تعلم الشعب المصرى الصبر من فلاحته للأرض، فقد صبر دهوراً وعقوداً على ظلم الحاكم، وكان ميراثه الحديث أليماً ، واستبشر الشعب خيراً بقدوم ثوار يوليو 1952م، ثم ما لبثوا أن ارتدوا قبعة الحاكم واحتقروا الديمقراطية واحتكروا الحقيقة . ان زعماء مصر فشلوا تاريخيا فى التعامل مع شعبها منذ إحالة الديمقراطية إلى المعاش المبكر عام 1954م، واعتماد أهل الثقة بديلا عن أهل الخبرة فكانت الذبحة الصدرية الأولى للنظام على إثر الانفصال مع سوريا، تلاها وفاة عبد الناصر سياسياً فى 5 يونيو 1967م ، لم يمنح التاريخ الفرصة للسادات وكان متعجلاً معه، إلا أنه انتصر بكفاءة رجل الدولة ، وإذا كان ناصر والسادات من صناع التاريخ، فمبارك من صُنع التاريخ ، وخرج مرسى غير مأسوف عليه، وعلينا أن نرثى لحال النظام السياسى الذى عجز عن تقديم قيادة استراتيجية مدنية تليق بمصر، والتى سعى مبارك لتدمير أى محاولة لبزوغ نجم سياسي، لذا جاء الواقع ترجمة للحال والثقة الشعبية فى قواتها المسلحة ، ونادت بمرشح من أبنائها . وللرئيس القادم أقول: إن شعب مصر يتسم بما لا يتسم به البشر على المعمورة، فلديه وجدان إنسانى متفرد حاول جمال حمدان تصويره فى شخصية مصر لكنه عجز عن سبر أغوارها التى تنفست الصعداء فى 25 يناير 2011م ، فأنت أمام مسئولية تاريخية بوصلتها الديمقراطية للنجاح فى ترتيب البيت المبعثر فى الداخل، فلا يوجد شيء فى مكانه، ولا تصدق إلا ما تراه عيناك، وتشكك فيما تسمعه أذنك، وليكن مستشاروك ومعاونوك ممن هم دون الستين، فأنت فى حاجة إلى شباب يُفكر بسرعة التقنية التى نعيش عصرها. وأقول للمرشح الأوفر حظاً وشعبية لقد شهدت العسكرية المصرية أنماطاً من القيادة الإستراتيجية، الأولى بنائية وظيفية (الفريق رياض)، والثانية إبداعية (الفريق الشاذلي) والثالثة محافظة (طنطاوي)، وقرارك فى 3 يوليو 2013م يضعك فى الثانية ، من حيث المنهج والقرار أسوة بقادة حرب أكتوبر. وأنا أثق أن مستشاريك من الأكفاء سوف يضعون أمامك فى حالة ترشحك للرئاسة نقاط القوة التى ينبغى تعزيزها، ونقاط الضعف التى ينبغى دحضها وبناء سيناريوهات لمواجهة هجوم الخصوم من خلالها. ولكنى ومن منظور أكاديمى أطرح من خلاله نتائج نموذج لتحليل الفرص والمخاطر المحتملة أبدأها بالأخيرة ، وقد تزداد حدتها مع بداية تولى الحكم، فمن المؤكد ازدياد المطالب الفئوية فى ظل الأزمة الاقتصادية والضغوط الخارجية لعرقلة جهود الإصلاح ، كما أن تأسيس حزب سياسى أو تبنيك تحالفا بعينه يكرس لمراكز القوة وتكرار تجربة الحزب الوطنى الفاشلة . فكُن رئيساً لكل المصريين. وأعتقد أن الدفع بالآليات الأمنية لتحقيق الاستقرار بديلاً عن معالجة الأسباب هو خطأ استراتيجى ارتكبه مبارك ، أما على المستوى الخارجى ، فهناك قوى عربية تحاول دفع مصر فى اتجاه تجربة ناصر من جديد، وهو ما تتخوف منه بعض دول الخليج ، عادة ما تأتى مراكز القوة تحت لواء التأييد والمبايعة من أجل مصالحها ، وليس من أجل الوطن ، نعم نجح السادات فى تدمير مراكز القوى ، لكنها عادت مع مبارك أشد قسوة رغم اختلاف الهوية . أعود إلى الفرص المتاحة وهى كثيرة لكنها فى جملتها حزمة من القواعد والمشروعات، عسى أن تكون دليلاً لبرنامجك السياسى وحملتك الانتخابية، إن الثورة كانت ثورة الشباب ، ومن ثم فالاعتماد عليهم ضرورة ، وعليك أن تعمل على تحقيق أهداف الثورة ، والتأسيس لدولة ديمقراطية مدنية اعتمادها القانون والتوسع فى لا مركزية الحكم من خلال الاعتماد على نموذج القدوة بالجدارة والمساءلة ، كما أتمنى أن يكون برنامجك متضمناً تحديد ملامح ومواصفات نائب الرئيس، بل أقول نائبين للرئيس من ممثلى الثورة وأعلم جيداً أنه أمرٌ بالغ الصعوبة، فلقد أصر مبارك على عقم مصر ثلاثين عاماً . إن سيناء تنتظر مشروعها القومى بأفكار إبداعية خلاقة، أما المشروع الثانى الدخول بقوة فى مجال الطاقة النووية السلمية. والمشروع الثالث هو دعم الوحدة الاقتصادية العربية القائمة إجراءاتها على أشدها وإعادة مشروع التكامل المصرى السودانى على أسس جديدة فى إطار تنمية الصعيد المهجور من كل زعماء مصر ، يوجد فى مصر أكثر من 50 حزبا، آمل أن يطرح مشروع للحوار الوطنى هدفه إقامة تحالفات بين الاتجاهات السياسية الواحدة ، وكم كنت أتمنى أن يكون هذا الإجراء قبل الانتخابات التشريعية ، أختم مقالى أن نجاح السيسى فى إدارة البلاد يزيد الثقة فى مؤسستها العسكرية دون تسييس ولنا العبرة فيما جرى فى سوريا. المسئولية الإستراتيجية الكبرى ، أن تقوم بما لم يقم به غيرك من رؤساء مصر الا وهى إعداد قادة استراتيجيين مدنيين بالأساس فى كل قطاع ، ولتكن المبادرة تعيين مساعد وزير أو أكثر من الشباب مهمة الوزير تعليمه وتأهيله للكشف عن قدرات الإبداع الموجودة لدى شباب مصر . إن مقالى ليس طمعا فى شئ ، حيث ان الشيب قد زحف والمرض قد ثقل ، ولم يبق لنا إلا القلم والرأى الأكاديمى وهو بين أيديكم بعد قراءة مدققة للتاريخ، فإننا نعلم ماذا حدث؟ وكيف حدث؟ ولكن علينا أن نبحث عن لماذا حدث ما حدث ؟، كى نستشرف المستقبل ، على أى حال أعان الله رئيس مصر القادم على مسئولياته الجسام وعلى شعبها الذى استعاد حريته ولن يفرط فيها !! لمزيد من مقالات د. عبد الغفار عفيفى الدويك