يقول التوقع المنطقى إن أى رئيس قادم سوف يفشل فى الحفاظ على رضا الأغلبية من مؤيديه إذا قطع على نفسه الوعود بتحقيق كل أحلامهم! لسبب بسيط واضح هو أن الأحلام هائلة وأما الممكنات فهى شحيحة، كما أنه ليس هنالك ما ينبئ عن معجزات!. وفى أفضل الأحوال، ومع إدراك المعوِّقات الضخمة داخلياً وخارجياً، وفقر الظروف التى لا فكاك منها، فإن أكبر إنجاز يمكن لأى رئيس قادم أن ينجح فى تحقيقه هو بعض القضايا الملِّحة، مع تعبيد الطريق ووضع خطط متنوعة، قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى للأمور الأخرى، وأما إذا جازف المرشح للرئاسة وألزم نفسه بأكثر من ذلك فسوف يكون من الصعب تخيل أن يرضى عنه الناس فى ظل مناخ السخط السائد الذى تفاقم منذ اندلاع الثورة فى 25 يناير، حيث ارتفعت سقوف الطموح فى وقت تراجعت فيه الأوضاع حتى مقارنة بما ثار الشعب عليه، وزاد على ذلك أن طاقة الصبر أوشكت على النفاد، وصار كثيرون يتعجلون الحصاد ولم يعودوا يتحمسون حتى للنتائج المؤكدة التى سوف تتجلى بعد هذه اللحظة، وبعضها سوف تتأخر ثماره أكثر، لأنه يمكن للثورات الكبرى، وثورة يناير/ يونيو من الثورات الكبرى، أن تفتح كل الملفات دفعة واحدة، وأما الإصلاح المأمول فإن معظمه يأخذ أماداً قد تمتد إلى زمن الأبناء أو الأحفاد. هذا هو التحدى الكبير، أو قُلْ هو الخطر الحقيقى، الذى سوف يحيق بالرئيس القادم، بما يفرض على المرشح للرئاسة وجوب التحرز والتدقيق فى وعوده، وتذكر الحقيقة التى باتت دامغة لا يجادل فيها عاقل، وهى أن الشعب المصرى لن يعود إلى سابق العهد الذى كان الحاكم ينعم فيه بالبغددة بلا حسيب ولا رقيب، وهو ما يترتب عليه أن رضا الشعب بات مرهوناً بوفاء الرئيس بما ألزم به نفسه. وكان أخطر ما وقعت فيه جماعة الإخوان، حتى ضد مصالحهم الخاصة، هو الإفراط فى الوعود وتجاهل الصعوبات، أو ربما الجهل بها أصلاً، وبيع وهم مشروع النهضة الآتى بالخير الوفير السريع، واعتماد الكذب الصريح فى التعامل مع الجماهير، مع الاتجاه كلية فى سبيل آخر لتعزيز تمكينهم للسلطة على حساب الوفاء بما ألزموا أنفسهم به أمام الشعب، ثم المكابرة فى الفشل الواضح، ثم التورط فى مزيد من الكذب عن أسباب الفشل، والزعم المفضوح عن مؤامرات كونية ضد الإسلام..إلخ، وكان هذا من أهم أسباب الإحباط العام وانفجار الموقف الرافض لهم وتجميع الحشود الجماهيرية ضدهم من فئات مطحونة لا تؤرقها كثيراً مشاكل العدوان على حرية التعبير وعدم توافر آلية تداول السلطة سلمياً وتحصين قرارات رئيس الجمهورية من الطعن، وما شابه ذلك. لا مفر للرئيس القادم من أن يتبنى خطابه الشخصى ودعايته وإعلامه مبادئ المصارحة والمكاشفة والشفافية، وفق خطط علمية يتولاها خبراء، يحظون بالاحترام المهنى وبالثقة فى علمهم وفى سمعتهم، يحددون التصورات العملية الخاصة بالأهداف المرجوة وسبل تحقيقها والمدى الزمنى المحسوب لبلوغ كل منها، والعمل على إقناع الناس، عن طريق احترام عقولهم، من أجل استنهاض طاقاتهم الكامنة الخاملة وشحذ همتهم المعطلة. بأسلوب علمى، على أيادى سياسيين وعلماء ومهنيين، يمكن تحويل بركان السخط العام، الذى يعم البلاد طولا وعرضا فى كل الفئات وكل الأعمار، إلى طاقة بناء تفيد أصحابها وتعود بالنفع على البلاد. ونقطة البدء فى كل هذا هى برنامج المرشح للرئاسة، الذى يجوز أن يصاغ بروح الحماسة والعاطفة، ولكن شريطة أن يخلو من اللغو والوعود مستحيلة التحقيق فى مدة الرئيس.وقد أبدت الجماهير حماستها، مع تجربة الإخوان المريرة، لمبدأ محاسبة الرئيس بعد مائة يوم من بداية حكمه، وهو تقليد لا بأس من الأخذ به، بما يفرض على المرشح للرئاسة أن يحدد فى برنامجه ما سوف يلتزم به خلال الأيام المائة الأولى من حكمه، ومن المؤكد أن الأمور ستنقلب ضده إذا هو وعد بما لا يثق تماماً فى قدرته على تحقيقه وفى مواءمة الظروف على مساعدته على ذلك. هنا يمكن تلبية الأمور العاجلة وإبداء الجدية فى البدء فى مسائل قد تطول، مثلاً، هل يمكن تجاهل الاتهامات التى تتركها الحكومة عالقة بخصوص استمرار التعذيب على أيدى عدد من رجال الشرطة؟ وماذا يفيد الرئيس القادم من التستر على عدد من المخطئين إذا صح اتهامهم؟ وما هى الأسباب التى تجعله يؤجل قضية متأججة كانت سبباً فى تفجير ثورة يناير؟. ولقد شاء الإرهاب الأسود أن تحتل مشكلة الأمن رأس الأولويات فى هذه المرحلة، وهى من المستجدات التى لم تكن مرفوعة ضمن شعارات الثورة، وقد قام الشعب بواجبه فى هذا الموضوع وخرج لتفويض الجيش والشرطة بالقيام بمسئولياتهم فى التصدى للإرهابيين، واستمر الضغط الشعبى على الحكومة التى ظلت تماطل ثم خضعت على مضض لوجوب اعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية، وتكررت الأعمال البطولية من المواطنين فى ملاحقة الإرهابيين ومواجهة جرائمهم، وحدث كثيراً أن ألقى المواطنون القبض على بعضهم وتسليمهم لأجهزة الأمن. على كل مرشحى الرئاسة الاستجابة لإرادة الجماهير فى هذا الصدد، ولم يعد من الممكن أن يغض مرشح للرئاسة الطرف عن هذا الموقف الشعبى الحاسم ويعود لنقطة الصفر ليستنزف الوطن مجدداً فى تجارب تعود بالفائدة على الإرهابيين وتسمح لهم بالتقاط الأنفاس من أجل العودة لممارسة الإرهاب مرة أخرى!. سوف يكون تعامل كل مرشح للرئاسة مع قضية الإرهاب كاشفاً له أمام الناخبين، لأفكاره ومواقفه وأهم عناصر شخصيته التى تحدد إذا ما كان له أن يقود البلاد فى هذه الأيام أم لا!. هنا يتحدد انتماؤه الأصيل، وإلى أى حدٍّ هو ملتزم باختيارات الشعب، كما تتضح قدرته على الحسم ومواجهة الأخطار، ويتبين علمه وطريقة تناوله للقضايا العامة. لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب