجلس قيادة ثورة يوليو. وبعد توليه الحكم خلفا له وتحقيقه انجازات بعضها مدو مثل الانتصار فى حرب أكتوبر 1973. واخذه عام 1976 بتجربة تعدد الأحزاب. فإن عبدالناصر ظل عقدته. فكلما كانت تخرج مظاهرة ضده ترفع صورته وتتهمه بالخروج على خطة. وعندما بدأت الحملات ضد عبدالناصر اشارت أصابع الأتهام الى السادات بأنه وراءها. وإذا ذكر اسمه فى كلمة أو خطه له حتى أمام أعضاءحزبه الوطنى كان تصفيق الحاضرين يدوى قبل ان ينتهى من ذكره بشكل تلقائي. وايقن السادات أنه لن يحتل نفس المساحة فى وجدان المصريين والعرب. وخلفه مبارك الذى نال تأييدا شعبيا كبيرا رغم ان المصريين كانوا يتندرون عليه طوال بقائه نائبا للسادات. لمجرد أنه استخدم فى أول كلمة له عبارات استخدمها عبدالناصر. بل ورسم له زميلنا الراحل والشاعر الموهوب صلاح جاهين فى الأهرام «بروفيل» أظهر فيه تشابها بينه وبين عبدالناصر. وحمد له الناس اعادة الأغانى التى كانوا يحبون سماعها فى عهده. ومحاولاته مكافحة الفساد فى بداية عهده. واعادة مصر الى عالمها العربي. وبدأت عملية تقرب الى الناصريين ودعوتهم للانضمام إلى الحزب الوطنى لمساعدته فى التخلص من انصار السادات كما قيل. ولقيت الدعوة استجابة من كثيرين. بحجة ان مبارك ناصري. وبدأ فى البحث عن مشروع قومى يجمع به الشعب حوله مثل مشروع السد العالى، ولكن سرعان ما دب الفساد فى أوصال النظام. وبدأ فى التخطيط لعملية توريث الحكم لابنه جمال الذى أظهر عداء مميت لكل ما يمت لعبد الناصر بصلة. وبدأت المظاهرات. وصور عبدالناصر ترتفع. إلى ان سقط فى 11 فبراير 2011 ولصور تملأ الميادين.. وجاء رئيس مدنى ثالث من جماعة لها ثأر تاريخى مع عبدالناصر. أعلنه فى أول خطبة له بعد انتخابه فى ميدان التحرير عندما قال.. الخمسينات والستينات. وما أدراك ما الستينات..ولم يقل وما أدراك ما الخمسينيات والستينيات. إنما قصرها على الستينيات. فى إشارة واضحة الى القبض على تنظيم سيد قطب عام 1965. وتأكيد لانتمائه لمجموعته التى اصبحت تسيطر على الجماعة. لان المرشد العام محمد بديع ومحمود عزت كانا من أعضاء التنظيم. وحكم على كل منهما بالسجن خمس عشرة سنة. وأفرج عنهما السادات عام 1974 ضمن عشرات آخرين كانوا فى السجون بأحكام قضائية. وقام بديع بمهاجمة عبدالناصر ومشروع السد العالي. بوضع كلمات على لسان ذو القرنين لم يذكرهما الله سبحانه وتعالى فى سورة الكهف. كما أظن فى حديث آخر له حقدا على ابو ذر الغفارى رضى الله عنه لأنه تم الرجوع اليه فى الدعاية للاشتراكية أيام عبدالناصر. ومع ذلك فوجىء مرسى بأن شبح عبدالناصر يطارده اينما هل واضطر للانحناء أمامه.. ففى كلمته أمام مؤتمر عدم الانحياز بالعاصمة الإيرانية طهران. لم يجد ما يقوله غير أن عبدالناصر بنى مع آخرين كتلة عدم الانحياز. وعندما حضر مؤتمرا للقمة الإفريقية لم يجد غير اسم عبدالناصر ليحتمى به ويؤكد ان مصر سوف تستعيد دورها الذى كان لها أيامه. وعندما زار مصنع الحديد والصلب فى حلوان اضطر للاشادة به. وعندما زار روسيا أكد أنه يريد اعادة العلاقات كما كانت ايام عبدالناصر وتبخر تماما مشروع النهضة فى برنامجه الانتخابي.. وعندما تمت الأطاحة به فى الثالث من يوليو الماضى فى الكلمة التى القاها الفريق أول عبدالفتاح السيسي. ظهرت على الفور. صورته مع عبدالناصر. وكأنه خليفته الحقيقي. وبسرعة ساد هذا الانطباع لدى الغالبية فى مصر والعالم العربي.. وارتاحت له.. ومن يحلل اسباب الارتياح لهذه المقارنة سوف يكتشف بسهولة انها ليست لانه كان رأس الحربة فى الثورة ضد الإخوان وانهاء حكمهم لانهم اخوان. ولا لأنه سيطبق اشتراكية. وإنما للحفاظ على الدولة الوطنية من الضياع وانهاء المشروع الأمريكى لاستخدام الإخوان المسلمين فى تفتيت دول العالم العربى الى دويلات اصغر. أو سيطرتهم عليها ليكونوا الوكلاء الجدد لها فى المنطقة. ونشر الفتن المذهبية بين السنة والشيعة العرب وانهاء حلم الوحدة القائمة على القومية العربية لمصلحة مشروع وهمى اسمه الخلافة الإسلامية. ونشر الفتن الدينية بين المسلمين والمسيحيين العرب وضرب أهم اسس الوحدة الوطنية التى استقرت فى مصر بعد ثورة 1919 بقيادة الزعيم خالد الذكر سعد زغلول باشا.. ولهذا لم يكن غريبا ان تلقى السعودية بالذات بثقلها وراء الثورة ضد المخطط الأمريكى لتمكين الإخوان. بينما كان الأولى بها ان تؤيده بحكم مركزها الدينى ولانها أول من اوت الإخوان فى عهد عبدالناصر ودعمتهم. ولان الشيخ يوسف القرضاوى كان عضوا فى الخلية التى تكونت عام 1965 ومعه احمد العسال والشيخ القطان تحت اشراف جهاز المباحث بوزارة الداخلية السعودية للقيام بالحرب الدعائية ضد عبدالناصر.. ولكنها أيدت ثورة ترفع صورة السيسى بجانب صورة عبدالناصر. والقضية الحقيقية. ان المصريين والشعوب العربية تريد العودة الى الاستقلال الوطنى والدعوة للوحدة العربية والعدل الاجتماعي. والتى كانت جوهر سياسات عبدالناصر والحركة الوطنية المصرية من قبله وهو لذلك مشروع غير قابل للهزيمة ابدا. وسيظل عقدة أمام أى رئيس له مشروع مضاد وسيقوم الشعب بالإطاحة به حتى لو تاجر بالإسلام وتخفى خلف رايته ودعمته أمريكا وأوروبا. كما فعلت مع الإخوان. لمزيد من مقالات حسنين كروم